عبد الرحمن حبش*
تُعدّ سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن مسرحًا لصراعٍ عنيف ومعقد أدى إلى تفكك المجتمع السوري وتدمير بنيته التحتية. ومع استمرار النزاعات المسلحة ظهرت بوادر تتجه نحو تقسيم سوريا. وفي الآونة الأخيرة ازدادت المخاوف من احتمال تقسيم سوريا بعد ارتكاب جرائم بشعة بحق المدنيين في الساحل السوري مما يعكس عمق الأزمة ويؤكد على انعدام الأمل في التوصل لحل سياسي.
تتالت التقارير حول انتهاكات جسيمة ارتُكبت بحق المدنيين في المناطق الواقعة على الساحل التي تُعدّ تقليديًا معقلًا للنظام السوري. تمثل هذه الجرائم فصولًا مؤلمة من قصة النزاع حيث يتعرض السكان المدنيون للقصف والاعتقال والتعذيب مما يزيد من معاناتهم ويعزز شعورهم بالخوف وفقدان الأمل.
تعتبر هذه الجرائم انتهاكات صارخة للقانون الدولي وحقوق الإنسان وتشير إلى استهداف ممنهج للمدنيين بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية. تُصدر منظمات حقوق الإنسان بشكل دوري تقارير توثق هذه الانتهاكات مما يستدعي إجراء تحقيق دولي شفاف لتحديد المسؤولين ومعاقبتهم.
تتجاوز تداعيات هذه الجرائم الأبعاد الإنسانية لتطال الأبعاد السياسية والجغرافية. فمع تزايد الانتهاكات يشعر العديد من السوريين أن خيار العودة إلى الحياة الطبيعية بات مستحيلًا مما يعزز مشاعر الانقسام وعدم الاستقرار في سوريا . يبدو أننا نتجه نحو تشكيل كتل جغرافية جديدة تتجه نحو تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ وولاءات مختلفة.
بالإضافة إلى ذلك تعاني بعض المناطق من حالة عزلة مما يؤدي إلى فقدان الخيارات السياسية والاجتماعية. بينما يتنقل بعض الأشخاص إلى مناطق أكثر أمانًا يبقى آخرون محاصرون في مناطق النزاع مما يخلق شعورًا بالإقصاء واللامبالاة تجاه معاناتهم.
في ظل تفاقم الأوضاع يبدو أن المجتمع الدولي يعيش حالة من الإرباك. تتزايد الدعوات للتدخل ولكن دون استراتيجية واضحة لحل الأزمة. يواجه العالم تحديًا حول كيفية التعامل مع الوضع في سوريا وما إذا كان بالإمكان تصحيح المسار قبل أن يصبح التقسيم واقعًا.
من المهم أن تسهم الجهود الدبلوماسية في البحث عن حلول جذرية تبدأ بوقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية ثم التفاوض لتشكيل حكومة شاملة تمثل جميع مكونات الشعب السوري. إن الفشل في بناء نموذج شامل يعكس جميع مكونات المجتمع قد جعل جزءًا كبيرًا من الشعب السوري يشعر بالإقصاء وفقدان الانتماء ما حول القضايا السياسية إلى تعبير عن الهوية مما أدى إلى استقطاب ونزاعات داخلية.
يتطلب الوضع المتأزم في سوريا حلاً سياسياً شاملاً يهيئ الظروف الملائمة لبناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية اتحادية ويضمن اللامركزية السياسية في دستور سوريا. إن الطريق إلى السلام والاستقرار يبدو طويلاً ويتطلب زيادة الوعي الاجتماعي حول أهمية الوحدة الوطنية ورفض التفرقة. ينبغي على الحكومة الجديدة إعادة النظر في استراتيجياتها والعمل بجد على معالجة حقوق جميع المكونات المختلفة للشعب السوري.
إن الجرائم المرتكبة في الساحل السوري بحق المدنيين تشكل أحد أقوى المؤشرات على أن سوريا قد تتجه نحو التقسيم. وفي ظل انعدام الأمل واستمرار الانتهاكات، تبرز ضرورة تكاتف الجهود الدولية والمحلية لإنقاذ ما تبقى من وحدة سوريا والعمل على تحقيق العدالة والمصالحة. إذ لا يمكن تحقيق سلام مستدام دون معالجة أسباب النزاع وضمان حقوق جميع السوريين.
في الختام لا يمكن تحقيق تغيير سياسي حقيقي دون معالجة التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة. من الضروري أن تتخذ جميع الأطراف المعنية خطوات جدية نحو بناء آلية قيادة وطنية شاملة تضم جميع مكونات الشعب السوري وتعزز الثقة المفقودة بينهم، مع ضمان حقوقهم المشروعة في دولة سورية اتحادية تعددية ديمقراطية حرة تعترف بقضية الكورد بشكل خاص وتضمن مستقبل جميع مكوناتها.
* سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا البارتي