بين الفوضى والتقدم: الإنسان في دوامة التحولات

د. ابراهيم احمد سمو

يعيش العالم اليوم في حالة من الاضطراب العقلي، وكأن هناك مفاوضات مستمرة بين الفشل والأمل، دون سبب واضح سوى أن الإنسان بات على عجلة من أمره. يشعر وكأنه محاط بضباب كثيف من الفوضى والخوف من المستقبل، حيث اللا استقرار هو السائد، والجميع في حالة ترقب لما هو قادم. كأن المستقبل يجوع الإنسان بشدة، لكنه في الوقت ذاته يحمل له بشائر الخير، سواء من حيث إطالة العمر أو تحقيق إنجازات بشرية هائلة في مجالات الصحة، والطاقة، والصناعة، والتكنولوجيا المتطورة.

ورغم أن المسافات بين البشر قد تتسع في المستقبل، إلا أنهم سيكونون أقرب إلى العافية والمعرفة. فاليوم، لم يعد العلم مجرد نظريات، بل أصبح واقعًا تطبيقيًا يغير حياة البشر. لم يعد هناك مجال للاستهانة بعقل الإنسان، فهو صانع التكنولوجيا، لكنه في الوقت ذاته يخشاها.

والمفارقة أن ما يخاف منه الإنسان اليوم هو ذاته ما يستوجب عليه إيقافه، إذ أن العالم لا يزال يعاني من ويلات الحروب والأسلحة الفتاكة التي تحصد أرواح الآلاف. ورغم دقة التكنولوجيا الحديثة في تصويب الأهداف، فإنها لم تقلل من الدمار، بل جعلت القتل أكثر استهدافًا، كما رأينا في تصفية قادة حماس واحدًا تلو الآخر، ثم انتقال الأمر إلى حزب الله، ومن بعده إيران، ليس بسبب القوة العسكرية وحدها، بل بفضل الإعلام والتكنولوجيا المتطورة التي غيرت موازين الصراع في المنطقة.

باتت المنطقة تعيش فراغًا سياسيًا وعزلة نسبية، لكنها ما تزال تدور في دوامة الأحداث المتلاحقة. كل شيء أصبح واضحًا، فالحروب لم تعد كما كانت، بل تحولت إلى أشبه بألعاب الأطفال، وكأننا كنا نشاهد أفلام الخيال العلمي دون أن ندرك أن هذا الخيال سيصبح يومًا ما واقعًا معاشًا.

الجميع يسابق الزمن لمواكبة المتغيرات وفق المعطيات المتاحة، وأصبح التباطؤ في اللحاق بركب التطور مخاطرة قد تعيد المجتمعات إلى الوراء، إلى زمن قد يبدو متخلفًا مقارنة بما هو متاح اليوم. ومع ذلك، وبالرغم من كل التحديات، فإننا ما زلنا أفضل من كثير من الشعوب، بل حتى من بعض الأمم التي لم تتمكن من مجاراة هذه التحولات الكبرى.
إن المستقبل ليس فسحة أمل مجردة، بل هو إشراقة نعيشها اليوم عبر ما تم تحقيقه من اكتشافات علمية وتطبيقات تكنولوجية تغير مجرى الحياة. التحدي الحقيقي ليس فقط في امتلاك هذه التقنيات، بل في كيفية إدارتها وتوجيهها لما يخدم الإنسان، بدلاً من أن تكون سلاحًا يخشاه ويفتك به.

قد يعجبك ايضا