د . صباح ايليا القس
الدين معتقد ايماني يلتزم به من يعتنقونه ويؤمنون بما يفرضه عليهم من اخلاقيات وسلوك وهناك الاديان السماوية المعروفة وهناك اديان وضعية لها من يؤمنون بها كما في البوذية وهناك عبادات لا نقرها نحن ولكن لها من يؤمن بها كما في عبادة البقر والقرود والافاعي وغير ذلك . وللاديان كافة طقوس وكتب ورجال دين يقومون على تطبيق مفردات ذلك الدين او المعتقد .
توصي الاديان باعتماد الاخلاق في السلوك الانساني لا سيما في حسن التعامل مع الآخر اذ ان الحياة برمتها تقوم على احترام الايجابيات والابتعاد عن السلبيات وهذا الثنائي امر ثابت وعليه تعتمد الطبائع الانسانية .
يقوم الادب على ترسيخ الاخلاق التي تتباين بين المجتمعات الانسانية وكذلك العواطف والمشاعر والاحاسيس ولكل هذه التوصيفات أثر او آثار في المنجزات الادبية بغض النظر عن توصيفاتها الشعرية والنثرية علما ان الشعر كان له الموقع المتقدم في النشاط الادبي العربي منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث حيث أخذ النثر يسيطر على الساحة الادبية ويقلل من سطوع الشعر لا سيما في القصص والروايات .
خاف وارتعب الناس بعد ان عاينوا قوى الطبيعة وتأثيرها على قدراتهم لا سيما السيول والعواصف وتعاقب الليل والنهار والافلاك والقمر والشمس والنجوم تلك التي لم يستطيعوا حينها ان يجدوا عِللاً لها فاستغل الكهان تلك الاحداث للقيام بحركات واقوال انتظمت لاحقا لتكون الفاظاً وحركات بحسب ايقاع معين وشكلتْ بداية العبادات متوسمين فيها الكف عن الخوف الذي يعتريهم من هذه القوى الخارقة .
استنادا الى ما تقدم من حيث الانشاد والايقاع والصلوات يمكننا القول ان المعابد والكهنة كانوا اول من قالوا الشعر الذي ينسجم مع الحركات والايمان وهذا ما يدفع الى ان البداوة لم تكن السبب في ظهور الشعر وموسيقاه انما مراكز العبادة هي التي مهدت لاحقا لظهور القوالب الشعرية المعروفة اذ من المعروف تاريخيا ان اليهودية كانت اول ديانة سماوية دخلت جزيرة العرب ولحقتها المسيحية وفي ذلك الحين كان الشعر العربي قد نضج واكتمل قبل ظهور الاسلام .
اما عبدة الاصنام والاوثان فقد اعطوها قدرات خارقة وطاقات غير منظورة بل اعطوها صفات انسانية كالولادة والحنان والغضب بل كانوا يتقربون اليها بالقرابين والمدائح والطلبات الخاصة ..
شعر الحكمة خير دليل على نضوج العقلية العربية لا سيما في معرفة الخير والشر والحق والباطل وحتى عند الاصنام كانوا يرفعون الاكف الى الاعلى مناشدين السماء لكي تبعث لهم الغيث مثلا في ايام الجدب والجفاف .
اشتهرت معلقة زهير بن ابي سلمى بغرض الحكمة الذي تخلل القصيدة التي كانت اساسا للمصالحة بين قبيلتين تنازعتا لمدة اربعين عاما ولا بد لحل لهذه الاشكالية من رجال صالحين واقوال فيها نظرات دينية وفلسفية واجتماعية يتقبلها الجميع لاسيما من يقفون في الصفوف الاولى لحقن الدماء ..
اما السجع المعروف بسجع الكهان فلم يكن الا وسيلة ايقاعية لغوية مؤثرة في نفوس الناس بحيث يستغلها الكهان لإمالة النفوس نحو ما يدعون له من ايمان او دعوات او طلبات .
ضمن هذه الرواية يتجاذب الادب مع الدين للوصول الى اشراقات ايمانية عسى ان تستجيب لها السماء .