هل يعيد قانون “تعادل الشهادات” لجامعات العراق رصانتها العلمية؟

 

صفاء الكبيسي

أفسح إقرار قانون “تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية” في عام 2020 المجال في العراق أمام آلاف الطلاب، من بينهم سياسيون وأعضاء في مجلس النواب، للحصول على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعات خارج العراق، ومعظمُها ذات طبيعة تجارية بعدما سهّل الإجراءات والشروط المطلوبة.

وعلى مدى السنوات الأخيرة، تنافست جامعات عديدة في لبنان والهند وإيران وروسيا على تخفيض تكاليف الدراسة للطلاب العراقيين، قد شمل ذلك جامعات حديثة في مدن قم وطهران ومشهد الإيرانية، تَمنحُ شهادة الماجستير لقاء مبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي، وشهادة الدكتوراه لقاء خمسة آلاف دولار. وقد سمحت جامعات إيرانية بالدراسة عن بُعد، فلا يضطر طلاب العراق إلى متابعة دراستهم الجامعية حضورياً، وبالتالي قد يقتصر سفر الطالب العراقي إلى حيث تقع جامعته في إيران (والأمر جائز كذلك في بلدان أخرى) على مرّة واحدة، في يوم مناقشته الرسالة أو الأطروحة.

وأفاد عضو لجنة التعليم البرلمانية النائب أثير ياسين بأنّ “قانون تعادل الشهادات السابق أُقرّ في ظروف صعبة مرّ بها العالم أجمع في أثناء جائحة كورونا، ونحن في لجنة التعليم نسعى إلى إعادة النظر في قوانين التعليم العالي وتعديل المهمّ منها، بحسب الظروف الحالية، وبما يتناسب مع مصلحة البلد عموماً”. وأوضح، في تصريح صحافي أنّ “التعديل الجديد على القانون يهدف إلى تحصين الشهادة العليا الصادرة عن عدد من الجامعات الخارجية، إذ وصل الأمر ببعضها إلى منحها من دون حضور الطالب إلى مقرّ الجامعة في مقابل (بدل) مالي تتقاضاه الجامعة من الطالب”، مضيفاً أنّ “ثمّة جامعات صارت دكاكين لمنح الشهادات وليست جامعات”، وتابع ياسين أنّ القانون الجديد فرض على الجهات الحكومية في العراق احتساب شهادة الموظف الحاصل عليها وفقاً للتعديلات، في حال توفّرت لديه الشروط المطلوبة. ً.

البحوث العلمية الجاهزة تجارة رائجة تهدد الرصانة العلمية في العراق

وعلى الرغم من أنّ التعديلات استندت إلى أسس علمية رصينة بحسب المعنيين، فإنّ متخصّصين يرون أنّها لن تحدّ من فوضى الحصول على الشهادات العليا من خارج العراق. ويقول عضو نقابة الأكاديميين العراقيين غانم السعدي لـ”العربي الجديد” إنّ “التعديلات التي صاغها السياسيون العراقيون لم تُبنَ على أسس علمية تحفظ رصانة التعليم في البلاد”، فهي “حجّمت شيئاً من فوضى الحصول على الشهادات وحدّدت مدّة الإقامة في البلد مانح الشهادة، غير أنّها في المقابل سهّلت الاعتراف بها ومعادلتها في فترة وجيزة من وزارة التعليم العالي العراقية، كذلك فإنّ التعديلات فتحت الباب أمام الموظفين للحصول على شهادات من جامعات الخارج من دون موافقة دوائرهم الرسمية، وهذه فوضى جديدة”، ويتابع السعدي: “لو كان برلمان العراق حريصاً على أن تكون التعديلات مهنية لكان أشرك نقابة الأكاديميين وأساتذة متخصّصين في صياغتها، لكنّ النواب حريصون على تحقيق أجنداتهم ومنافعهم الشخصية، لذا جاءت التعديلات بهذا الشكل”.

من جهته، ينتقد الأستاذ في جامعة بغداد رائد العميدي تلك التعديلات، ويقول إنّها “لم تعالج قضية التعامل مع الجامعات الرصينة دون سواها”، ويضيف أنّ “التعديل عموماً غير مجدٍ، لا سيّما أنّه ترك الحبل على الغارب بشأن الجامعات، أي أنّ الطالب العراقي، سواءً أكان يعمل في الشأن السياسي أم في غيره، له الحقّ في التوجّه إلى أيّ جامعة، إذ لم يضع القانون شروطاً للتعامل مع الجامعات الرصينة دون سواها”. ويلفت إلى أنّ “ثمّة حرصاً من النواب والسياسيين (عموماً) على عدم تحديد الجامعات، وهذا أمر بالغ الخطورة، ومن شأنه أنّ يضعنا مجدداً أمام فوضى الشهادات المستوردة”، ويبيّن أنّ “الجامعات في العراق تواجه، اليوم، وباءً يتمثّل بآلاف من أفراد الكادر التعليمي الحاصلين على شهادات من دون أن يتمتّعون بأيّ مستوى تعليمي أو مؤهّلات لأداء مهام التدريس الجامعي”.

ومن أبرز التعديلات على قانون “تعادل الشهادات” تحديد مدّة إقامة طلاب الدراسات العليا في الخارج، إذ صارت مدّة الحصول على شهادة الماجستير تسعة أشهر متّصلة، تتضمّن إجازة لمدّة شهرَين، وهو تعديل لم يكن معمولاً به في القوانين السابقة. وبالنسبة إلى الدكتوراه البحثية، فقد خُفّضت مدّة الإقامة إلى ستّة أشهر غير متّصلة، بعد أن كانت سابقاً تتطلّب إقامة متّصلة. كذلك شمل التعديل نوعاً خاصاً من الدراسات، يُعرف بالدكتوراه ما بعد البكالوريوس الذي يجمع بين درجتَي الماجستير والدكتوراه، ويستغرق عامَين. وفي سياق التعديلات، ألغى القانون شرط الحصول على موافقة الدائرة أو الوزارة التي يعمل فيها الموظف الراغب في الدراسة خارجَ العراق، وقد صارت مسؤولية وزارة التعليم العالي مقتصرة على فتح الملف الدراسي ومعادلة الشهادة فقط.

قد يعجبك ايضا