التاريخ يكرر نفسه.. مقارنة بين نابليون بونابرت وأحمد الشرع

شمال آكريي

عندما هرب نابليون بونابرت (1769 – 1821) من جزيرة إلبا* التي كان قد نُفي إليها في عام 1815 متجهاً نحو باريس، حدث تغيّر جذري وتدريجي في لغة الخطاب الصحفي الفرنسي تجاه نابليون. هذا التحوّل في لغة الإعلام الفرنسي اعتُبر موقفاً سياسياً غير مستقر وإعلاماً انتهازياً. التغيير الذي حدث في موقف الإعلام والصحافة مرَّ بعدة مراحل:

١-  مرحلة المعارضة الشديدة (بعد النفي إلى إلبا – بداية الهروب)
عندما نُفي نابليون إلى جزيرة إلبا عام 1814، كانت الصحافة الفرنسية، التي كانت تحت سيطرة الملك لويس الثامن عشر، تصف نابليون بصفات سيئة جداً وتعتبره شخصاً مستبداً وظالماً قاد فرنسا إلى الدّمار والحروب الدموية. تلك الصحافة المؤيّدة للملك كانت تشن هجمات مستمرة على نابليون وتتهمه بالخيانة واعتباره المسؤول الأول عن آلام ومعاناة الشعب الفرنسي.

٢- مرحلة الحذر واليقظة والانتباه (عندما هرب من السجن متجهاً نحو باريس)
بعد أن هرب نابليون من سجن جزيرة إلبا في 26 فبراير 1815، نشرت الصحف الفرنسية بعض التقارير غير المطمئنة التي انعكست فيها علامات الخوف والتردد. كانت الصحافة الملكية تنشر في تقاريرها مصطلحات قاسية وعنيفة تجاه نابليون، وكان يظهر فيها عدم الاكتراث والتأكيد على هزيمة نابليون، وكانت تصفه بأنه “مجرم وهارب بائس” لا يستطيع الصمود أمام جيش الملك.

٣- مرحلة التغيير التدريجي (كلما اقترب نابليون من باريس، لانت لغة الصحافة)
كلما تقدم نابليون داخل فرنسا، غيّر الإعلام لغته وجعلها أكثر ليونة. عندما رفض جنود الملك توجيه فوهات بنادقهم نحو نابليون وأنصاره وانضموا إلى جيش نابليون، شعرت الصحافة والإعلام المرتبط بالملك أن النظام الملكي في خطر. هنا ظهر تردد واضح في الصحف، وتحوّلت اللغة من الهجوم إلى لغة أقرب إلى الاعتراف بـ “الإمبراطور السابق”، الذي هو نابليون!

٤- مرحلة الإشادة بنابليون ومناصرته (عند وصوله إلى باريس)
في 20 مارس 1815، وصل نابليون منتصراً إلى باريس. هرب الملك لويس الثامن عشر. تلك الصحف التي كانت قبل أسابيع قليلة لم تترك شيئاً سيئاً إلا وقالته ضد نابليون، فجأة بدأت تتحدث عن حسن قيادة نابليون وعظمته. وكان أفضل مثال على هذا التغيير في صحيفة “لو مونيتور يونيفرسال Le Moniteur Universel، التي كانت لسان الحال الرسمي للحكومة، عندما نشرت سلسلة من العناوين تعكس هذا التغيير السريع:

عندما هرب نابليون من جزيرة إلبا: “الوحش الكبير هرب من السجن”.
عندما وصل إلى جنوب فرنسا: “ذلك الهارب البائس الذي يُلقي بنفسه إلى الموت، يتقدم إلى الأمام، سيوضع له حد نهائي وسيتم القبض عليه”.
وعندما وصل نابليون إلى باريس: “الإمبراطور عاد إلى عرشه وسط هتافات الجماهير وترحيبهم”!
تظهر الصحافة الفرنسية خلال “المائة يوم” ليونة وتغيراً واضحاً في اللون، حسب من يكون في السلطة، منتقلة من يد إلى أخرى. فمن جهة وصفت نابليون بـ “الوحش الكبير”، ومن جهة أخرى، مع صعوده التدريجي، تغير الوصف وأصبح نابليون “الإمبراطور المنتصر”!

إذا تصفحنا صفحات الصحف الفرنسية خاصة والأوروبية عامة في ذلك العصر، سنجد أن هذا التغيير كان من أبرز حالات الانتهازية التي حدثت في التاريخ. كثيراً ما يكرر التاريخ نفسه وربما تكون نسبة التكرار في بعض الأحداث قليلة، لكن إذا نظرنا إلى التغييرات قبل وصول أحمد الشرع إلى السلطة في سوريا وفي مرحلة توسع سلطته كمسؤول أول لقوات هيئة تحرير الشام، التي كانت تعتبر منظمة إرهابية، ووصوله إلى دمشق وسقوط نظام بشار الأسد، سيتضح لنا أن التاريخ قد كرر نفسه. لكن بدلاً من الإعلام والصحافة على طريقة نابليون، كانت القوى الدولية والإقليمية والصحافة التابعة لها، في حالة الشرع!
السؤال هنا: كيف تحول “الوحش، المجرم الهارب، الشخص الخائن ضد الملك… إلخ” في فترة قصيرة، إلى إمبراطور منتصر؟ وكذلك كيف تحول أبو محمد الجولاني (احمد الشرع) “من إرهابي معروف، ومطلوب من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (F.B.I) الذي وضع في عام 2017 مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل رأسه، متهم وقاتل مئات بل آلاف المدنيين، سجين… إلخ” إلى قائد معترف به يُستقبل في العواصم!؟

*: جزيرة إيطالية في البحر الأبيض المتوسط تبعد 20 كم عن ساحل مدينة بيومبينو Piombino.

قد يعجبك ايضا