البارزاني الخالد وشخصيته القيادية حتى نجاحه في الحصول على مؤيدين للحركة التحررية الكوردية في صفوف الــ (KGB) في مبحث أكاديمي

 

 

اعداد: عدنان رحمن

اصدار: 25- 2- 2025

 

مع حلول شهر آذار، الذي يتزامن مع عدة مناسبات تخص البارزاني الخالد، ارتأينا نشر هذا البحث، ففي اربيل عاصمة اقليم كوردستان عام 2013 صدر كتاب بعنوان ( الزعيم مصطفى البارزاني- حياته ودَورَهُ في قيادة القضية الكوردية)، الذي كان بحثاً أكاديمياً من اجل نيل شهادة جامعية للاستاذ ( هوشيار مظفر علي أمين)، والذي صدر عن حكومة اقليم كوردستان- وزارة الثقافة والشباب- المديرية العامة للاعلام والطباعة والنشر- مديرية طبع ونشر اربيل.

كان البحث يحتوي عــــــلى مباحث كثيرة، اخترنا جزءاً من المبحث الثالث، الذي كان بعنوان ( شخصيته القيادية)، أي البارزاني الخالد، وإليكم ما ذكره:

– ” إن مجمل الأداء السياسي للزعيم مصطفى البارزاني كان ولا يزال في آفاق الدرس والبحث في سيرته الشخصية والسياسية التي تعبر عن القيم التي اختطها الزعيم مصطفى البارزاني في منظومة قيم الثورة الكوردية التي قادها طوال العهد الملكي حتى ١٩٥٨ وعهود عبدالكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف، الذي تنازل عن الرئاسة في ۱۷ تموز من العام 1968 واحمد حسن البكر الذي تنازل عن الرئاسة في ١٧ تموز من العام ۱۹۷۹ثم في بعض من المدة التي قضاها صدام حسين في الحكم. ويعبر كذلك عن تمتعه بصفات الشخصية القيادية، ([1]) وفي مجمل هذه العهود كان الزعيم مصطفى البارزاني يؤدي دَوره السياسي الاجتماعي، الإداري والقيادي، وفق تلك المنظومة التي اختّطها هو لنفسه منذ بداية حياته السياسية في حركة التحرر الكوردي ([2])، ولعل تلك المراحل والعهود مرتبطة في منظومة الزعيم مصطفى البارزاني بما كان يؤديه في إدارته وقيادة مجتمعه الذي أطاعه وقبل إدارته وقيادته بدءاً من العهد الملكي. ([3]) أو بمعنى آخر فإن الزعيم مصطفى البارزاني كان في دَوره في الحركة التحررية الكوردية ( قائداً متكامل صفات القيادة). أي أنه: ( القائد الذي تجتمع فيه مواصفات الرجل الذي يقود امّته أو جيشه نحو الهدف والنصر وفق ستراتيجيات القيادة الفعلية التي تجسد شخصية القائد التاريخي). ([4]) وذلك كان جزءاً لا يتجزأ من المواصفات القيادية للزعيم مصطفى البارزاني، حيث أنه أوجد لنفسه ما وصفناه آنفاً، بمنظومة القيم المتعلقة بقيم الثورة الكوردية وحركة التحرر الكوردية طوال عهودها و عصورها، وهو ما كان بعض تحولاته في نزعته نحو ابراز محورية القضية الكوردية نضالاً وجهاداً في العراق وفي دول الجوار. ([5]) وهكذا تحوّل الزعيم مصطفى البارزاني ( الى زعيم كاريزمي للأكراد). ([6]) هذا التحوّل في شخصية الزعيم مصطفى البارزاني نحو الزعامة الكاريزمية ( ذات القبول الاجتماعي) يجعل من سمات دَور الزعيم مصطفى البارزاني القيادي ذات اصول إدراكية، إستشرافية، إستلهامية وإستنباطية، وهذه الأصول جعلت الزعيم مصطفى البارزاني ينجح في تحويل أصدقائه الى الاتبّاع الكلّي لقيادته متأثرين بدَوره وتحويل حتى غير الكورد الى متعاطفين معه وفق كاريزميته في شخصيته القيادية وقبوله الخاص والعام لدى أتباعه: ( لقد نجح البارزاني في كسب أصدقاء ومؤيدين للشعب الكوردي لحركته التحررية حتى في صفوف المخابرات السوفيتية  (KGB)، لأنه كما يقال حمل سيفه بشكل صحيح وبسبب وفائه وإخلاصه زرع الثقة والصدق تجاه حركة شعبه). ([7]) هذا القائد – وهو في هذه الأطروحة ليس قائداً تاريخياً وفق مسيرته ودَوره فحسب- إنما هو القائد الذي تتقدّم فيه صفات القيادة وصفات تحمّل القيادة، او كما يُسمى اليوم بإسم ( فن الحكم). ([8]) ولعل بعض صفات وسمات فن الحكم لدى الزعيم مصطفى البارزاني كانت إدراكه لفن التفاوض في حياته النضالية والسياسية باعتباره مدير أزمة وقائد صراع، حيث ان احدى ابرز أدواره في ذلك كله كانت قواعده في المفاوضات قبل وأثناء وبعد الصراعات. اذ تُعَد المفاوضات الناجحة بعض صفات القائد الناجح. ([9]) إن الزعيم مصطفى البارزاني كان مفاوضاً ومدير مفاوضات من الطراز الاول، وإن رسائله التي كانت توجه وفوده ونوابه ومفاوضيه في مفاوضاتهم مع الحكومة المركزية خير دليل على ذلك. ([10]) فضلا عن كونه مفاوضاً من الطراز الاول، فأنه كان طوال عمره قائداً متحركاً بكل صفات الحراك القيادي التي وسمته من قبل، ومن بعد بصفات الزعامة التي وصف بها من قبل الجميع وهو حراك لا يليق الا بشخصية قيادية مثل الزعيم مصطفى البارزاني في سيرته ودَوره في النضال الكوردي، ولعل شهادة الزعيم مسعود البارزاني توضح بعض ذلك: ( بين يدي الآن مفكرة البارزاني الخاصة التي كانت تلازمه ويسجل فيها تنقلاته الخاطفة أثناء القتال فللفترة المختصرة بين الاشهر الثلاثة الأخيرة من العام ١٩٦١ والعام ۱۹٦٢ قرأت أن مقره اضطر الى الانتقال سبعا و عشرين مرّة من موقع إلى آخر إما لإدارة القتال أو اتقاءاً للغارات الجوية). ([11]) وهذا ما يدّل جلياً على مجمل صفات القيادة ودَور صفات القيادة في السيرة السياسية للزعيم مصطفى البارزاني واثر تلك الصفات في الحركة التحررية الكوردية التي قادها. وفي واقع الحال فإن القيادة لدى الزعيم مصطفى البارزاني ( قيادة صراع) متحول عن ( إدارة الأزمة) باعتبار أن الأزمة تسبق الصراع. وأن الأزمة تكون غالباً سياسية والصراع يكون غالباً عسكرياً، هذا وأن الزعيم مصطفى البارزاني أوجد التوازن بين الأزمة والصراع، فكان في آنٍ واحد مدير الأزمة وقائد الصراع في صفاته الشخصية القيادية. وبعض صفات القائد أن يكون محللاً لما يقوده. ([12]) وهكذا كان الزعيم مصطفى البارزاني محللاً لواقع ( القضية الكوردية) وهذا ما يتجلى في قوله: ( حرّيٌ بنا أن نذكر هنا أيضاً أن الحرب في كوردستان تُهدد السلام والأمن في الشرق الأدنى الآن أكثر من أي وقت مضى وللأساليب التي ذكرناه آنفا، ولأن الحكومات العراقية قد فشلت في حل المسألة سياسياً أو عسكرياً فإن الحرب التي تدور رحاها ضد شعبنا ليست مسألة داخلية كما يزعم نظام الحكم في العراق، إذ كيف تكون الحرب التدميرية التي امتدت ثمانية اعوام مسألة داخلية تخص اصحابها فحسب). ([13]) وهذا الايجاز التحليلي يقدم لنا قيمة توصيف الحالة الكوردية في تلك المأساة والغدر الذي جرى بالحالة الكوردية من قبل ما أسماه الزعيم مصطفى البارزاني باسم ( الحكومات العراقية) في تحليله لتلك الحكومات التي قاد الزعيم مصطفى البارزاني ضدها النضال، وبذلك تسقط دعاوى أولئك الذين حاولوا الحط من شأن الشخصية القيادية للزعيم مصطفى البارزاني بدعاوى سيئة مسيئة لتاريخ العراق قبل أن تسيء للزعيم مصطفى البارزاني ودوره القيادي والإداري ([14])”.

 

[1] – سيمون جون، القيادة، ط 1، بيروت، بلا دار نشر، ص ۲۱۷، حيث يورد سمات الشخصية القيادية واهمها الاداء السياسي الفعّال.

[2] – راجع لفهم ادق، مسعود البارزاني: مصطفى البارزاني والحركة التحررية الكوردية بأجزائه الثلاثة ( في طبعته العربية والكوردية وما فيهما من وثائق بخط الزعيم مصطفى البارزاني).

[3] – ايوب بارزاني، المقاومة الكوردية للاحتلال ( ط1، دار نشر حقائق الشرق، سويسرا، بلا سنة نشر).

[4] – فريد زكي فريد، تحولات القيادة وستراتيجياتها ،ط ا، دار الشرق، بیروت ۲۰۰۲، ص ۱۹۷؛ وانظر ايضاً تمیم محمد عبدالله فن القيادة وفن الإدارة رؤى ستراتيجية، ط 1، دار الاكاديميين الجامعيين- بيروت، ٢٠٠٦، ص ۱۱۱- 135 و ٢٤١- ٢٨٥( فيه تفصيل العلاقة بين منظومة شخصية القائد ودَوره في الوصول الى هدف القيادة).

[5] – مسعود البارزاني، المصدرالسابق، ملحق الوثائق في خاتمة المجلد الثالث ففيه شواهد ذلك كله.

[6] – فريد أسسرد: أصول العقائد البارزانية، ط۱،مرکز کوردستان للدراسات الستراتيجية، السليمانية- ۲۰۰۸، ص ۲۱۷. ورغم اقتباسنا هذا الوصف للزعيم مصطفى البارزاني من هذا الكتاب ( الزعيم الكاريزمي) فإننا نخالف كثيرا مما جاء في هذا الكتاب حول الغلو في العقائد البارزانية وحول الشيخ احمد البارزاني ( أخو الزعيم مصطفى البارزاني) وحول الباطنية في بعض جذور الاسرة البارزانية ولا يؤخذ بآراء المؤلف في ذلك كله، لانها مغرقة في الاخطاء التاريخية والعقائدية حول الاسرة البارزانية.

[7] – وزيري أشو: دوسيه البارزاني في محفظة ستالين الفولاذية. ترجمة: اسماعيل حصاف، ط 1، مؤسسة موكرياني- هولير، 20٠٨، ص 43. وهو أحد أهم المصادر على الرغم من صغر حجمه في تحليل السمات القيادية للزعيم مصطفى البارزاني.

[8] – راجع دنيس روس: فن الحكم. ترجمة: هاني تابري،ط1، دار الكتاب العربي- بيروت، ۲۰۰۸، ص ١٥.

[9] – المصدر السابق نفسه: ص ٢٢٥- ٢٥٨.

[10] – راجعها في مسعود البارزاني: البارزاني…… مصدر سابق، المجلد ۳، ص 770، رسالته للامم المتحدة على سبيل المثال ففيها بعض منظومته في المفاوضات التي يريدها من أجل الحركة التحررية الكوردية وهي تشير الى بعض ما ذهبنا اليه.

[11] – مسعود البارزاني: البارزاني…… المصدر السابق نفسه، ص ۱۳.

[12] – سيمون جون: القيادة…. مصدر سابق، ص ٩٦.

[13] – مصطفى البارزاني، مذكرة البارزاني الى هيئة الامم المتحدة، ط۱، مطبعة خبات، منشورات الحزب الديمقراطي الكوردستاني- المكتب السياسي ١٩٦٩، ص ٩.

[14] – راجع على سبيل المثال: احمد عبد المجيد: صانع البارود، ط ۱، بغداد- ۱۹۹۰؛ وفاضل البراك: مصطفى البارزاني بين الاسطورة والحقيقة، ط ۲، دار الشؤون الثقافية- بغداد ۱۹۸۹. وهما كتابان سقيمان لا قيمة علمية لهما بعد تحليلهما، مؤلف الاول مستشار في وزارة الثقافة والاعلام، ومؤلف الثاني مدير جهاز المخابرات العراقي قبل ان يعدمه صدام حسين ۱۹۹۱ بتهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي. فما ورد في الكتابين عن الزعيم مصطفى البارزاني محض اكاذيب وطعونات في قيادته للحركة التحررية الكردية ومحاولة للحط من دَوره في تلك القيادة، ونحن نجدهما كتابين يمتهنان الحقيقة التاريخية ولقد كتبا بأمر من صدام حسين عندما كان يريد بعد نهاية حرب الخليج وبعد ان فعل الافاعيل بالكورد في حلبجة ۱۹۸۷ والانفال ۱۹۸۸ بكل الوسائل تشويه الحركة الكوردية التحررية.

قد يعجبك ايضا