إحسان آميدي
السّلم هو التعايش المشترك للمجموعات البشرية على قطعة أرض يعيشون عليها معا، حتى يشعر جميع أفراد تلك المجموعة بالثقة والأمان مع اختلافاتهم العرقية والدينية، ويتمتعون بحقوقهم، ولا يتعرضون للتهديدات الداخلية والخارجية، ويمكنهم إظهار هويتهم الخاصة. وهذا عنصر أساسي لتحقيق جميع حقوق الإنسان.
الإنسان في أي مكان وزمان له حقوقه الإنسانية، ويحتاج إلى الأمن والسّلام والطمأنينة والاحترام. والنضال التحرري هو من أجل تلك الحقوق والأمن والسّلام، ولتحقيق ذلك يجب على الأطراف المتعارضة والمتنافسة أن تولي اهتماما بالسّلام الداخلي والخارجي وأن تعرف وتمارس حوار السّلام.
السّلام هو إنهاء العنف والعداء، والعودة إلى حلول سياسية سلمية، من أجل الأمن والاستقرار والتنمية وتحقيق العدالة والرفاهية. في جميع الأوقات هناك حاجة للسلام، كما يشير نداء السّلام إلى وجود أكثر من طرف متعارض ومتنازع، وهناك رغبة في إزالة العوائق التي تسبب النزاعات والخلافات لتمكين وترسيخ الحلول السّلمية.
السّلام بأي ثمن أفضل من الحرب والصدام، فالحرب تعني القتل والدمار، ومهما طالت فالحل النهائي هو السّلام دائما. غالبا ما يُفرض الأمن بالقوة، لكن هذا ليس سلاما، بل هو وضع هش وغير مستقر. لذا من المهم تحقيق السّلام على أساس التفاهم والقبول المتبادل واحترام الحقوق ليكون مستقرا ويحقق الأمن والاستقرار.
يتحقق السّلام من خلال الفكر والإيمان والنية الصادقة والمبادرة وعمل جميع الأطراف المعنية. السّلام يحتاج إلى محبي السّلام ومناصريه، وهذا يتطلب شجاعة وتضحيات. الأفضل أن يطالب القوي بالسّلام ويحققه ليُسجل في سجل التاريخ كانجاز إنساني خالد.
في النضال السياسي، كما في صراع الحياة، لكل نجاح تضحياته، ولا تأتي كل الأمور حسب رغبة الإنسان. تلعب القوة وتوازن القوى دورا رئيسيا في المواقف المختلفة. لذا من الأفضل عندما لا ينجح أسلوب ما، التفكير في أسلوب آخر للوصول إلى الأهداف واختيار ما هو مناسب.
اتبع الأكراد العديد من مسارات النضال والمقاومة، وقدموا الكثير من التضحيات لأهدافهم القومية، لكن بسبب عوامل القوة السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية لم تتحقق تلك الأهداف. ولكن وفقا للظّروف الداخلية والخارجية، هناك اليوم إقليم كوردستان الفيدرالي، وكيان إداري ذاتي في الغرب، وفي الشرق لا توجد حديث ومناقشات بعد، وفي الشّمال بعد واحد وأربعين عاما من الكفاح المسلّح والتضحيّات والدمار الكبير لم يتحقق شيء. لكن الآن بدأت حركة سياسية مؤثرة تدفع كوردستان وتركيا والعالم للحديث والدعم، وهي مبادرة زعيم حزب العمال الكوردستاني السّجين عبد الله أوجلان الذي يدعو إلى نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة لحزب العمال الكوردستاني وحل الحزب.
مهما كانت الظروف، هذا النداء مهم وتاريخي، وهو مفيد لجميع الأطراف حتى لا يستمر القتل والدمار وتبدأ عملية سلام وتحقق الأمن والاستقرار. تجربة واحد وأربعين عاما من التضحيات لحزب العمال الكوردستاني دون نتائج ملموسة، ووضع الشرق الأوسط الحالي والتغييرات التي حدثت والمتوقعة، تدفع الحكماء للتفكير في طريق آخر للنضال للوصول إلى أهدافهم المشروعة، بهدف تحقيق ما لم يتحقق بالحرب، عن طريق السّلام.
نداء عبد الله أوجلان هو مبادرة سلمية، أصداؤها كبيرة على مستوى كوردستان وتركيا والشرق الأوسط والعالم، وتؤثر على سياسة الدولة التركية والدول الإقليمية. والجميع ينتظر استجابة الحكومة التركية لهذا النداء.
من الواضح أن الكورد حذرون من سياسات الدول المحتلة، لأن عقلية السلطات هي الهيمنة والقمع والقضاء على الآخر، خاصة عندما يكون الطرف المقابل في حالة ضعف.
من الواضح أن حزب العمال الكوردستاني ليس لديه وجود كقوة مسلحة في شمال كوردستان، بل يقتصر وجوده على مجموعات مسلحة تحت قيادة تختبئ في جبال إقليم كوردستان، مما يؤدي إلى الضغط على الإقليم وإلحاق الضرر به بشكل أكبر مما تفعله في تركيا. وهذا الوجود أيضا يتعرض لهجمات مستمرة من القوات التركية وتهديدات بالتصفية، أي أن تجربتهم المسلحة باءت بالفشل، ووجدوا أنفسهم في موقف ضعيف.
من ناحية أخرى، هناك تغيرات في الشرق الأوسط؛ فقطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا، وجبهة المقاومة بقيادة إيران، تعرضت لانتكاسات بدعم من الدول العظمى في العالم. نأمل هذه المرة ألا يكون الكورد ضحايا لاتفاقيات سرية، وألا يتم إقصاؤهم في تلك الخانة.
بصيص الأمل الموجود في كل ما يجري هو الاهتمام الدولي بالقضية الكوردية ومسألة نداء أوجلان، بدءا من البيت الأبيض الأمريكي، والأمين العام للأمم المتحدة، ورؤساء الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي، ورؤساء القوى السياسية التركية، والرئيس بارزاني، ورئيس الإقليم، ورئيس حكومة كوردستان، ورؤساء القوى السياسية الأخرى في كوردستان، الذين رحبوا جميعا بسعادة وأمل بهذا النداء، وأبدوا استعدادهم لدعم ومساعدة هذه المبادرة لإنجاحها.
الآن الكرة في ملعب الحكومة التركية لإظهار حسن النية، والتعامل بثقة، وتهيئة الأرضية للحوار والمفاوضات من أجل الحل والسّلام، حتى يتمكن قادة حزب العمال الكوردستاني من تنفيذ ما أعلنه أوجلان، وبالتالي تحقيق الأمن والاستقرار والسّلام، وتمتع الكورد بحقوقهم.
هكذا فتح الكورد صفحة أخرى من النضال بأسلوب جديد، وأظهروا للعالم أن الشعب الكوردي محب للسلام طالما كانت أبواب الحوار والتفاوض مفتوحة. وعلى الدول المعنية أن تكون محبة للسلام أيضا، وأن تقبل بوجود الكورد وتضمن حقوقهم.
يقولون: “الخير منا ومنكم، افعل الخير واستقبل الخير.”
السّلام يتحقق من خلال الطرفين، هذا ما قاله الكورد، ونأمل أن تقوله تركيا أيضا. والجميع ينتظر خطوات عملية مبشّرة بالخير والطمأنينة.