دور البارزانيين في بناء السلام بالشرق الأوسط

د. نايف كوردستاني
أكاديمي وكاتب في الشأن السياسي

يمثّل الكورد إحدى المجموعات العرقية الكبيرة في الشرق الأوسط، ويعيشون في منطقة جغرافية تُسمَّى بــ(كوردستان)، وعانى الكورد من صراعات تأريخية، وعرقية ممّا جعلهم يبحثون عن طرق فعَّالة لبناء السلام، وتحقيق الاستقرار في كوردستان.

تُعدُّ القضية الكوردية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط إذ تمثل معضلة سياسية، وتأريخية، وجغرافية تمتدُّ عبر العديد من الدول، منها (العراق، وتركية، وإيران، وسورية)، وتُمثّل هذه القضية تحديات كبيرة للسلام في المنطقة نظرًا لارتباطها بالحقوق السياسية، والثقافية، والاجتماعية للكورد في الدول التي يعيشون فيها، وعلى الرغم من هذه التحديات تبقى القضية الكوردية محورًا رئيسيًا في جهود تحقيق بناء السلام، والاستقرار في الشرق الأوسط، والبحث عن حلول سلمية تأخذ بعين الاهتمام حقوق الكورد، وتحقيق التوازن بين الأطراف المختلفة، لاسيما أن الكورد قد تعرّضوا في العراق إبّان حقبة النظام البعثي البائد إلى سياسات التهميش، والإقصاء، والتهجير القسري، وحملات الأنفال، والإبادات الجماعية، والقصف بالأسلحة المحرّمة دوليًا (الكيمياوي)، والتعريب، وفي تركيا حظر استخدام اللغة الكوردية، فضلًا عن سياسة التهميش، والتمييز لسنوات طويلة، وفي سورية عانى الكورد من سياسة التعريب، والتهميش، والإقصاء وحظر استخدام اللغة الكوردية أيضًا، وفي إيران يعيش الكورد ظروفًا صعبة إذ إنهم يعانون من التهميش، وعدم الاعتراف بحقوقهم السياسية، والثقافية.
وهذا قدر الكورد نتيجة لاتفاقية (سايكس بيكو) أن يكونوا منقسمين بين أربع دول، وقد ظلموا، واستغلوا كثيرًا تأريخيًا، وجغرافيًا، ولم يكنْ يريد الكورد سوى حقوقه السياسية، والثقافية، واللغوية، ولم يفكِّروا بالحروب، ومواجهة الحكومات بالسلاح؛ لأن الشعب الكوردستاني شعب مسالم يؤمن بالسلام، وعدم الخوض في الحروب التي لها آثار سلبية، لكن تأريخيًا الحروب فُرضت على الشعب الكوردستاني، فاضطر الدخول إلى ساحات الحروب، وكانت للعائلة البارزانية دور محوري، وحيوي كبير في الساحة السياسية بالعراق خاصة، والشرق الأوسط بشكل عام، وقد تأثّرت الحركة التحررية الكوردستانية في العراق بشكل كبير بقيادة البارزانيين على مدار عقود من السنوات، ومنذ مطلع القرن العشرين المنصرم أظهرت العائلة البارزانية التزامًا بتطلعات شعب كوردستان في تحقيق حقوقه السياسية، والثقافية إبَّان حقبة الشيخ (عبدالسلام بارزاني).

يعود صراع البارزانيين مع الحكومات العراقية إلى مطلع العشرينيات من القرن الماضي الذين ناضلوا من أجل حقوق الشعب الكوردستاني في العراق حتى بدأت ثورة بارزان الأولى في عامي (1931- 1932) بقيادة الشيخ (أحمد بارزاني)، وثورة بارزان الثانية في عامي (1945 -1943) بقيادة الزعيم الروحي (مصطفى بارزاني)، لكن الدور الأبرز جاء مع (مصطفى بارزاني) الذي أصبح قائدًا بارزًا للثورة الكوردية في الستينيات لاسيما في ثورة أيلول التحررية من عام (1961) إلى عام (1975) ضد سلطة الحكومة العراقية المركزية آنذاك، فقد أكّد الزعيم (مصطفى بارزاني) في أكثر من مناسبة على أن الكورد يسعون لتحقيق حقوقهم ضمن إطار وحدة العراق، وأنَّنا لا نريد الحرب، لكن الحرب فُرضت علينا، وقد استطاع (البارزاني) أن ينتزع أول اعتراف قانوني بحقوق الكورد في العراق باتفاقية (11آذار 1970)، وهو أوّل اعتراف إقليمي بمطالب القومية الكوردية، وكانت هذه البداية لإقرار الآخرين بمشروعية، وحقوق الشعب الكوردستاني لكن حكومة البعث لم تلتزم بذلك.

وكان لفخامة الرئيس (مسعود بارزاني) دور كبير في تحديث الحركة الكوردية، وجعلها أكثر تأثيرًا في السياسة العراقية المعاصرة، وتحرير العراق من نظام البعث البائد في عام (2003)، فقد قاد الرئيس (مسعود بارزاني) نحو مرحلة جديدة من الحكم الذاتي، وفي ظل هذه الظروف أصبح إقليم كوردستان العراق أكثر قوة في تحديد مصيره السياسي حيث ساهمت القيادة البارزانية في التأكيد على ضرورة الاعتراف الكامل بحقوق الكورد في العراق، وعُرف عن (البارزاني) دوره الدبلوماسي في تحقيق التوازن بين الحفاظ على استقلالية إقليم كوردستان، وبين التعاون مع الحكومة العراقية الاتحادية. وكان (البارزاني) من الداعين لإقرار النظام الاتحادي (الفيدرالي) في العراق الذي يعدُّ أنموذجًا يُعزّز حقوق الكورد من دون المساس بوحدة البلاد، فضلًا عن ذلك بذل (البارزاني) جهودًا كبيرة في استقرار العلاقات مع الحكومة الاتحادية بعد سقوط النظام البائد، وساعد هذا التوجّه الدبلوماسي على تعزيز وجود الكورد في العراق الجديد، وكان جزءًا من تحقيق السلام السياسي في المنطقة.

للبارزانيين دور في الحلول الإقليمية، والانفتاح على الجيران، وهم من أبرز اللاعبين في تعزيز العلاقات بين إقليم كوردستان، والدول المجاورة، مثل (تركية، وإيران، وسورية)، وعلى الرغم من التوترات بين الكورد، وتركيا بسبب نشاطات حزب العمال الكوردستاني (PKK) كان البارزانيون حريصين على تحسين العلاقات مع الحكومة التركية. واستطاع الرئيس (مسعود بارزاني) بناء جسر من التعاون الاقتصادي، والسياسي مع تركية حيث سعت الحكومة التركية إلى تعزيز التعاون التجاري مع إقليم كوردستان بما في ذلك استيراد النفط عبر إقليم كوردستان.

وقد أدّى البارزانيون دورًا حاسمًا في تعزيز الحوار بين الكورد في العراق، وتركية حتى في فترات التوترات كان البارزاني يطرح فكرة السلام كمحور رئيسي في علاقات الكورد مع الحكومات الإقليمية كما أن للبارزانيين دورًا مهمًا في قضية سورية على الرغم من التحديات التي يواجهها الكورد في سورية قبل سقوط نظام (بشار الأسد) كانت العائلة البارزانية قد أظهرت دعمًا واضحًا للكورد في غرب كوردستان –سورية، وكان الرئيس (مسعود بارزاني) أحد المدافعين عن حقوق الكورد في سورية إذ كان يدعو إلى ضرورة منحهم حقوقًا سياسية، وثقافية بما في ذلك حقّهم في المشاركة الفاعلة في الحلول السياسية لسورية المستقبلية. وكان للبارزانيين دور أيضًا في دعم الحركات الكوردية بسورية، مثل وحدات حماية الشعب (YPG) خلال الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي حيث أرسلوا دعمًا لوجستيًا، وعسكريًا لتمكين هذه الحركات من صدّ الهجمات من خلال قرار البرلمان الكوردستاني، وهذا الموقف جعل إقليم كوردستان العراق مركزًا مهمًا في التنسيق بين القوى الكوردية في سورية، والعراق.
ويبرز دور البارزانيين بشكل خاص في عملية بناء السلام بالشرق الأوسط على مستويات متعددة في التمثيل السياسي، والمشاركة الفعّالة، ومواجهة التطرّف، والإرهاب، والدفاع عن حقوق الإنسان، ودور الكورد في العلاقات الدولية، والمبادرات السلمية، والمفاوضات، وتحقيق التوازن في العلاقات الإقليمية.

ومن ضمن سلسلة لقاءات رئيس حكومة إقليم كوردستان (مسرور بارزاني) في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، فقد اجتمع بوزير خارجية سورية (أسعد الشيباني) بتأريخ (23 كانون الثاني 2025)، وبحث الجانبان آخر مستجدات الأوضاع في سورية، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية، وبيّن الوزير أن الكورد هم أخواتنا، وإخوتنا، وهو مكوّن محوري، وأصيل في سورية، ونؤكّد أن حقوقهم ستكون مصانة، ومحمية، كما أكّد رئيس الحكومة الكوردستانية أنّ حماية السلم، والاستقرار في سورية يمثّل أولوية قصوى بالنسبة لنا مُبديًا استعداد إقليم كوردستان لتقديم كافة أشكال الدعم، والمساعدة اللازمة لإخواننا، وأخواتنا في سورية، واتفق الجانبان على حماية حقوق كافة المكوّنات في سورية، ومن ضمنهم الشعب الكوردي.

كما التقى فخامة رئيس إقليم كوردستان (نيـچـيرڤان بارزاني) بوزير الخارجية السوري (أسعد الشيباني)، وذلك ضمن فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن في (15 شباط 2025)، وأكّد فخامة الرئيس خلال الاجتماع على مناقشة الأوضاع السياسية، والأمنية في كل من سوريا والعراق مشيرًا إلى أهمية تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتناول أيضًا أوضاع المكوّنات في سورية، وشدّد على ضرورة حماية حقوق هذه المكوّنات، وضمان مشاركتها في بناء مستقبل البلاد، وأكّد الرئيس (البارزاني) أيضًا على أهمية تحقيق السلام، والاستقرار في المنطقة عبر الحوار، والتفاهم، والعمل المشترك بين كافة الأطراف مشدّدًا على حماية حقوق الشعب الكوردي، والمكوّنات جميعًا في سورية.
وهناك تطوّر كبير، ومفصلي في القضية الكوردية لاسيما بعد استقبال فخامة الرئيس (مسعود بارزاني) في (16 شباط 2025) بمصيف صلاح الدين وفد إمرالي برئاسة السيدة (بروين بولدان)، والسيد (سري سورييا أوندر)، وعبّر الوفد عن آرائه، وتوجهاته حول الأوضاع السياسية، وعملية السلام في تركية للرئيس (البارزاني)، واستعرض تفاصيل، ونتائج لقاءاته مع السيد (عبدالله أوجلان)، وأكّد الرئيس (مسعود بارزاني)على أهمية عملية السلام لكونها السبيل الصحيح الوحيد للوصول إلى حلول، وشدَّد على ضرورة أن تكثِّف الأطراف جميعًا جهودها، ومساعيها لتمكين عملية السلام من تحقيق النتائج المرجوّة كما جدَّد الرئيس(مسعود بارزاني) استعداده الكامل لتقديم المساعدة، والدعم لعملية السلام في تركية، وإنجاحها.

كما أكّد رئيس إقليم كوردستان (نيـچـيرڤان بارزاني) لوفد إمرالي في (17شباط 2025)على تقديم كامل المساعدة، والدعم لإنجاح عملية السلام في تركية، ووصف العملية بأنها فرصة مهمة، وتاريخية ينبغي أن يعمل الجميع على إنجاحها، وتعزيز الأخوة بين (الكورد، والترك)؛ لأن السلام ضروري للجميع في تركية، وفي المنطقة، ولقد عملنا دائمًا، ومنذ البداية على تدشين عملية السلام، وحل المشكلات بالطرق السلمية؛ لأن التجارب أثبتت أن الحرب، والسلاح لن يحلا أية مشكلة، وعبر فخامته عن أمله في أن يتبنى حزب العمال الكوردستاني (PKK) رؤية إستراتيجية تجاه العملية مشيرًا إلى أن هذه فرصة ينبغي عدم تفويتها.

ومن جهة أخرى استقبل رئيس حكومة إقليم كوردستان (مسرور بارزاني)في (19شباط 2025)وفد إمرالي،
واستعرض الوفد أهداف زيارتهم، وجهود دعم عملية السلام في تركية، وأكّدوا أن مرحلة جديدة قد بدأت في تركية حيث باتت مسألة إحلال السلام، وتسوية القضية الكوردية قضية مهمة، وضرورة ملحة، كذلك ثمّن الوفد دور الرئيس (مسعود بارزاني)، ودعمه لهذه الجهود.
وشدّد رئيس حكومة إقليم كوردستان (مسرور بارزاني) على أهمية استثمار كل الفرص المتاحة لتحقيق السلام، والاستقرار، وتعزيز التعايش السلمي، والتآخي بين شعوب المنطقة جميعًا، والعالم بأسره.

وجدّد رئيس الحكومة الكوردستانية دعمه التام لعملية السلام في تركية، وإنهاء دوامة الحرب، والعنف مؤكدًا استعداد إقليم كوردستان لتقديم أي شكل من أشكال التعاون، والتنسيق بهذا الصدد.
وأدّى البارزانيون، وعلى رأسهم فخامة الرئيس (مسعود بارزاني) دورًا محوريًا في عمليات بناء السلام، والاستقرار في المنطقة من خلال تبنّي سياسة الحوار، والمفاوضات لحلّ الصراعات في العراق، وإقليميًا، وساهموا في تعزيز السلام بالشرق الأوسط.

قد يعجبك ايضا