سردار علي سنجاري
مرّت سوريا بتحديات كبيرة في السنوات الأخيرة بسبب الحرب الأهلية التي دمرت العديد من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. في ظل هذه الظروف كانت سوريا تخضع لعقوبات دولية كانت قد أثرت على الاقتصاد وعلاقاتها مع العديد من الدول. ومع التطورات الأخيرة بدأ الحديث عن إلغاء الحظر الدولي المفروض عليها.
منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011 فرضت الدول الغربية والعديد من المنظمات الدولية حظرًا اقتصاديًا وماليًا على الحكومة السورية بهدف الضغط عليها لإنهاء النزاع الدامي في البلاد. شمل الحظر القيود الاقتصادية على القطاعات الرئيسية مثل النفط ، التجارة ، و التمويل الدولي مما أضعف بشكل كبير الاقتصاد السوري. ونتيجة لذلك تأثرت القطاعات الاجتماعية مثل الصحة و التعليم وكذلك فُقدت الفرص الاقتصادية لملايين السوريين.
اليوم وبعد ان قرر الاتحاد الأوروبي إلغاء الحظر عن بعض البنود في سوريا سيكون له آثار إيجابية على الاقتصاد السوري. قد يسهم ذلك في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتحفيز الاستثمار الدولي في البلاد. كما سيمكن سوريا من التفاعل بشكل أكبر مع السوق العالمية مما قد يساعد في تحقيق الاستقرار الاقتصادي و الحد من البطالة . بالإضافة إلى ذلك سيعزز إلغاء الحظر العلاقات الدبلوماسية لسوريا مع دول العالم بما في ذلك دول الخليج العربي و الاتحاد الأوروبي مما يعيدها إلى الساحة السياسية الدولية.
منذ انتصار الثورة السورية وسقوط الطاغية بشار الاسد دعت العديد من الأطراف المحلية والدولية و المنظمات الدولية إلى الحوار الوطني بين كافة الأطراف السورية. وتهدف فكرة مؤتمر الحوار الوطني إلى تحقيق المصالحة بين مختلف الطوائف و الكيانات السياسية وإيجاد حلول شاملة للمشاكل الداخلية التي نشأت نتيجة الحرب . هذا يشمل الحقوق السياسية و الاقتصادية لجميع مكونات الشعب السوري سواء من العرب أو الكورد أو الأقليات الأخرى.
يتضمن مؤتمر الحوار الوطني كما أعلنت عنه اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني مناقشات حول إعادة بناء سوريا و إصلاحاتها الدستورية بهدف إنشاء نظام سياسي يعكس تطلعات جميع السوريين.
ومن المحاور التي تم طرحها هو النظر في الدستور السوري وتعديل القوانين التي قد تكون تمييزية.
وكذلك تعزيز العدالة الانتقالية والاعتراف بحقوق مختلف الأقليات.و العمل على المصالحة الوطنية بين الفصائل السورية المختلفة التي كانت تتقاتل خلال السنوات الماضية.
ومن المحاور الهامة مناقشة إصلاحات سياسية مثل الانتخابات الحرة والنزيهة وإنشاء مؤسسات ديمقراطية حقيقية. وتعتبر هذه المحاور انطلاقة لبناء دولة مدنية تؤمن بالديمقراطية وتوفر الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين كافة مكونات الشعب السوري.
اما مايخص المكونات السياسية والعرقية والدينية في سوريا وغيرها فان مؤتمر الحوار الوطني يشكل فرصة تاريخية لحل كافة المتعلقات التي تواجهها تلك المكونات وبالأخص القضية الكوردية من خلال الاعتراف الرسمي بحقوق الكورد في سوريا. ورغم غياب قسد عن المؤتمر الحوار الوطني الذي لم يتم توجيه دعوة له لحضور المؤتمر و كما ذكرت دمشق ان عدم توجيه الدعوة لقسد لحضور الحوار ان هذا الحوار ليس موجها للتنظيمات العسكرية انما للمجتمع المدني السوري . واذا ما تم معالجة القضية الكوردية في سوريا وطرحها في المؤتمر وإعطاء الكورد حقوقا سياسية وإدارية وتحديد وضع المناطق الكوردية بحيث يتم التوصل إلى تفاهم بشأن ادارة المناطق وتوزيع السلطات بين الحكومة السورية والإدارة الكوردية فان ذلك سوف يكون انجازا للكورد في سوريا عليهم بناء مستقبلهم السياسي والاقتصادي عليه ضمن الدولة السورية . اما ما يتعلق بالنظام اللامركزي فان ذلك قد يستغرق وقتا من اجل التفاهم عليه مع دمشق . فمفهوم اللامركزية مازال في حاجة إلى تشكيل تصور ورؤية واضحة له في نظر العديد من الدول وبالأخص العربية التي ربما لا تميز بين اللامركزية والانفصال او الاستقلال . رغم ان الإمارات العربية المتحدة نموذجا قد يقتدى به . وفي وضع سورية وتنوعها الاجتماعي والثقافي والديني فان اللامركزية سوف تحل العديد من الأزمات والمشاكل الداخلية. والنظام اللامركزي سوف يتيح للمكونات السورية ادارة شؤون مناطقهم بشكل افضل وأكثر فاعلية دون التقليص من سيادة الدولة السورية .
ان مؤتمر الحوار الوطني يحمل فرصًا كبيرة لحل القضية الكوردية بشكل يضمن التعايش السلمي بين الكورد والعرب وبقية المكونات في سوريا. لكن في المقابل لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام التوصل إلى حلول جذرية منها التوترات السياسية بين الكورد وبعض الفصائل المدعومة من تركيا والتي ماتزال تقاتل الكورد وتستخدم القوة في مواجهة متطلبات الكورد في سوريا .
وكذلك بعض المواقف المتباينة بين كورد سوريا انفسهم فالبعض يرى ان قسد لاتمثل الشعب الكوردي باكمله انما جزء من الشعب الكوردي وأنها جناح عسكري عليهم التخلي عن مساندة حزب العمال الكوردستاني وانهاء تواجدهم على الأراضي السورية والذي قد يتسبب في خسارة المكون الكوردي في سوريا من اغتنام الفرص في تثبيت حقوقهم المشروعة دستوريا . وعلى قسد ان تنظر إلى مستقبل شعبها الكوردي وتثبيت حقوقه الدستورية ضمن الدولة السورية الجديدة وتتعامل كطرف فاعل ومؤثر في القرار السياسي للكورد في سوريا وهذه مسؤولية وطنية وتاريخية لا يجب التهاون فيها.
إن إلغاء الحظر الدولي عن سوريا سيسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقرار السياسي . وفي هذا السياق سيكون مؤتمر الحوار الوطني أداة هامة للتوصل إلى حلول سياسية شاملة للمشاكل الداخلية في سوريا. و بالنسبة للقضية الكوردية قد يشكل المؤتمر نقطة انطلاق حاسمة نحو إصلاحات سياسية تضمن حقوق الكورد في سوريا وتحقق التوازن بين مطالبهم والحفاظ على وحدة البلاد . ومع ذلك فإن التحديات لا تزال قائمة ويجب أن يكون هناك إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف للوصول إلى حل دائم وشامل. حلا يعيد سوريا وشعبها الى موقعها الاستراتيجي والتاريخي والحضاري وتنوعها الاجتماعي والديني وينهي معاناة عقود من الظلم والقهر والديكتاتورية التي أضعف سوريا وشعبها . ونأمل من الحوار الوطني السوري ان لا يتجاهل مطالب الكورد المشروعة وان يطالب بتحقيق العدالة الانتقالية ووضع البنية التحتية لبناء سوريا ديمقراطية تعددية شاملة توفر العدالة والمساواة لكافة المواطنين.