غفور مخموري*
اللغة الكوردية التي هي هوية ووجود الأمة الكوردية، يتم حظرها ومحوها بشكل مستمر من قبل محتلي كوردستان، واللغة كخاصية قومية تعرضت منذ القدم الى خطر حملات التعريب والتتريك والتفريس، وأريد هنا أن أتحدث عن معارضة اللغة الكوردية من قبل القوى المحتلة لكوردستان، حيث منذ القدم حاولت الشوفينية العربية والتركية والفارسية محو اللغة والثقافة الكوردية وفرض لغتهم وثقافتهم على الكورد.
على سبيل المثال، إذا تحدثنا عن الحكم العربي، نرى أنه بعد معركة القادسية عام 640م، والتي كانت بداية (الغزو) أو السيطرة على كوردستان، كان الغزو العربي عبارة عن حركة تعريبية لتصغير ومحو القيم القومية الكوردية، وتهميش اللغة والثقافة الكوردية، والعمل على نشر وفرض اللغة والثقافة العربية، وحاولوا بذلك محو وتدمير اللغة والثقافة الكوردية، ولكن لحسن الحظ تم الحفاظ على اللغة والثقافة الكوردية من قبل الشعراء والمثقفين الكورد.
إنّ لغة أي أمة تولد مع ولادة الأمة، ولذلك حاول النظام العربي من اجل تدمير ومحو الأمة الكوردية استئصال اللغة الكوردية، جرت تلك المحاولات في القرون الماضية ومستمرة حتى الآن.
ومع قيام الدولة العراقية تم العمل على إهمال اللغة الكوردية ومحوها، وبعد قيام العراق تم تعيين عنصري عربي يدعى (ساطع الحصري) مديراً عاماً للمعارف، وبقي في وظيفته بين 17 كانون الثاني 1923 و31 تموز 1927، كان (ساطع الحصري) شخصاً عنصرياً، بالنسبة له كانت اللغة هي المعيار الأول للانتماء إلى الوطن العربي وكل من يتحدث العربية فهو عربي، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو تأريخه، كان يحاول تهميش اللغة الكوردية ويبحث عن أعذار كثيرة تحول دون دراسة الكورد بلغتهم والدراسة باللغة العربية، ويهدف من وراء ذلك محو اللغة والثقافة الكوردية تدريجياً، وبطبيعة الحال، فإن أي لغة لن تتطور ولن تتقدم مالم يتم تدريسها وكتابتها.
وفي الوقت اللاحق بدأ النظام الجمهوي العراقي في عام 1960، بنقل المعلمين الكورد من كركوك (أصدر أمراً وزارياً وأرسله إلى مديرية معارف لواء كركوك لتعيين جميع خريجي المعلمين الكورد في السليمانية، وليس في كركوك). وكانت تلك ايضاً محاولة لمحو االدراسة الكوردية في كركوك، وكانت الدراسة الكوردية والحركة الثقافية الكوردية تتعارض باستمرار من قبل السلطات العربية في كل من العراق وسوريا. ورغم أن الفقرة (ب) من المادة السابعة للدستور العراقي المؤقت تنص على أن “اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكوردية”، إلا أن هذا النص نادراً ما كان يُعمل به، لقد استفاد النظام العراقي، وخاصة نظام البعث، من اللغة الكوردية لنقل أفكاره القذرة عن طريق اللغة الكوردية الى الكورد، بخلاف ذلك، فقد عارض دائماً اللغة والثقافة الكوردية واتخذ قرارات خاصة في هذا الصدد.
القرار رقم 632 في 7/10/1989 الصادر عن مايسمى ب(مجلس قيادة الثورة العراقي) يعارض اللغة الكوردية بشكل صريح ويعتبرها غير ذات أهمية، وتنص الفقرة الأولى من القرار على أن الطالب الذي لا يجتاز مادة اللغة الكوردية لن يعتبر راسباً، ويشمل هذا القرار كل المدارس التي يتم فيها التدريس باللغة الكوردية، وفي الفقرة الثانية يكون القرار نهائياً وينص على أنه (لا يجوز العمل بأي نص آخر يعارض ذلك النص). وحتى لو كان التعليم باللغة الكوردية في العراق، إلا أنه كان يُنظر اليه بشىء غير ذات أهمية، فالمنهاج الدراسي كان نفس المنهج العربي ومترجم إلى اللغة الكوردية، ولم يعبّر المنهج عن المجتمع الكوردي بأي شكل من الأشكال، على سبيل المثال يتم في مادة التأريخ تدريس تاريخ الوطن العربي، وفي مادة الجغرافية جغرافية الوطن العربي وفي المواد الأخرى كلها تخص العرب، وذلك للتأكد من أن الطلبة الكورد يعتبرون العراق دائماً بمثابة بلدهم، ويعرفون من خلال العراق انّ (الوطن العربي) هو وطنهم، ويعتبر تاريخهم وجغرافيتهم وحضارتهم هي لهم، ولكي لايشعروا بأن كوردستان بلدهم ووطنهم وجزء منها ملتحق بالعراق قسراً.
كان نظام البعث يحاول بشكل مستمر محو اللغة والثقافة الكوردية، وأغلق المدارس الكوردية، وقد أزال الدراسة باللغة الكوردية في عموم العراق منذ العام الدراسي (2000-2001) وحوّل كلها الى الدراسة العربية، في (كركوك، مخمور، سنجار، زمار، قراج، خانقين … وغيرها و فرض الدراسة العربية على الكورد.
وبهذه الطريقة اراد النظام العراقي فرض لغته وثقافته على الكورد والتقليل من شأن اللغة والثقافة الكوردية، ولو ننظر، يمكننا أن نرى أن تأثير الثقافة واللغة والفكر والسياسة العربية على المثقفين الكورد في جنوب كردستان لا يزال واضحاً، وهذا ينطبق أيضاً على غرب كوردستان، لأن الأمة المهيمنة حاولت فرض كل شيء على الأمة المضطهدة، كما عارضت تركيا وإيران اللغة الكوردية، ففي شمال كوردستان تأثير اللغة والثقافة التركية، وفي شرق كوردستان هناك تأثير اللغة والثقافة الفارسية على اللغة والثقافة الكوردية. لقد خلقت سياسة محتلي كوردستان ثلاث حقائق ثقافية مختلفة، ففي كل من تركيا وإيران، يمنع التعليم باللغة الكوردية ولن يُسمح به، ويضطر الكورد إلى القراءة والكتابة بلغتهم، وقد فرضت دول الاحتلال لغتها الخاصة على الكورد منذ القدم، لقد اضطر الكورد إلى استخدام لغة سلطاتهم في الشؤون الرسمية، وكما ذكرنا سابقاً، حاول العراق باستمرار محو اللغة والثقافة الكوردية وتهميشهما، وفي سوريا ايضاً، تمنع القراءة والكتابة باللغة الكوردية ويجب أن تكون باللغة العربية حصراً، وهو ما نصت عليه المادة الرابعة من الدستور السوري، التي تنص على (أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية)، لقد شعرت العنصرية العربية أنه إذا سمحت للغة الكوردية فإنها سوف تتطور وتحافظ على خصوصياتها.
لذلك، بدأت تعارض لغتنا، وبطبيعة الحال، اللغة هي وسيلة التفاهم والقراءة والكتابة والتفكير وهي إحدى الخصائص الأساسية لأي أمة، رغم كل تلك المعارضة والمنع، ظلت اللغة الكوردية تقاوم محتلي كوردستان بشكل مستمر من خلال المثقفين الكورد وحافظت على نفسها وفي تطور دائم.
لقد كان التعريب والتتريك والتفريس ولاتزال خطراً كبيراً على بقاء لغتنا وتطورها، وأصبح يشكل تهديداً للقضاء على لغتنا ومحوها، لذا يجب علينا جميعاً العمل كواجب قومي ووطني على تعزيز اللغة الكوردية وتطويرها.
*السكرتير العام للاتحاد القومي الديمقراطي الكوردستاني YNDK