صبحي مندلاوي
و الله ما أنزل .. قالها فلاح كوردي أصيل في كركوك وهو يواجه العساكر الذين يريدون ان يخرجوه بالقوة من ارضه ، واجه بها هذا البطل كل شذوذ و ارهاصات و تبعات العقلية البعثية التي جردت و قتلت و هجرت الكورد ..
في كركوك، حيث تمتزج رائحة التراب بدماء الشهداء، وحيث يُروى الزيتون بماء الصمود، وقف فلاح كوردي أصيل أمام العسكر، يواجه جبروت السلطة وجنون الاستبداد. حاولوا اقتلاعه كما اقتلعوا آلافًا قبله، أرادوا أن يجردوه من أرضه كما جردوا أمته من حقوقها، لكن كلماته كانت أقوى من بنادقهم، وأشد من تهديداتهم: “والله ما أنزل!”
كانت هذه الصرخة أكثر من مجرد رفض، كانت خطًا أحمر في وجه كل مستبد أراد أن يمحو هوية كركوك وأهلها. لم تكن الأرض مجرد تراب تحت قدميه، بل كانت امتدادًا لروحه، كانت الجذور التي لا تقبل الاقتلاع، والتاريخ الذي لا يُمحى بقرارات ظالمة ولا بجنازير الدبابات.
مرت العقود، وسقطت أنظمة وقامت أخرى، تغيرت الأسماء لكن الظلم بقي، بقيت العقول الشوفينية تحاول إنكار وجود الكورد، ومحاولة سلخهم عن تاريخهم. من عمليات التهجير القسري، إلى التعريب الممنهج، إلى المجازر و غازات الخردل، إلى محاولات طمس الهوية، وسياسات تعريب جديدة كالحة مثل وجوههم كانت السياسات واحدة: إفراغ كركوك من الكورد، وطمس معالمها الحقيقية.
لكن كما صرخ ذلك الفلاح في وجه العسكر، اليوم يصرخ كل كوردي في وجه الظلم: “والله ما أنزل!” لا ننزل عن أرضنا، لا نتخلى عن هويتنا، لا نساوم على حقوقنا.
كركوك ليست مجرد مدينة، إنها القلب الذي ينبض بدماء الأجداد، والشاهد على نضال شعب لا يقبل الهزيمة. حاولوا اقتلاع الكورد منها، لكن جذورهم كانت أعمق من أن تُقتلع، حاولوا محو لغتهم، لكن أصواتهم بقيت تملأ الأزقة والأسواق، حاولوا قتل هويتهم، لكنها عادت أقوى في كل مرة، كالشمس التي لا تحجبها الغيوم.
اليوم، في كل شبر من كركوك، في كل قرية كوردية صامدة، في كل حجر ، تتردد نفس الكلمات: “والله ما أنزل!”.
هي ليست مجرد عبارة، إنها عهدٌ يقطعه كل كوردي، إنها وعدٌ بأن كركوك ستبقى كوردستانية رغم أنف الظلم، وإننا سنبقى هنا،
“والله ما أنزل”.. صارت شعارًا لكل مقاوم، لكل من يواجه الاحتلال والظلم والاستبداد. قلناها في وجه البعثيين بالأمس، ونقولها اليوم في وجه كل من يحاول تغيير هوية كركوك، في وجه كل من يعتقد أن التاريخ يُكتب بالقوة، وأن الحقائق تُمحى بالقهر.
نقولها اليوم وسنقولها غدًا: “والله ما أنزل!”
لن ننزل عن حقنا، لن نترك أرضنا، لن نسكت عن الظلم، ولن نسمح بأن تُمحى هوية كركوك كما لم تُمحَ هوية كوردستان.
“والله ما أنزل”.. ليست مجرد كلمات، إنها رسالة لكل من يظن أن الكورد سيخضعون يومًا، وهي الحقيقة التي ستبقى، مهما حاولوا طمسها!