زيدو باعدري
لا يختلف أثنان على الأخطاء التي اعقبت الحرب الكونية الأولى والثانية ، حيث ظلم بهما العديد من الشعوب، ونخص هنا بالذكر الشعب الكوردي ، والتداعيات السلبية لهذه الاخطاء مستمرة إلى يومنا هذا ، حيث تم تقسيم كوردستان رغماً عن إرادة شعبها ، حيث تلت ذلك العديد من المآسي والمجازر والمعاناة بحق الكورد في الأجزاء الأربعة من كوردستان في العراق وسوريا وايران وتركيا ليكون الكورد اكبر شعب بلا دولة في العالم كله.
وفي العقود الأخيرة، ومع نضالهم المستمر وتقديم التضحيات الكبيرة زاد دور الكورد في التطورات والمعادلات الإقليمية، إذ قاتلوا من أجل حقوقهم القومية في تركيا، ولعبوا دورا هاما في الصراعات الداخلية في العراق وسوريا، آخرها كانت المشاركة في مقاومة داعش ودحره .
ومنذ عقود وحلم الاستقلال والدولة الكوردية المستقلة يراود النخب الكوردية ، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كوردية في معاهدة سيفر عام 1920 حيث نصت المعاهدة على حق الكورد في تقرير المصير وتشكيل دولة خاصة بهم في شرق الأناضول والموصل
إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كوردية ، كذلك تشكلت حدود إيران والعراق وسوريا واستقرت دون إشارة إلى الكورد وحقهم في تقرير المصير.
وانتهى الحال بالكورد كأقليات في الدول السابق ذكرها. وعلى مدار السنوات الثمانين الماضية، سحقت أي محاولة كوردية لتأسيس دولة مستقلة أو حكم ذاتي بقسوة ووحشية وبالحديد والنار.
وعلى مدار أجيال، عاملت السلطات الحاكمة في كل من العراق وتركيا وايران وسوريا الكورد معاملة قاسية ، بل ووحشية وصلت حد استخدام الأسلحة الكيمياوية والابادة والتطهير العرقي ضدهم بل حتى حظرت عليهم الأسماء والأزياء الكوردية. كما حظر عليهم استخدام لُغتهم الكوردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكوردية، لدرجة ان أطلق عليهم على سبيل المثال في تركيا اسم “أتراك الجبال” .
وفي ايران تم وأد اول جمهورية كوردية مستقلة في مهاباد واُعدم قادتها في ميدان عام بوحشية ، وتعرض الكورد السوريون للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية. وتم تجريد حوالي 300 ألف من الكورد من الجنسية السورية منذ ستينيات القرن الماضي، وصودرت اراضيهم وأعيد توزيعها على العرب في محاولة “لتعريب” كوردستان سوريا، وفي العراق والانتهاكات التي ارتكبت بحقهم فحدث ولاحرج ، وباتت معروفة للقاصي والداني ، انتهاكات اقلها تُصنف في خانة جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ويشكل حلم الدولة الكوردية الكبرى “كوردستان” أحد أهم تجليات الهوية المشتركة لملايين الكورد حول العالم وهو الحلم الواقعي الذي سيتحقق عاجلاً ام آجلاً.
ومع رياح التغيير التي تعصف بمنطقة الشرق الاوسط ، وبالعالم من حولها الى حد ما ، مع تغير المعادلات والكثير من المفاهيم والقيم ، يزداد الامل في ان يعود الحق المغتصب لاصحابه ، وان ينال الكورد حقوقهم ، ولطالما شدد ويشدد الزعيم الكوردي مسعود بارزاني على ان الاستقلال حق من حقوق الانسان كفلته له كل المواثيق والأعراف والقوانين ، وان هذا حق للإنسان الكوردي كما لغيره .
والسؤال الجوهري هو ، ان أوروبا مقسمة لقرابة 50 دولة بعضها حتى ليست متقاربة بالتاريخ والعادات والامتداد الجغرافي ، كما ان للعرب 22 دولة ، فلماذا لا يكون للكورد الذين ينفردون بتاريخ وجغرافيا وقومية وحضارة ولغة وتراث موحد دولة مستقلة بهم حالهم حال شعوب المنطقة والعالم؟!