الكورد الفيليون ، الأصالة والمواطنة المهدورة


محمد جعفر صادق حيدري

شاعر ، طالب و كاتب روائی 
عضو معهد زانست زاگروس

للكورد الفيليين معاناة متعددة الأوجه ، هم كانوا ومازالوا فئة منجزة ومتحملة وفاعلة في كل ميادين العمل والإبداع في العراق. وفي نفس الوقت فئة منسية ومهملة ومنتزعة عن أرضها ومن حقوقها الإنسانية عنوة وبقرار صادر من النظام البائد مع سبق الإصرار والترصد.
فلأنهم كورد استهدفهم النظام واقتلعهم الدكتاتور بسادية منقطعة النظير دون إن يترك لهم الحق في حمل أي جزء من مالهم وحلالهم ومنع عنهم الجنسية العراقية ليلغي انتمائهم إلى ارض تشبعت بعرق جبينهم وبطبع أصابعهم ووقع أرجلهم وبعواطفهم الحارة حرارة بغداد والمدن الجنوبية العراقية .
لذلك واجه الكوردي الفيلي جريمة مركبة مؤلفة من الترحيل والتسفير البشع إلى الحدود الإيرانية وفي المسافة إلى الحدود كان القتل والتعذيب والاهانة نصيب غالبيتهم العظمى .

وفي عام 1981 أعلنت جريدة الثورة على لسان الدكتاتور إن الكورد الفيليين (اجتثوا من ارض العراق ,لكي لايدنسوا تربة العراق وهواء العراق ودم العراق ) .
وهذه طريقة في الكلام لاتليق الابحزب البعث الذي تحول منذ بداياته إلى حزب بلا ضمير وبلا مبادئ وبلا أخلاقيات إنسانية . انه حزب لم يخرج أصلا” من رحم ارض العراق ولم يستطع غير ابتكار جرائم جديدة وطرق تعذيب تنسجم مع ساديته والأدبيات والوثائق العراقية لعام 1963 وبعد عام 1968 ولغاية سقوطه تثبت انه منسلخ عن تراث البشرية المتحضرة.

طبعا” كلام الدكتاتور ذهب مع الريح وسقط صنمه في ساحة الفردوس وكل الذين رقصوا للدكتاتور وغنوا وصفقوا وكتبوا له وحاولوا اختزال العراق كله في شخصه سقطوا معه في هاوية النسيان ومستنقع التاريخ.
عاد الكردي الفيلي إلى وطنه متمسكا” بانتمائه وعاد يصب عرق الجبين من اجل عيش رغيد وحياة كريمة واسترجع أوراق جنسيته التي يعتز بها وفرحت شوارع وإحياء بغداد والمدن الأخرى إذ لامست أجسادهم التي تكد ولا تتعب وتعطي ولا تبخل وتبدع دون انقطاع .

إما الدكتاتور وحزبه ومن معه الذين دنسوا ارض العراق وهوائه وتربته فقد لفظتهم حتى الذاكرة التي تأبى إن تكون مشحونة بمرارتهم وبشاعتهم وجرائمهم ,لان الإنسان العراقي غير متفرغ لتذكار من لايستحق إن يركن في الذاكرة فأذ أزف موعد رحيلهم فان موعد عودتهم محال .
وكما نرى في سوريا اليوم، انتهي البعث الي الأبد وسقط الدكتاتور أخيراً بعد فترة طويلة من القسوة والجريمة، وهذه نهاية كل ظالم.

قد يعجبك ايضا