متابعة التآخي
كثير من بلدان العالم الثالث، بما في ذلك العراق، تواجه تحديات معقدة ومتداخلة تؤدي إلى غياب فرص العمل، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ويصح ذلك سواء على المجتمع الحضري او الريفي، كما ينسحب الامر قطعا الى أوضاع الثقافة والفنون.
هذه المشكلات لها جذور عميقة ومتنوعة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية، المشكلات الهيكلية بالاعتماد على قطاع واحد، اذ ان العديد من هذه البلدان يعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الخام أو المنتجات الزراعية، مما يجعل اقتصادها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.
وكذلك تواجه تلك البلدان عدم تواجد قطاع صناعي متنوع وقوي ما يقلل من فرص العمل المتاحة، ويعوق التنمية الاقتصادية، وكذلك فان ضعف البنية التحتية، مثل الطرق والكهرباء والمواصلات، يعوق الاستثمار ويقلل من فرص العمل، كما ان نظام التعليم غير متوافق مع سوق العمل، اذ ان مخرجات العملية التعليمية لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل، مما يؤدي إلى زيادة البطالة بين الخريجين.
وثمت المشكلات السياسية والإدارية، ومنها الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية يعوق التنمية ويقلل من فرص الاستثمار.
اما النزاعات والحروب وعدم الاستقرار السياسي فخلقا بيئة غير جاذبة للاستثمار، واديا إلى تدمير البنية التحتية، وكذلك فان سوء إدارة الموارد العامة وعدم تواجد تخطيط استراتيجي للتنمية يزيد من المشكلات الاقتصادية، كما تبرز المشكلات الاجتماعية ومنها الزيادة السكانية الكبيرة التي تزيد من الضغط على سوق العمل، وتجعل من الصعب توفير فرص عمل كافية، وكذلك تبرز محدودية الوصول إلى التعليم والصحة، وان عدم المساواة في الحصول على التعليم والصحة يقلل من القدرات البشرية، ويحد من فرص العمل المتاحة، ويؤثر كذلك على التنمية الثقافية والفنون.
وكثيرا ما يواجه السكان في الدول النامية التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين، وكذلك تداخل الواسطة والمحسوبية ما يقلل من فرص التوظيف لبعض الفئات، ويزيد من الفقر.
المنافسة من الدول المتقدمة وتدفق السلع
اما التحديات العالمية التي تعوق تطور البلدان فتشمل المنافسة من الدول المتقدمة، وتدفق السلع الرخيصة، ما يزيد من الضغط على الصناعات المحلية، ويقلل من فرص التشغيل؛ وكذلك فان التغيرات المناخية ومنها الجفاف والتصحر والفيضانات تؤثر على الإنتاج الزراعي، وتقلل من فرص العمل في القطاع الزراعي، وان الأزمات الاقتصادية العالمية تؤثر على الطلب على صادرات هذه البلدان، وتقلل من الاستثمار الأجنبي.
وفيما يتعلق بأوضاع العراق مثلا فانه فضلا عن المشكلات العامة التي تواجه بلدان العالم الثالث، يواجه العراق تحديات إضافية، في طليعتها، ان الحروب والنزاعات التي شهدها العراق دمرت البنية التحتية، وأدت إلى نزوح الملايين، مما فاقم من مشكلات الفقر والبطالة، كما ان الاعتماد الكبير على تصدير النفط جعله عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، و ان ترافق ذلك مع تدخل الفساد وسوء الإدارة في المؤسسات الحكومية يعوقان التنمية، ويقللان من فرص الاستثمار.
وطرحت من قبل الخبراء والمتخصصين مجموعة من الحلول المقترحة منها تنويع الاقتصاد بتقليل الاعتماد على قطاع واحد، وتطوير قطاعات أخرى مثل الصناعة والسياحة، و تحسين البنية التحتية بالاستثمار في مفاصلها، مثل الطرق والكهرباء والمواصلات، و تطوير التعليم والتدريب المهني بتطوير نظام تعليم يتوافق مع احتياجات سوق العمل، وتوفير برامج تدريب مهني للشباب.
كما طولب بتطبيق قوانين صارمة لمكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية، و جذب الاستثمار الأجنبي بتحسين مناخ الاستثمار، وتقديم حوافز للمستثمرين الأجانب، و توفير الدعم المالي والفني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لأنها تخلق فرص عمل أكثر، و تعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون، والمشاركة الشعبية في صنع القرار.
وان مكافحة الفقر والبطالة في بلدان العالم الثالث، بما في ذلك العراق، تتطلب جهودا متكاملة ومستدامة على المدى الطويل؛ ويتوجب على الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمجتمع الدولي العمل معا لتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير فرص عمل لائقة لجميع السكان .
وهناك خطوات للتوسع في موضوع بناء القدرات البشرية للمجتمع عن طريق تعزيز فرص العمل، بتحليل الوضع الحالي و تقويم و تحديد القطاعات ذات النمو المحتمل، والمهارات المطلوبة، والفجوات في سوق العمل.
فلنواجه التحديات..رعاية الشباب والنساء
ان تحليل القدرات البشرية الحالية يشمل تقويم مستوى التعليم والتدريب لدى السكان، وتحديد نقاط القوة والضعف، و تحديد الفئات الأكثر تهميشاً: الشباب، النساء، ذوي الإعاقة، وغيرهم، وفهم احتياجاتهم الخاصة.
فيما يتعلق بأوضاع العراق مثلا فانه فضلا عن المشكلات العامة التي تواجه بلدان العالم الثالث، يواجه العراق تحديات إضافية، في طليعتها، ان الحروب والنزاعات التي شهدها العراق دمرت البنية التحتية، وأدت إلى نزوح الملايين، مما فاقم من مشكلات الفقر والبطالة، كما ان الاعتماد الكبير على تصدير النفط جعله عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، و ان ترافق ذلك مع تدخل الفساد وسوء الإدارة في المؤسسات الحكومية يعوقان التنمية، ويقللان من فرص الاستثمار
وكذلك يستلزم الامر وضع استراتيجية شاملة بأهداف واضحة ومحددة ومنها تحديد ما نريد تحقيقه بتعزيز فرص العمل، مثلا، خفض معدلات البطالة، زيادة الدخل، تحسين مستوى المعيشة.
اما المحاور الرئيسة المتعلقة بالتعليم والتدريب المهني، فتتضمن تطوير المناهج الدراسية لتلبية احتياجات سوق العمل، توفير برامج تدريب مهني للشباب والخريجين، ودعم التعليم المستمر، ويجب العمل على دعم ريادة الأعمال بتوفير برامج تدريب للشباب الراغبين في تأسيس مشاريعهم الخاصة، بتسهيل الحصول على التمويل، وإنشاء حاضنات أعمال.
كما تتضمن تحسين بيئة العمل، تشجيع المساواة بين الجنسين في فرص العمل، توفير بيئة عمل آمنة وصحية، دعم حقوق العمال؛ و الشراكات مع القطاع الخاص بإسهام الشركات في تصميم وتنفيذ برامج التدريب، توفير فرص عمل للخريجين، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
كما يجب وضع مؤشرات أداء قابلة للقياس، لتتبع التقدم المحرز وتقويم فعالية الاستراتيجية، ووضع برامج تدريبية لتطوير المهارات الفنية والمهنية للشباب والخريجين، و برامج إرشاد وتوجيه مهني لمساعدة الشباب على اختيار المسار المناسب لهم، و مبادرات لدعم ريادة الأعمال، تشمل: توفير التمويل، التدريب، الإرشاد للشباب الراغبين في تأسيس مشاريعهم الخاصة.
كما يجب وضع حوافز للشركات، لتشجيعها على توظيف الشباب وتدريبهم، واجراء حملات توعية لتغيير المفاهيم السلبية بشأن بعض المهن ومنها اعمال النظافة والخدمات، وتشجيع الشباب على الانخراط في القطاعات ذات النمو، وتشمل المتابعة والتقويم، مراجعة دورية للاستراتيجية وتعديلها بحسب الحاجة، و تقويم نتائج المبادرات وتحديد نقاط القوة والضعف، و الاستفادة من الدروس المستفادة، لتحسين الأداء في المستقبل.
تجارب اثبتت الجدارة
ومن الأمثلة على مبادرات ناجحة، مبادرات التدريب المهني في سنغافورة، اذ تركز على تطوير المهارات التي يحتاجها سوق العمل، وتوفر برامج تدريب مستمرة للعاملين، وكذلك برامج دعم ريادة الأعمال في تشيلي بتوفر التمويل والتدريب والإرشاد للشباب الراغبين في تأسيس مشاريعهم الخاصة، و مبادرات المساواة بين الجنسين في فرص العمل في رواندا التي تهدف إلى تمكين المرأة وتوفير فرص عمل متساوية لها.
ومن شروط نجاح المبادرات الرامية للارتقاء بالمجتمع هو وجوب أن تكون المبادرات مستدامة وقادرة على الاستمرار من دون دعم خارجي، و أن تكون المبادرات متكاملة ومتناسقة مع بعضها البعض، و يجب إشراك جميع أصحاب المصلحة في تصميم وتنفيذ المبادرات.
التنمية في المجتمعات الزراعية: جودة الحياة
وفي الريف يُعد بناء القدرات من العوامل الهامة التي تُسهم في تحسين جودة الحياة في المجتمعات الريفية؛ ويشمل بناء القدرات مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تهدف إلى تطوير مهارات ومعارف وقدرات الأفراد والمجتمعات، مما يمكنهم من مواجهة التحديات والاسهام في تحقيق التنمية المستدامة.
ان أثر بناء القدرات على تحسين جودة الحياة في المجتمعات الريفية يتعلق بجملة أمور من أهمها، تحسين مستوى المعيشة، اذ يُسهم بناء القدرات في تحسين مستوى المعيشة بتوفير فرص تشغيل جديدة وزيادة الدخل؛ على سبيل المثال، يمكن لتدريب المزارعين على أساليب الزراعة الحديثة أن يزيد من إنتاجية المحاصيل وبالنتيجة يزيد من دخلهم.
كما يعد التعليم من أهم عناصر بناء القدرات، اذ يُمكن للتعليم أن يُسهم في تطوير مهارات الأفراد وزيادة فرصهم في الحصول على عمل، و يُمكن لبرامج بناء القدرات أن تُسهم في تعزيز المشاركة المجتمعية عن طريق تمكين الأفراد والمجتمعات من المشاركة في صنع القرار والتخطيط والتنفيذ للمشاريع التنموية.
و يُمكن لبناء القدرات أن يُسهم في تقوية المؤسسات المحلية بتدريب الموظفين وتطوير مهاراتهم، مما يُساعد على تحسين أداء المؤسسات وتقديم خدمات أفضل للمجتمع.
ومن الأمثلة على مبادرات بناء القدرات في المجتمعات الريفية، برامج تدريبية للمزارعين: تهدف إلى تعليم المزارعين أساليب الزراعة الحديثة واستغلال التكنولوجيا لتحسين الإنتاجية وزيادة الدخل، و برامج تعليمية للشباب: تهدف إلى تزويد الشباب بالمهارات والمعرفة المطلوبة لدخول سوق العمل والاسهام في التنمية الاقتصادية.
وكذلك برامج تدريبية للنساء، تهدف إلى تمكين النساء عن طريق تزويدهن بالمهارات المطلوبة لإدارة المشاريع الصغيرة والاسهام في التنمية الاقتصادية، و برامج توعية صحية: تهدف إلى توعية أفراد المجتمع بأهمية الصحة والنظافة والتغذية السليمة ومكافحة الأمراض.
اما تحديات بناء القدرات في المجتمعات الريفية فتتضمن، نقص الموارد المالية: اذ يعد نقصها من أهم التحديات التي تواجه مبادرات بناء القدرات في المجتمعات الريفية، وكذلك نقص الملاكات المؤهلة، اذ يُعاني عديد المجتمعات الريفية من نقص في الملاكات المؤهلة القادرة على تنفيذ برامج بناء القدرات.
وقد تعاني المجتمعات الريفية من مقاومة التغيير، اذ قد يُواجه البعض مقاومة للتغيير وتبني أساليب جديدة، مما يُعوق جهود بناء القدرات.
فلنتغلب على معوقات التنمية الريفية
والتغلب على تحديات بناء القدرات يجري بتوفير الموارد المالية، اذ يجب على الحكومات والمنظمات الدولية والمحلية توفير الموارد المالية المطلوبة لدعم مبادرات بناء القدرات في المجتمعات الريفية، و يجب الاستثمار في تأهيل الملاكات القادرة على تنفيذ برامج بناء القدرات، و توعية المجتمع بأهمية بناء القدرات وفوائدها من أجل تشجيع المشاركة ودعم المبادرات.
وبشكل عام، يُعد بناء القدرات من العوامل الأساسية لتحسين جودة الحياة في المجتمعات الريفية. وعن طريق الاستثمار في بناء القدرات، يُمكن للمجتمعات الريفية أن تُحقق التنمية المستدامة وتوفر فرصا أفضل لأفرادها.
تنمية الثقافة والفنون.. بهجة الانسان
لتطوير مجال الثقافة والفنون يستدعي ذلك جملة إجراءات تنموية منها تشجيع التعبير الثقافي، اذ توفر البرامج منصة للأفراد للتعبير عن هويتهم الثقافية بوساطة الفنون المتنوعة مثل الموسيقى، والرقص، والرسم، والنحت، والأدب، كما تسهم البرامج الثقافية في الحفاظ على التراث الثقافي بتعليم الأجيال الشابة عن تاريخهم وتقاليدهم وفنونهم.
لتطوير مجال الثقافة والفنون يستدعي ذلك جملة إجراءات تنموية منها تشجيع التعبير الثقافي، اذ توفر البرامج منصة للأفراد للتعبير عن هويتهم الثقافية بوساطة الفنون المتنوعة مثل الموسيقى، والرقص، والرسم، والنحت، والأدب، كما تسهم البرامج الثقافية في الحفاظ على التراث الثقافي بتعليم الأجيال الشابة عن تاريخهم وتقاليدهم وفنونهم
و تساعد الفعاليات الثقافية مثل المهرجانات والمعارض في تعزيز الشعور الوطني والانتماء للبلد، و تقدم ورش العمل الفنية فرصاً للأفراد لتعلم مهارات جديدة في شتى الفنون، مما يشجع على الإبداع والتعبير عن الذات، كما تشجع المسابقات الفنية الأفراد على تطوير مهاراتهم والتنافس بشكل إيجابي، مما يحفز على الابتكار والتميز.
و توفر الدورات التدريبية في الفنون المتنوعة فرصا للأفراد لتطوير مهاراتهم بشكل احترافي، مما يفتح لهم آفاقاً جديدة في حياتهم المهنية، و تجمع الفعاليات الثقافية أفراد المجتمع من شتى الخلفيات، مما يعزز التفاعل الاجتماعي والتفاهم المتبادل، و تشجع المشاريع الفنية المشتركة الأفراد على التعاون والعمل معا، مما يقوي الروابط الاجتماعية ويعزز الشعور بالانتماء للمجتمع.
اما التبادل الثقافي فيسهم في تعريف المجتمعات المتنوعة ببعضها البعض، مما يعزز التسامح والاحترام المتبادل، و توفر البرامج الثقافية فرصا ترفيهية للأفراد، مما يساعد على تحسين نوعية حياتهم وتقليل التوتر، وتسهم المشاركة في الأنشطة الثقافية في تحسين الصحة النفسية وتقليل الشعور بالعزلة والاكتئاب، و تسهم الفنون في خلق بيئة جمالية في المجتمع، مما يحسن من نوعية الحياة ويجعل المجتمع أكثر جاذبية.
وكذلك فان الصناعات الثقافية تسهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الدخل، مما يدعم التنمية الاقتصادية في المجتمع؛ و تجذب الفعاليات الثقافية والسياح، مما يزيد من الإيرادات ويحسن من الاقتصاد المحلي، و يمكن للاستثمار في الفنون أن يخلق فرصاً اقتصادية جديدة ويحسن من مستوى المعيشة في المجتمع.
المهرجانات الفنية تشجع الابتكار
ومن الأمثلة على برامج الثقافة والفنون التي تسهم في بناء القدرات الثقافية، المهرجانات الفنية التي تعرض شتى أشكال الفنون مثل الموسيقى، والرقص، والمسرح، مما يشجع على الإبداع والابتكار، و المعارض الفنية تعرض أعمال الفنانين المحليين، مما يدعمهم ويشجعهم على الاستمرار في الإبداع، كما تشمل ورش العمل الفنية التي تقدم فرصا للأفراد لتعلم مهارات جديدة في شتى الفنون.
و توفر الدورات التدريبية في الفنون المتنوعة فرصا للأفراد لتطوير مهاراتهم بشكل احترافي، و تشجع المشاريع الفنية المشتركة الأفراد على التعاون والعمل معا، مما يقوي الروابط الاجتماعية.
ويعد نقص الموارد المالية أيضا، من أهم التحديات التي تواجه برامج الثقافة والفنون، كما تعاني كثير من المجتمعات من نقص في الملاكات المؤهلة القادرة على تنفيذ برامج الثقافة والفنون؛ و قد لا يدرك البعض أهمية الثقافة والفنون في التنمية الشاملة، مما يقلل من الدعم المقدم لهذه البرامج.
وعلى الحكومات والمنظمات الدولية والمحلية توفير الموارد المالية المطلوبة لدعم برامج الثقافة والفنون، والاستثمار في تأهيل الملاكات القادرة على تنفيذ برامج الثقافة والفنون، وتوعية المجتمع بأهمية الثقافة والفنون في التنمية الشاملة.