حيدر فليح الشمري
تحت ظلال الجهل الأولى ، كانت المؤودة تُدفن بلا ذنب سوى كونها أنثى ، صوتها مكتوم في التراب قبل أن يعرف العالم نطقها ، قال الله تعالى في كتابه الكريم: ( وإذا الموؤودة سُئلت بأي ذنب قُتلت ) , سورة التكوير: الآية 8-9 ، كان قتل البنات عارًا يدّعيه آباء غلّفتهم تقاليد جائرة ، وأُحكمت أعناقهم بخوف زائف من عار المستقبل أو الفقر ، لكن جاء الإسلام ليعيد للمرأة كرامتها المسلوبة ، ويؤسس لعدالة تُعلي الحياة ، معلنًا تحريم وأد الأنفس الصغيرة .
أما اليوم في عصر الحضارة والرقيّ ، عاد وأد الأرواح بأشكال جديدة يطول الإناث والذكور على حدّ سواء ، باتت أجساد الأجنة تُستهدف في أرحام أمهاتها ، حيث يمارس الإجهاض بإرادة أو بدونها ، تحت ذرائع مختلفة قد يكون وليد الخطيئة ، أو عبء المستقبل ، أو حتى مبررات اقتصادية وحياتية لا روح فيها .
في هذا الزمن ما عادت يد القاتل تُدفن الرؤوس في التراب ، بل تترك الأجساد هامدة خلف أبواب العيادات أو في غرف العمليات ، تشتتت الأسباب وتغيرت الوجوه لكن الجريمة واحدة ( قتل النفس البريئة )
كيف نداوي هذا الجرح سؤال قد نستطيع الإجابة على بعضه .!؟
أول العلاج يكمن في التوعية ، فلابد من غرس بذور احترام الحياة في النفوس ، وإعادة تعريف قدسية الروح كما علمنا الإسلام ، فمن واجب المؤسسات الدينية والتعليمية أن تعزز قيمة الإنسان ، وتنشر الوعي بآثار القتل على النفس والمجتمع .
ثانيًا تأتي القوانين الرادعة ، التي تحمي الأرواح منذ نشأتها في الأرحام ، وتضع حدًا للتفريط فيها ، يجب دعم النساء ببرامج اجتماعية واقتصادية لتأمين بيئة حاضنة للجنين بعيدًا عن الضغوط النفسية والمادية .
وأخيرًا لا يمكن أن ننسى دور الرحمة ، فاليد التي تتلمس الكرامة البشرية ، وتسعى لحمايتها هي ذات اليد التي ستمحو آثار المؤودة قديمًا وحديثًا ، لتشرق الحياة دون خوف أو تمييز ، فالمؤودة ليست فقط ابنة الماضي ، بل هي قصة تتكرر بأشكال جديدة. فلنجعل من أرواح الأجنة نورًا يتجدد لا ظلمة تُطفأ قبل أوانها .