بديهية ديكارت عند الذكاء الاصطناعي

 

كرم نعمة

كنت مثل الملايين غيري أمارس اللعب على غباء الذكاء الاصطناعي، لكن دافعي لم يكن عبثيا كما يفعل آخرون، بل لأنني أحاول أن أجد عنده ما أبحث عنه في الخدمة الجليلة التي يقدمها لنا نظام “شات جي.بي.تي ” .

كان أستاذ اللغة الإنجليزية والفلسفة في جامعة جنيف إريك فانونسينيي ساعد طلابه على عدم الوثوق، على الأقل في الوقت الحاضر، بنتائج هذا النظام عند إطلاق أسئلة مبنية بالأساس على افتراض خاطئ لاكتشاف النتيجة! فقد تعالت الضحكات في قاعة المحاضرة بمجرد أن أدرج نظام “شات جي.بي.تي” النصائح المفيدة في إجابته على سؤال عن أفضل الطرق لجمع بيض البقرة! أما أنا فكنت أكثر جدية عندما سألته عن كاتب وصحافي عراقي شهير، لكنه أسرد لي معلومات عن ناقد سعودي! لمجرد تشابه الاسم الأول وحرفين من الاسم الثاني بين العراقي والسعودي! بيد أن تلك الإجابة لا تدفعنا إلى الإفراط في التشاؤم وتحويل صفة الذكاء إلى غباء، لأنه لا يمكن الاعتقاد بأن هذه التقنية تزداد غباء مع مرور الوقت، صحيح إن الذكاء الاصطناعي لا يفكر، لكنه يتطور ويتعلم .

قبل أيام أطلق يوشوا بينجيو، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة مونتريال ومؤسس معهد كيبيك للذكاء الاصطناعي، أحد أهم الأسئلة التي تبعث على المزيد من الشغف عما إذا كان المستقبل سيمنحنا حق الإجابة على سؤال عن مقدرة الذكاء الاصطناعي على أن يفكر في يوما ما؟

 

فالتفكير إحدى نقاط الضعف الرئيسية في الذكاء الاصطناعي. لكن بينجيو عراب الذكاء الاصطناعي وعددا متزايدا من الخبراء يذهبون إلى الاعتقاد بأن هناك فرصة لأن نكون على وشك سد الفجوة بين التفكير على المستوى البشري والصناعي .

لقد زعم الباحثون منذ فترة طويلة أن الشبكات العصبية التقليدية “النهج الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي” تتوافق بشكل أكبر مع الإدراك. وهذا يتوافق مع الإجابات المباشرة أو الحدسية على الأسئلة “مثل التعرف التلقائي على الوجه”، مثلما يعتمد الذكاء البشري على الإدراك وهذا ينطوي على المداولة الذاتية ويأخذ أشكالا قوية من التفكير “مثل حل معادلة رياضية، أو وضع قانون لحركة المرور ” .”

وما يبعث على الأمل بكسر الهوة بين الذكاءين البشري والاصطناعي التطورات التي ساعدت طلاب القانون في الحصول على إجابات أفضل للأسئلة المعقدة عندما يُطلب منهم إنتاج سلسلة من الأفكار تؤدي إلى إجابتهم. وهذه المهمة تتطلب تكنولوجيا متقدمة، ومن خلال سلسلة طويلة للغاية من الأفكار، يتم تدريبها على “التفكير” بشكل أفضل ” .

مع ذلك علينا عدم الأفراط بـ”الوعد الزائف” الذي يقدمه لنا الذكاء الاصطناعي وفق عالم اللسانيات نعوم تشومسكي، فإذا نجحت هذه التقنية في جعل الأنظمة تفكر ولو بالحد الأدنى، يجب أن ندرك المخاطر الكبيرة الواجب مراعاتها. فنحن لا نعرف بعد كيف نضبط الذكاء الاصطناعي ونتحكم فيه بشكل موثوق. عندما تتزايد قدرته على خداع البشر، وهي نتيجة طبيعية لتحسين مهارات الوصول إلى الهدف .

 

لقد قبلت أن أدخل رهان الخداع عبر اقتراح مثير وصادم في آن لصحيفة نيويورك تايمز على قرائها، عندما عرضت عشر صور بعضها منتج بواسطة الذكاء الاصطناعي، مطالبة القراء بالدخول في اختبار أي من الصور حقيقية من بين المزيفة .

لا يمكن أن أزعم أن الاختبار كان سهلا، لأن الصور من الدقة بمكان ما يجعل العين البشرية في حيرة من أمرها .

ولكن مع تحسن البرمجة والقدرات العلمية، فمن المتوقع أن تتمكن هذه النماذج الجديدة من تسريع البحث في مجال الذكاء الاصطناعي نفسه. وقد يؤدي هذا إلى الوصول إلى مستوى الذكاء البشري بشكل أسرع مما كان متوقعا. عندها يصل الذكاء الاصطناعي إلى البديهية الديكارتية، هو يفكر        ! فهو موجود كالبشر

قد يعجبك ايضا