د.ميرزاد حاجم*
تتعارض مساهمات الشعب الكوردي في بناء سوريا الحديثة ومحاربة التطرف مع سياسات التهميش التي انتهجتها الحكومات السورية المتعاقبة. منذ الاستقلال، لعب الكورد دورًا محوريًا في التنمية الاقتصادية والسياسية، وخاصة في مواجهة تنظيم “داعش”، إلا أنهم ظلوا ضحايا لتقسيمات سياسية جائرة، مثل سياسة “الحزام العربي” وتجريدهم من الجنسية و سياسية طمس الهوية من حكومة البعث العربي. هذه المقالة لتسليط الضوء على هذا التناقض، وطرح الفيدرالية كحل عادل يحمي الوحدة السورية من التفكيك.
-1 التقسيمات السياسية: إرث من التهميش
تبنت الحكومات السورية، منذ حكم البعث (1963) وحتى اليوم، سياسات منهجية لطمس الهوية الكوردية:
– تجريد الجنسية (إحصاء 1962):حرَمَ آلاف الكورد من حقوق المواطنة بتهمة “عدم شرعية الإقامة”، مما حوّلهم إلى لاجئين داخل وطنهم.
– الحزام العربي (1973): مشروع استيطاني في شمال شرق سوريا بدأت من الحسكة لطمس الوجود الكوردي عبر إحلال عرب مكانهم.
– قمع الثقافة: منع التحدث والتعليم باللغة الكوردية، وتغيير أسماء المناطق، وحظر الأحزاب السياسية الكوردية.
-2 الكورد: من البناء إلى المواجهة
رغم التهميش، كان الكورد عمادًا في تشكيل سوريا الحديثة:
– اقتصاديًا: ساهموا في الزراعة كانت شمال شرق سوريا او مناطق الجزيرة هي السلة الغذائية لسوريا والصناعية .
– سياسيًا: شاركوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي و ساهموا في حركات التحرر العربية والبنية الهيكلية ل سوريا بعد اعلنها دولة .
– مواجهة داعش (2014–2019): قادت وحدات حماية الشعب (YPG/YPJ) تحرير الرقة و (كوباني) و بمساعدة البيشمركة ، مُضحيةً بآلاف المقاتلين لإنقاذ المنطقة من الإرهاب.
-3 الفيدرالية: حماية من التقسيم لا تمهيد له
تُوصم المطالبة بالفيدرالية – خاصة في شمال سوريا (روج آفا) – بالانفصالية، لكنها في الواقع ضمان للوحدة عبر:
– اللامركزية الإدارية: تمكين المناطق من إدارة شؤونها التعليمية والثقافية مع الحفاظ على السيادة الوطنية.
– تجارب ناجحة: النموذج الألماني أو الكندي يثبت أن الفيدرالية تعزز التعددية دون تفكيك الدولة.
– تجنب الصراع: معالجة المظالم التاريخية يحد من الاحتقان الطائفي، كما في تجربة إقليم كوردستان العراق (رغم تحدياتها).
-4 الدول الفيدرالية: نماذج عالمية
تتبنى العديد من الدول نظام الفيدرالية، مما يوفر دروسًا قيمة لسوريا:
– الولايات المتحدة: تتمتع الولايات بصلاحيات واسعة في التعليم والصحة، بينما تحتفظ الحكومة الفيدرالية بالسيطرة على الدفاع والسياسة الخارجية.
– ألمانيا: تتكون من 16 ولاية (لاندر)، لكل منها دستورها وحكومتها المحلية، مع الحفاظ على وحدة الدولة.
– كندا: تعتمد نظامًا فيدراليًا يوازن بين حقوق المقاطعات الناطقة بالإنجليزية والفرنسية، مما يعزز الوحدة الوطنية.
– الهند: تضم 28 ولاية و8 أقاليم اتحادية، مع حكم ذاتي واسع للولايات في مجالات مثل التعليم والثقافة.
– روسيا: تتكون من 85 كيانًا فيدراليًا، بما في ذلك جمهوريات ذات حكم ذاتي، مما يعكس تنوعها العرقي والثقافي.
-5 المسودة الروسية: سوريا فيدرالية ديمقراطية
اقترحت روسيا مسودة دستورية لسوريا تعتمد الفيدرالية كحل للصراع، مع التركيز على:
– اللامركزية السياسية: منح المناطق صلاحيات إدارية وثقافية واسعة.
– الحفاظ على السيادة الوطنية: ضمان وحدة سوريا مع الاعتراف بالتعددية الثقافية.
– تجارب مشابهة: استلهام النموذج الروسي في إدارة التنوع العرقي والديني.
-6 مخاوف وردود
يعترض البعض بأن الفيدرالية تُضعف الدولة، لكن:
– التجربة السورية (2012–الآن): الإدارة الذاتية في شمال سوريا حافظت على الأمن رغم الحرب، ودعمت الحوار الوطني.
– وحدة الأرض: الفيدرالية لا تعني حدودًا مغلقة، بل تعاونًا في القضايا السيادية (الدفاع، الاقتصاد).
الخاتمة
ليست الفيدرالية هو انفصال عن سوريا، بل إعادة تعريف لوحدتها على أساس العدالة. الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية للكورد، الذين دافعوا عن البلاد ضد الإرهاب، ليس تنازلًا بل استثمارًا في مستقبل مستقر. الفيدرالية ليست خطوة نحو التقسيم، بل جسر نحو مصالحة وطنية تُنهي عقودًا من الإقصاء؛ ونطالب الحكومة السورية الجديدة إلى تبني دستور يعترف بالتعددية .