معد فياض
حافظت القيادة الكوردية على سياسة هادئة ورصينة في التعامل مع الامور المستعصية والعمل على حلها وفقا للدستور والقوانين والتصرف بحصافة، وكذلك على عدم التدخل في شؤون الاحزاب السياسية الاخرى الا فيما يتعلق بقضايا حقوق الشعب الكوردي وامن واستقرار اقليم كوردستان، فهذه الامور مقدسة وخطوط حمراء غير مسموح تجاوزها، وأي مراقب او محلل سياسي محايد ونزيه وغير منحاز او مؤدلج سيؤكد ما ذهبنا اله آنفا.
وبحكم الاختلاط والتعايش الطويل مع الكورد سنتأكد ان الشخص الكوردي مجتمعيا لا يتدخل في شؤون الاخرين الا فيما يتعلق بحقوقه او بمصالح مجتمعه وامن اهله وعشيرته وبيئته واصدقائه.
على العكس تماما من سياسة العديد من الاحزاب والشخصيات السياسية العراقية الذين يدسون انوفهم فيما لا يعنيهم في الشؤون الكوردية وتحت حجج واهية واسباب كاذبة وشعارات مزيفة، على وزن الحفاظ على مصالح “الاخوة الكورد”، وان” الكورد مواطنين عراقيين ومن واجبنا حمايتهم”، و”حقوق الانسان”، وتبريرات باهتة ومفضوحة هدفها تقديم انفسهم كنجوم سياسيين ومواطنين صالحين، وايضا من باب ما يطلق عليه العراقيون شعبيا “الطشة” الاعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي والاعلامي.
ما دعاني لكتابة هذا المقال هي احداث التاسع من شباط الجاري عندما (تجشم) بعض النواب العراقيين العرب عناء الترحال وتحملوا (وعثاء السفر) من بغداد الى السليمانية وزيارة خيام المعتصمين من الموظفين والمعلمين لعدم استلام رواتبهم ولذرف “دموع التماسيح”، على حد وصف محافظ اربيل اوميد خوشناو، والتظاهر بحزنهم وابراز مشاعرهم الحزينة امام عدسات الاعلام تحت شعار “صورني وكأني ما ادري”،ومن ثم الاقتراح على المتظاهرين للذهاب الى اربيل والمشاركة في هذه المسيرة المفتعلة لابراز انفسهم كابطال قوميين يستحقون عليها جوائز نوبل للسلام.
المشهد كان يبعث على السخرية المرة، وقيل شر البلية ما يضحك، فهذه المزايدات مفضوحة وعلق عليها العراقيون، كرد وعرب بسخرية، لان اهدافها رخيصة ومكشوفة وجاءت لأسباب الدعاية الانتخابية المبكرة، لا سيما وانها صدرت من قبل بعض النواب الـ “مغمورون” على حد وصف السياسي الكوردي هوشيار زيباري.
لسنا ضد حقوق شعبنا الكوردي بنيل حقوقه على الاطلاق، بل نحن مع اهمية ان يحصل المواطن الكوردي على حقوقه القانونية كاملة وغير منقوصة خاصة في موضوع الرواتب..الراتب هو معاش ومصدر معيشة عائلته ويحفظ كرامته وامن اسرته، وبناء كيانه الاجتماعي، والحكومة غير متفضلة على الاطلاق في منح الموظف العراقي كوردي او عربي او تركماني ومن اي ديانة او مذهب راتبه الشرعي، لكن ان تستغل بعض الاحزاب او الشخصيات السياسية او بعض النواب “المغمورين” هذه المشكلة الانسانية والمزايدة على حرص القيادة السياسية الكوردستانية على مصالح شعبها، والتحريض على حكومة اقليم كوردستان واشاعة اجواء القلق والانفلات الامني لزعزعة الاستقرار، فهذا ما لا يسمح به الشعب الكوردي ولا الاجهزة الحكومية والامنية.
كان الاحرى بالاحزاب السياسية والنواب العراقيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والقومية والدينية والمذهبية ان تدافع عن حقوق المواطنين الكورد في بغداد وتحت قبة البرلمان وفي مجلس الوزراء ، فهذه هي المواقع الصحيحة للدفاع عن حقوق العراقيين جميعا وليس الكورد حصريا، ذلك ان الاعتصام في السليمانية، وهو حق مشروع، لا يحل المشكلة بل نبه اليها والى ضخامة حجمها وخطورة نتائجها، وحسنا فعلوا باعتصاماتهم المشروعة، ثم ياتي دور البرلمان العراقي للعمل بجدية من اجل تشريع القوانين التي تضمن حق المواطن الكوردي باستلام معاشه وان يشعر بانه مواطن عراقي من الدرجة الاولى وليس الثالثة..وكما لعضو مجلس النواب حقه، المشكوك بشرعيته، لاستلام رواتبه وامتيازاته المبالغ بها، فان من حق المواطن العراقي، الكردي وغيره، ان يستلم راتبه بلا تاخير او اذلال.
على النواب الذين جاءوا الى السليمانية للتظاهر بحرصهم على حقوق الموظفين الكورد ان يعتصموا تحت قبة البرلمان للدفاع عن حقوق العراقيين، وان يتنازلوا عن بعض امتيازاتهم لصالح العراقيين الذين استلبوا حقوقهم، وان يوقفوا سرقات من يطلق عليهم بالرفحاويين، او في الاقل يمنحون عوائل المؤنفلين الكورد ذات امتيازات الرفحاويين، وان يحاربوا الفساد لإعادة اموال الشعب المنهوبة الى خزينة الدولة، بدلا من تحريض المتظاهرين بالتوجه الى اربيل، وهم يعرفون حق المعرفة الجهود الكبيرة التي يبذلها كل من نيجرفان بارزاني، رئيس اقليم كوردستان، ومسرور بارزاني، رئيس حكومة الاقليم وجولاتهما وزياراتهما المكوكية الى بغداد من اجل استحصال رواتب موظفي الاقليم وانهاء هذه المعاناة.