د.سعد الهموندي
البارزاني المرجع والملجأ هو عنوان كتاب بقلم الدكتور سعد الهموندي مستشار الرئيس مسعود بارزاني و رئيس مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الأستراتيجية والمستقبلية، الذي يتضمن محطات مهمة من شخصية الرئيس مسعود بارزاني ومواقفه وبعض الأحداث، التي جعلت منه مرجعًا سياسيًا يستشار ويأخذ بتوجيهاته ونصائحه عند حدوث الأزمات والأنسدادات السياسية ، وملجأ لجميع العراقيين اثناء المحن والظروف الصعبة، لذلك نسعى من خلال نشر اجزاء الكتاب ان نلقي الضوء على خصوصياته الأخلاقية ومواقفه ازاء خصومه و صبره وحنكته وذكائه في التعامل مع المواقف الصعبة التي واجهته سواء اثناء ايام الكفاح المسلح او عند النزول من الجبل لينشأ اقليمًا عامرًا زاهرًا ليصبح رقمًا صعبًا في المعادلات السياسية والتوازنات في العراق والمنطقة.
الحلقة التاسعة
كما أن المتغيرات الجذرية التي حصلت عام 2015 فيما يخص الاقليم، ظهر أن بإمكانها خلق ضغطِ على دولٍ ذات كيانات قوية منذ عقود، فالإقليم ومن حالة حماية أمنه الداخلي وإيجاد التوافق العراقي، دخلَ لمرحلة قيادة الكُرد وحل ملفاتهم في الأجزاء الأخرى وقام بتغيير نظرة الدول الإقليمية له كسكين تقسيم إلى عامل توازن وقوة يجب التعامل معها بإيجابية.
وترجم ذلك لأول مرة في تاريخ الكُرد الحديث من خلال عبور قوة كُردية عسكرية من أحد أجزاء كُردستان إلى أخرى عبر تركيا للمساعدة في حماية مدينة كوباني، حيث قام مسعود البارزاني بالضغط على قوات التحالف الدولي لإنزال أسلحة لقوات الحماية الشعبية المدافعة عن المدينة، ومن خلال القوة والتنظيم اللذان اظهرتهما قيادة البيشمركة وعناصرها أصبح الإقليم في ميزان وتعامل القوى العالمية الغربية مفتاح القضاء على الحركات الإرهابية الدولية.
وبصدد ذلك نستشهد بقوله ضمن أحد لقاءاته السياسية في أربيل:
((إن السلطات في بغداد بذلت وتبذل كافة جهودها لتشجيع الشعب العراقي وشعوب المنطقة على معاداة شعب كُردستان، وتحويل الخلافات والمشكلات معها إلى مشكلات بين الكُرد والعرب، لكن الوضع الحقيقي يُظهر أن الشعب العراقي ليس معهم ولن يصدق تلفيقاتهم، بل عاقب الوجوه التي عادت وآذت شعب كردستان…
فالمعادين للحزب الديمقراطي الكردستاني كانوا يعتقدون أنه وبسبب مساندته المطلقة للإستفتاء ووقوعه تحت الضغوطات الاقتصادية والسياسية المختلفة، سيتساقط، لكن بهمة كوادر وأعضاء ومؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني وبهمة جماهير شعبنا، استطاع أن يضمن الحصول على الموقع الأول على مستوى كُردستان والعراق وأن يصبح الحزب الأول على مستوى العراق…
وكان اعتقادنا على الدوام، أنه مادمنا باقين مع العراق، لابد أن تكون علاقاتنا جيدة جداً معها، وعلى الدوام كان السلام والحوار خيارنا، ولم نحتج للقتال والحروب، ولا نريدها، ولكن نواجههم عندما يرغموننا عليها، والحزب الديمقراطي الكردستاني يضحي بنفسه من اجل حماية أرض وكرامة شعب كردستان، فالحزب الديمقراطي الكردستاني، لا يوعد دون أن يعمل، فنحن أصحاب هدف استراتيجي، ولا نغير مواقفنا مع السياسات الأخرى كل يوم، ولن نتراجع عن هدفنا الاستراتيجي، فعندمت يمتلك أي شخص أو طرف هدفًا استراتيجيًا يجب أن يكون مستعدًا للتضحية بحياته من أجله، لذلك ضحى الحزب الديمقراطي الكردستاني على الدوام من أجل حماية وسعادة شعبه
“إذا ما أردنا التعمق بفكر حيادي متوازن ضمن استراتيجيات الأمن القومي ضمن سياسة مسعود البارزاني فعلينا أولاً أن نُمعن النظر في مساره السياسي ضمن الفترات المتأزمة في أربيل، وليس ضمن فترات السلم والتوافق الاقتصادي للدولة، وأن نركز بشكل جوهري على التحليل السياسي والتحليل الاستراتيجي بعيدًا عن القوانين والتشريعات وما يجوز أو لا يجوز، وبعيدًا عن الخلافات والآراء الضيقة”
مسعود البارزاني واستراتيجية الأمن القومي في سياسته:
إذا ما أردنا التعمق بفكر حيادي متوازن ضمن استراتيجيات الأمن القومي ضمن سياسة مسعود البارزاني فعلينا أولاً أن نُمعن النظر في مساره السياسي ضمن الفترات المتأزمة في أربيل، وليس ضمن فترات السلم والتوافق الاقتصادي للدولة، وأن نركز بشكل جوهري على التحليل السياسي والتحليل الاستراتيجي بعيدًا عن القوانين والتشريعات وما يجوز أو لا يجوز، وبعيدًا عن الخلافات والآراء الضيقة.
إن الظروف التي مرت بها إيطاليا في زمن المفكر والفيلسوف الإيطالي (نيكولو مكيافيلي) والتي دعته لكتابة كتابه (الأمير) للدوق (لورينزودي ميديشي) لهي نفس الظروف التي تمر بها كوردستان والتي قد تدعو كل مفكر للكتابة حول شخصية من استطاع قيادة هذه البلد في هذا الزمن.
فقد أراد مكيافيلي من عاىلة (دي ميديشي) أن يحمل أحدهم مشروع تحرير وتوحيد إيطاليا الممزقة والمستباحة من القوات الأجنبية فكتب كتابه الأمير.
ومن الواضح أننا نعيش في مرحلة حرجة جدًا ونعاني من مشكلات يتحمل جزء منها الشعب والأحزاب والنخب ومراكز الفكر والثقافة السائدة في المجتمع وهذا الأمر يجب أن يدفعنا للبحث عن الخلل وكيفية علاجه.
فمعظم ما كُتب في علم السياسة قبل مكيافيلي وكتابه الأمير كان يتعلق بالحالة المثالية للدولة والمجتمع، وانشغلت العقول بإنزال هذه المثاليات على الواقع، ولما جاء مكيافيلي قلب المعادلة رأسًا على عقب حيث انطلق من دراسة الواقع وتقرير قوانينه والتحكم بها، والوصول إلى الحالة الأقرب للواقع وقد جمع مكيافلي بين الروح العلمية، والوطنية لدراسة القوة وقوانينها ودعوته إلى التحرر والوحدة لتحقيق الخير والسعادة لمواطنيه.
فعلى من يمارس السياسة أن يدرك قوانين القوة كي يواجهها لتحقيق الأهداف المرجوة، والذي لا يدرك هذه القوانين كمن يدعو إلى أهداف استراتيجية عليا لكنه لا يعرف ما هو الطريق أو السبيل إلى تحقيقها.
إن مكيافيلي كان منشغلًا ومهمومًا بفكرة التحرر والخلاص من الإحتلال الأجنبي، وكانت دراسته عن سبب فشل محاولات التحرر وفشل الثورات السابقة هو التحريض على تحرير إيطاليا من الإحتلال الأجنبي، ويذكر مكيافيلي في كتابه الأمير:
((إن إيطاليا على ما هي عليه من أوضاع راهنة، فأهلها مستعبدون ومضطهدون وممزقون لا زعيم لهم ولا نظام يحمكهم، مغلوبون على أمرهم ومسلوبة أموالهم وممزقة بلادهم البلاد التي احتملت من الدمار والخراب كل شيء وغدت بلا حياة تقريبًا)).
ويعرب مكيافيلي عن خوفه من الأوضاع ومن ضياع فرصة التحرر والخلاص فيقول:
(من الواجب أن لا نضيع هذه الفرصة في البحث عن محرر إيطاليا والذي سيجد حب الشعب له وطاعته والولاء له، ولن يتأخر أحد عن الإنضواء تحت رايته لأن سيطرة الأجنبي تزكم أنف كل أنسان).
هذه الحالة شبيهة جدًا لما تمر بها كًردستان، ولهذا فلمسعود البارزاني الأهمية العظمى في ترتيب أوراق مستقبل كُردستان، وهنا علينا أن نعرف أنه من غير المعقول مقارنة حالة كُردستان بحالة دول أخرى لها سيادة وحدود ومعترف بها في المواثيق الدولية كي نقول إن مسعود البارزاني مثله كمثل أي رئيس آخر، إنه صمام الأمان للدولة تسير في وسط الطريق للوصول إلى الاستقلال والحرية.
فكردستان كانت أمة ممزقة تعاني من الاحتلال والاستعمار لسنوات طويلة، واليوم وبفضل جهود القيادة البارزانية، والأحزاب الوطنية الكُردية والقيادات الكُردية،اصبح الشعب يتمتع بحدّ من الاستقلال.
ثم إن كُردستان تعاني من أمر آخر في غاية الخطورة إن لم نُحسن التعامل معه، وهو أننا في كردستان نمر بثلاث مراحل في آن واحد، ويجب أن ننتبه لهذا وإلا فقدنا جميع المكتسبات وعدنا إلى المربع الأول وهذه المراحل هي:
– مرحلة التحرر والاستقلال وإرجاع الأرض الكُردية.
-مرحلة التحول الديمقراطي وبناء المؤسسات المنضبطة.
-مرحلة بناء الدولة العظمى وتحقيق الحلم المنشود.
وهذه المراحل الثلاث تحتاج إلى شخص من المواصفات ما يؤهله لقيادة هذه المرحلة والعبور إلى برّالأمان،والشخص القادر على تحقيق هذا الحلم يجب أن يكون مُتدربًا ومتعلمًا من مسارات النضال، كما هو الحال في القيادة البارزانية سلسلة حركات النضال والتحرر.
مسعود البارزاني الذي دخل عالم السياسة من بوابة قضيته الكُردية التي استعصت على الحل منذ ما يقارب من قرن، وما تزال قائمة بسبب الجغرافية السياسية المتداخلة بين تلك الدول التي تتقاسم أرض كُردستان، كذلك ارتباط هذه المنطقة بالسياسات الإقليمية متعارضة المصالح ومتشابكة ومتداخلة، ورغم ذلك استطاع هذا الرجل أن يمسك بخيوط اللعبة ويحركها ساعة ما يشاء خاصة عند اشتداد الحدث وتأزيم الوضع.
قال البعض إن (( مكيافيلي)) كان شريراً، وكتابه الأمير يُعد آلية لصناعة الحكم المستقل الذاتي الأقرب إلى حكم الملوك.
ولكن قليلًا ما نسمع عن مسارت الحكمة والتعقل في فلسفته لقيادة الدولة وتحرير الأوطان وأصبح بمجرد ذكر اسم((مكيافيلي)) أن تندفع الألسن تلقائيًا في ذمه في الوقت الذي لا يعرفون أصحاب هذا الرأي شيئ عن فكره وفلسفته وعن ما كتبه في كتابه الأمير.
فالصفة الأساسية التي يتحلى بها مكيافيلي هي الوطنية وهذه الوطنية أصحبت عقدة لديه فهو في نصحه الدائم للأمير يدعو إلى تحرير إيطاليا لأنه يرفض الاحتلال، وهو في بحث مستمر عن الأمير القادر على حمل هذه المهمة.
وهنا نرى أن متلازمة الوطنية قد أصبحت جزءًا من شخصية مسعود البارزاني، فالتاريخ السياسي الطويل له جعل تفكيره منصبًا بصورة غير طبيعية على أهداف شعبه، وكل من زار كُردستان العراق اليوم سيرى كيف تمكن مسعود البارزاني من ترجمة أهدافه على أرض الواقع.
فهذا الرجل قضى معظم أيام شبابه في سبيل تحقيق الهدف الذي كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني وضعه لنفسه عام 1961 وهو الديمقراطية والحكم الذاتي لكُردستان، فكرس جلّ نضاله من أجل هذا الحل الواقعي.
وفي ربيعه العشرين، أسهم بالعمل السياسي بشكل مكثف حيث شارك مع الوفد الكُردي عام 1970 في المفاوضات مع الحكومة العراقية حول اتفاقية الحكم الذاتي، وعند انعقاد المؤتمر الثامن للحزب الديمقراطي الكوردستاني سنة 1971 انتخب عضوًا للجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبعد ذلك أصبح عضوًا للمكتب السياسي وتسلم مهمة رئاسة المؤسسة الأمنية.
وخلال حكمه كرئيس للإقليم قام بتأسيس عدة مراكز لتقوية التحالفات بين الأحزاب السياسية الكُردستانية وتعزيز عملية صنع القرار في الإقليم مثل (مجلس رئاسة كوردستان، المجلس الأعلى للأحزاب السياسية).
وهنا علينا أن نذكر كتابه بشكل أكثر دقة (البارزاني والحركة التحررية الكُردية) والذي يتحدث فيه عن الدور التاريخي لوالده الملا مصطفى البارزاني في الحركة القومية الكُردية، فالبيئة التي نشأ فيها ساعدته على الارتباط بقضية شعبه استراتيجيًا، ليحقق لهم أمنهم القومي.
فهو ملم بلغة العصر ويعرف كيف يتوافق بين النظام العالمي الجديد ومطاليب الشعب الكُردي دون التنازل عن حقوق شعبه ولو بقدر أنملة، وهو ما يسمى بالضبط استراتيجية الأمن القومي لشعبه.
فسياسة هذا الرجل نابعة من ((كاريزما)) القيادة الظاهرة بحضوره الطاغي، بالإضافة إلى قدرته في التأثير على الآخرين إيجابًا، فليس من السهل على القائد السياسي أن يحرك السياسة في المنطقة ما مثل منطقة الشرق الأوسط إلا إذا امتلك حضورًا كاريزميًا وفكرًا استراتيجيًا مزاوجًا بين الركيزتين، منطلقًا إلى آفاق الملعب السياسي.
مسعود البارزاني الذي دخل عالم السياسة من بوابة قضيته الكُردية التي استعصت على الحل منذ ما يقارب من قرن، وما تزال قائمة بسبب الجغرافية السياسية المتداخلة بين تلك الدول التي تتقاسم أرض كُردستان، كذلك ارتباط هذه المنطقة بالسياسات الإقليمية متعارضة المصالح ومتشابكة ومتداخلة، ورغم ذلك استطاع هذا الرجل أن يمسك بخيوط اللعبة ويحركها ساعة ما يشاء خاصة عند اشتداد الحدث وتأزيم الوضع.
لقد راهن مسعود البارزاني دائماً على شعبه وعدالة قضيته وهذه الصفة جعلت منه زعيمًا حقيقيًا لشعبه وصاحب قضية، وليس رئيس حزب سياسي فقط.
اعتمد ضمن استراتيجيته أولًا على سياسة العفو والتعايش السلمي بين جميع المكونات، والبدء بالإعمار السكني والعمراني والمؤسساتي بعد استدعاء المنظمات والشركات الغربية والتي ترفد سياستها وتساند القضية الكُردية، واليوم يدرك الجميع، العدو قبل الصديق إنه لا تستقيم السياسة العراقية إلا بوجود مسعود البارزاني في مقدمة الحوار السياسي.
فزيارته إلى دول العالم وعلاقاته الاستراتيجية معهم ساهم في الدعم السياسي والقرار الاستراتيجي لكُردستان، وهذا ما أثر على تطور العملية السياسية والاقتصادية في كُردستان.
كما استخلص من من مخزونه النضالي السياسي ذي الأبعاد الاستراتيجية نقاطًا مهمة وهي:
-سياسة التوافقات الداخلية في كُردستان.
-التوازنات الإقليمية واستراتيجية المصالح الكُردية في المحيط الغربي.
-التجاذبات ذات البعد الإيجابي لقضية الكُرد سياسيًا وجغرافيًا.
-استدامة المصالح السياسية وتدويرها وتحويرها حسب الحدث السياسي الملائم للكُرد.
هكذا استطاع مسعود بارزاني الرجل الاستراتيجي أن يضع كُردستان والقضية الكُردية في جميع الأجندات العالمية والإقليمية، وفي كل الملفات وربطها بأحداث الشرق الأوسط لتسيّر القافلة الكُردية نحو مقصدها المنشود.
وهنا لا يختلف اثنان على الكاريزما المحببة في شخصية الرئيس والاحترام الذي يقترن بأسمه ومقامه، فهو اليوم ومن بين العشرات من أقاليم الدول الفدرالية في العالم يحسب له حساب رئيس دولة،وملك ممكلة حين يزور دول العالم.
يستقبل بحفاوة الرؤساء والملوك من قبل أرفع مسؤولي دول العالم ويحسب ألف حساب لكل كلمة يقولها من قبل العدو قبل الصديق والصديق قبل العدو.
العقل الاستراتيجي والأمني والعسكري لمسعود البارزاني:
عرف الشعب الكُردي وخلال مراحل نضاله البطولي المختلفة، كما هو حال في جميع حركات التحرر العالمية، العديد من الرموز والقيادات، وذلك نتيجة لهذا التاريخ الدامي والطويل؛ فإلى يومنا هذا لم تُحل المسألة الكُردية بالشكل الصحيح والطبيعي، ولم يحصل هذا الشعب بعد على حقوقه القومية المشروعة.
فبرز العديد من القادة ضمن هذه المرحلة،إلا أن مسعود البارزاني احتل مرتبة الصدارة من بين القيادات لما يتمتع به من صفات تؤهله لذلك، بالتالي تصدر لأن يكون القائد الكاريزمي ليجمع الشرائح والفئات المختلفة للجماهير حول شخصيته المحببة، ففي مراحل النضال التحرري للشعوب هناك الحاجة الماسة إلى تلك الكارزمية.
من هنا وربما أن الواقع شديد التعقيد افترض علينا وجود عقل استراتيجي كُردي قادر على تحديد ما هية المصالح الحيوية، وما هي مصادر التهديد الأساسية والثانونية، وشخصية قادرة أيضاً على إدارة علاقات الصراع وعلاقات التنافس وعلاقات التعاون مع القوى الإقليمية والدولية باحتراف ومهنية، وبوعي يصل إلى درجة اليقين مع توحيد مكونات الأمن القومي، فما يعتبر أمنًا قوميًا يعبر عنه بمصطلح المصير الكُردي الواحد، أما المهم من هذا كله فهو امتلاك البوصلة الاستراتيجية التي نستطيع أن نحدد من خلالها: من نحن؟ وماذا نريد؟.
فاليوم يواجه الكُرد حالات من عدم الاستقرار السياسي ناتجة عن عوامل كثيرة بعضها داخلي سياسي واقتصادي وأمني، وبعضها خارجي بسبب كثافة التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للعراق، كما أن القوى الإقليمية الكبرى في الإقليم الواسع الذي نعيش فيه (إقليم الشرق الأوسط) تشهد تطورات داخلية مهمة انعكست بقوة على سياستها الخارجية الإقليمية وامتد تأثيرها لتهديد مصالح عليا (إيران وتركيا وإسرائيل)، في الوقت الذي يشهد فيه النظام العالمي هو الآخر تغيرات غير مسبوقة في هيكليته، أبرزها بزوغ أدوار قوى آسيوية عملاقة (الصين واليابان والهند)، وعودة قوية لروسيا الإتحادية.
وكلها تخدف إلى فرض نفسها كقوى قادرة على التأثير في مسار حركية النظام العالمي على حساب محورية التحالف الأمريكي الأوربي.
وهناك نطورات هي الأكثر تأثيرًا، أبرزها ما أحدثه وما تحدثه موجة الثورات العربية من ارتباك في إدارة السياسات داخل كل الدول العربية ومن اهتزاز، إن لم يكن افتقاد، للبوصلة الاستراتيجية القادرة على ضبط أجندة الأهداف الوطنية العليا .