رؤساء الولايات المتحدة الأميركية

 

 

مصطفى الفقي كاتب وباحث

توافد على البيت الأبيض بواشنطن عديد من الرؤساء بدءًا من الرئيس جورج واشنطن وصولًا إلى الرئيس الـ47 دونالد ترمب، وقد ارتبط كل رئيس بصفات معينة وشخصية مستقلة، ولعلي أستعين هنا بعامل المعاصرة فأكتب عن الرؤساء الذين عاصرتهم من بعد وامتلكت الوعي لمتابعة مسيرتهم، بدءاً من الرئيس دوايت أيزنهاور الذي كان قائدًا لقوات الأطلسي (ناتو) في الحرب العالمية الثانية، ووصل إلى منصب الرئاسة الأميركية وهو يحمل رتبة الجنرال بتاريخ عسكري طويل.

 

وإذا كان لا بد من الحديث عن الرؤساء، فإنني أبدأ بذلك العسكري الأميركي الشجاع الذي نذكر له في العقل العربي دعمه المستتر لخلاص المنطقة من الوجود البريطاني- الفرنسي أو ما نعبر عنه بـ”مبدأ أيزنهاور” أو نظرية الفراغ في الشرق الأوسط حتى جاءت النقلة النوعية بين الأجيال واحتدم التنافس بين ريتشارد نيكسون نائب الرئيس وجون كينيدي ابن العائلة الأميركية المعروفة، الذي وصل إلى المنصب الرفيع في سن مبكرة نسبيًا بعدما فاز على منافسه نيكسون.

 

اتسمت فترة الرئيس كينيدي بالروح الجديدة التي نفخها الرئيس الشاب في الإدارة الأميركية، وإذا كان سلفه أيزنهاور هو الذي أمر إسرائيل بالانسحاب من سيناء بعد مؤامرة العدوان الثلاثي عام 1956 فإن جون كينيدي هو الذي تبادل الرسائل مع عبدالناصر، التي جاء فيها العبارة الشهيرة عن وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا، في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 حين قال الرئيس المصري في رسالته لنظيره الأميركي، “إن ذلك كان وعدًا ممن لا يملك لمن لا يستحق”.

 

لقد لقي جون كينيدي مصرعه في تكساس في حادثة غامضة حتى الآن، وتساءل الكل هل قتله اليمين المتطرف الذي يرفض التغيير ولا يقبل الفكر الجديد، أم هو اللوبي اليهودي الذي كان يضيق بجون كينيدي بعد تبادله رسائل خشنة مع بن غوريون أم هي عناصر من دولة كوبا؟ رأى بعضها الأخطار المحتملة من حكم ذلك الرئيس المختلف عن سابقيه، خصوصًا بعد احتدام الحرب الباردة والمرور بأزمة “خليج الخنازير” عام 1962 إذ لقي كينيدي مصرعه في العام التالي لذلك مباشرة، جاء خلفه في المنصب نائبه ليندون جونسون الذي كان يكن كراهية شديدة للعرب ويعوم مع التيار الداعم لدولة إسرائيل.

 

أتذكر الآن قصة طريفة وهي عندما كنت أعمل مع الرئيس الراحل مبارك سكرتيرًا سياسيًا له جاء القاهرة زائرًا نائب الرئيس الأميركي ريغان، وكان هو جورج بوش سفير أميركا السابق لدى الصين ومندوبها في الأمم المتحدة ورئيس جهاز الاستخبارات قبل أن يصبح نائبًا للرئيس ريغان، وأتذكر حفل العشاء الذي أقامه الرئيس المصري على شرف نائب الرئيس الأميركي، وجاءت جلستي في إحدى الموائد الرئيسة إلى جانب ضيف أميركي حاولت أن أتعرف على وظيفته فقال لي إنه عضو الجهاز القضائي وإنه محلف أميركي فقلت له، وما علاقتك بطبيعة هذه الزيارة؟ فقال لي إنه أصبح تقليد لديهم في الولايات المتحدة الأميركية إيفاد قاض محلف مع نائب رئيس الجمهورية في تنقلاته منذ اغتيال كينيدي، حتى إذا حدث مكروه للرئيس مثلما جرى مع جون كينيدي فإن نائبه يؤدي القسم على أي أرض أميركية يوجد عليها حتى لو كانت سفارة لبلاده في الخارج أو على ظهر سفينة ترفع العلم الأميركي أو على متن طائرة، وعجبت كثيرًا من هذا الاحتياط الزائد الذي يجعل الأميركيين يعدون موكب الرئيس الأميركي قطعة مصغرة من الولايات المتحدة الأميركية سياسيًا وأمنيًا وثقافيًا.

 

لقد عاصر ليندون جونسون حرب 1967، وكان قاسياً على العرب كعادته، ثم خلفه في البيت الأبيض الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون صاحب الخبرة الطويلة في السياسة الخارجية والتمرس الدبلوماسي، وهو الذي عاصر حرب التحرير في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وكان معتمدًا إلى حد كبير على مستشاره للأمن القومي، الذي أصبح وزير خارجيته داهية الدبلوماسية هنري كيسنجر، ولكن نيكسون لم يكمل فترته الثانية إذ أطاحته قصة “ووتر غيت” ليأتي خلفًا له نائبه جيرالد فورد الذي كان رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية من دون أن يفوز في أي انتخابات بل كان بعض الأميركيين يتندرون عليه قائلين إنه محدود الذكاء إلى حد أنه لا يستطيع أن يمشي وهو يمضغ قطعة (علكة)، فلا بد أن يتفرغ لأحد الأمرين!

 

وقد تلاه رئيس يتميز بنزعة أخلاقية عالية وحس إنساني ديني هو الرئيس جيمي كارتر القادم من بيئة ريفية بولاية أتلانتا، الذي أمضى في الرئاسة فترة واحدة، إذ كانت أزمة الرهائن الأميركان في طهران، وفشله في حل المشكلة سببًا في خسارته للانتخابات وتولي رونالد ريغان الممثل الأميركي المغمور سدة الرئاسة، مع نائبه ذي الخبرة الدبلوماسية الطويلة جورج بوش الأب، ولا بد أن نتذكر هنا أن جيمي كارتر كان هو عراب اتفاقية كامب ديفيد والراعي الأميركي للمفاوضات المصرية- الإسرائيلية هناك، كما نتذكر هنا أن الرئيس السادات، رحمه الله، كان قريبًا من كل الرؤساء الأميركيين المعاصرين له حتى إنه حضر جنازته في القاهرة الأحياء منهم في ذلك الوقت، وكانوا أربعة على طائرة واحدة خلافًا لما تقضي به كل تقاليد الأمان في الطيران بالنسبة إلى الرؤساء الأميركيين السابقين أو حتى الشخصيات المهمة وكبار المسؤولين من الولايات المتحدة الأميركية.

 

وخلفه في الانتخابات نائبه جورج بوش الأب الذي عاصر حرب العراق مع الكويت حتى تحريرها واتخذ مواقف برزت فيها خبرته وقدرته على أن يكون رجل دولة رفيع المستوى، ومع ذلك لم يفز بفترة رئاسة تالية، لأن معيار الاختيار لدى المواطن الأميركي ليس السياسة الخارجية، بقدر ما هي نتائج السياسات الداخلية والوضع الاقتصادي عمومًا، وقد تلاه رئيس شاب هو بيل كلينتون الذي يحمل في اسمه لقب زوج أمه وكانت له جاذبية خاصة متحدثًا ومفاوضًا، وقد تولى بعده الرئاسة جورج بوش الابن بعد جدل انتخابي كبير عند إعلان النتيجة في ما يتصل بأصوات فلوريدا حتى حسم القضاء الأميركي الأمر لمصلحة بوش الابن وخسارة منافسه آل غور نائب الرئيس السابق.

 

اقترنت فترة جورج بوش الابن بمواجهات عنيفة وصدامات كثيرة على امتداد خريطة الشرق الأوسط وغرب آسيا، فهو الرئيس الذي عاصر حادثة الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وبرزت في عهده بعض الممارسات الإرهابية وما نجم عنها من حروب وصراعات إقليمية، ثم بزغ نجم شاب أميركي من أصول أفريقية، وهو متحدث بارع وخطيب مفوه، جاء جده المهاجر من كينيا إلى الولايات المتحدة عام 1964 ليكون باراك ابن حسين أوباما هو الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركية، في ظل حفاوة دولية كبيرة وحسن استقبال من العالمين العربي والإسلامي.

 

لقد شهدت شخصيًا خطاب أوباما الذي وجهه إلى العالم الإسلامي وشعوبه قاطبة من فوق منصة القاعة الكبرى لجامعة القاهرة وتفاءلنا يومها خيرًا إلا أنه، وقد كان صاحب شخصية متميزة وخطاب سياسي مؤثر، لم يترك لذلك التفاؤل الذي كان لدى المسلمين والعرب في أنحاء العالم أن يبقى طويلًا، بل برزت في عهده نظرية الفوضى الخلاقة التي تبنتها وزيرة خارجيته كوندليزا رايس ومؤداها أن السبيل الأفضل لحكم العالم الإسلامي هو العودة إلى النموذج التركي الذي يسمح بسيطرة ما يسمونه الإسلام السياسي المعتدل بديلًا عن الأنظمة القمعية بين ديكتاتوريات المنطقة.

 

أعتقد أن ما يجري حاليًا في سوريا وغيرها من البقاع العربية والإسلامية ينحو هو الآخر ببطء نحو ذلك العالم الجديد الذي يبشر به رئيس أميركي عنيف في قراراته، غريب في مواقفه، متشدد تجاه خصومه وحلفائه أيضًا، إنه دونالد ترمب الرئيس المتفرد بصفات مختلفة وأساليب متعددة ورؤى متناقضة!

 

الإنديبندنت

 

قد يعجبك ايضا