ما المفاجآت التي يخبئها دونالد ترمب للشرق الأوسط؟

 

 

رئيس “معهد واشنطن” يتحدث عن “اندبندنت عربية” عن رؤيته لمستقبل المنطقة وخطورة “أيديلوجية ماغا”.

 

عيسى النهاري

 

قلة هم الباحثون الذين يجمعون بين الدراسة المكثفة للسياسات الأميركية تجاه الشرق الأوسط وبين التواصل مع صناع القرار في واشنطن ودول المنطقة. أحدهم روب ساتلوف، الذي يرأس “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” منذ 32 عاماً، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة الهادفة إلى دعم صانع القرار الأميركي بالمعلومات والتحليلات اللازمة لرسم سياسات المنطقة. ويركّز المعهد على مسائل السلام بين العرب وإسرائيل، وهي القضية التي يعتبر ساتلوف خبيراً فيها ووضعته على اتصال بالكثير من الزعماء الإقليميين.

 

“اندبندنت عربية” استضافت ساتلوف في حلقة جديدة من “حوارات أميركية” للحديث عن تداعيات سياسة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن تجاه الشرق الأوسط، وما المتوقع بعد عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما إمكانية إبرام صفقة مع إيران، وهل مازال حل الدولتين ممكناً، وكيف نفهم فريقه الجديد وما يصفها ساتلوف بـ “أيديلوجية ماغا” التي ستطبع بصمتها على السياسة الخارجية الأميركية.

 

ماذا حققت سياسة بايدن للشرق الأوسط؟

 

ربما يأتي جواب ساتلوف عن رأيه حول سياسة بايدن في المنطقة مفاجئاً لكثيرين في العالم العربي، فهو يراها “ناجحة”، في ضوء القدرة على مواجهة إيران وهجماتها في المنطقة، وقال إن “الحرب المروعة في غزة والصراع في لبنان لم تكن نتيجة قرارات خاطئة من إدارة بايدن، بل كانت نتيجة عدوان شنه وكلاء إيران الإقليميون، فرغم فظاعة الأحداث، لا يمكن إلقاء اللوم على إدارة بايدن، بل يقع اللوم على إيران”.

 

وعما إذا كان موقف بايدن اللين تجاه طهران مقارنة بترمب هو ما أدى إلى هذا الوضع، قال الباحث الأميركي إن “هناك ما يكفي من الانتقادات التي يمكن توجيهها لكلتا الإدارتين، فالإيرانيون خلال الأعوام الخمسة الماضية هاجموا ثلاث دول حليفة لأميركا، السعودية والإمارات وإسرائيل، واستهدفوا جنوداً أميركيين في العراق وسوريا”.

 

ويرى أن كلتا الإدارتين لم تتفوقان في ردع أو مواجهة الطموحات الإقليمية الإيرانية، إذ لم يكن هناك أي رد من ترمب على الهجوم على بقيق، ولا رد فعلي من بايدن على الهجوم على أبو ظبي، واكتفى ترمب باستهداف قاسم سليماني، وهو أمر مهم، ولكن بخلاف ذلك، لم يكن هناك رد كبير.

 

كيف ستؤثر سياسات ترمب على الشرق الأوسط؟

 

وعن عودة ترمب للمسرح الدولي، قال رئيس معهد واشنطن قد يكون تطوراً إيجاباً، أو أقل إيجاباً للشرق الأوسط بناءً على بعض القرارات التي قد تتخذها الإدارة الجديدة، فهناك أموراً عدة غير معروفة حول سياسة المنطقة في ولايته الثانية، وأول مسألة غير معروفة، هي هل سيؤكد ترمب التزاماً اتبعه الرؤساء الأميركيون منذ 15 عاماً بأن تضمن واشنطن عدم حصول إيران على قنبلة نووية.

 

وقال، “لم يؤكد حتى الآن لا ترمب ولا جي دي فانس هذا المبدأ في الحملة الانتخابية، وقال نائب الرئيس ومسؤلون كبار آخرون علناً إنهم لا يريدون صراعاً مع إيران، وأن ذلك سيكون كارثياً ليس فقط لكونها حرباً أخرى في الشرق الأوسط، ولكن لأن هناك معسكراً من “ماغا” يرى أن تجربة العراق كانت أسوأ ما فعلته الولايات المتحدة على الإطلاق، وأن التورط في صراع آخر في الشرق الأوسط هو أمر مرفوض تماماً بالنسبة إليهم”.

 

ويتبنى معسكر من عالم “ماغا” على حد تعبير ساتلوف سياسة مفادها: “نحن ندعم إسرائيل، وإذا قررت إسرائيل المضي قدماً ومهاجمة البرنامج النووي الإيراني فلا بأس بذلك بالنسبة إلينا، لكن لا تطلبوا منا القيام بذلك بأنفسنا”، لأن القيام بذلك إما سيؤدي إلى الانزلاق نحو حرب إقليمية، أو سيشكل إلهاءً عن مواجهة الصين، وفي كلتا الحالتين يُعتبر فكرة سيئة”. ومع ذلك هناك مسؤولون يملكون سجلاً قوياً ضد إيران مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، لكن في نهاية المطاف القرار يعود إلى الرئيس، ولا يُعرف بعد موقف ترمب من هذه المسألة.

 

وعما إذا كان ممكناً إعادة فرض سياسة “الضغوط القصوى”، قال ساتلوف إن قياس نجاحها أو فشلها يعتمد على الهدف منها، مشيراً إلى أن هدف ترمب في ولايته الأولى كان تجفيف مصادرها المالية حتى لا تتمكن من إرسال الأموال إلى وكلائها مثل “حزب الله” أو الحوثيين، لكن الوضع اختلف حيث يُقال إن إيران تمتلك بالفعل القدرة التقنية لتجاوز العتبة النووية وتصنيع سلاح نووي، لذلك إذا كان الهدف من الضغط الأقصى وقف تمويل “حزب الله”، فهو يواجه مشكلات عميقة بالفعل، وإذا كان الهدف وقف تمويل البرنامج النووي، فهو متقدم جداً، ولم يعد المال هو العائق أمام امتلاك إيران السلاح النووي.

 

ولم يستبعد ساتلوف أهمية اتخاذ إجراءات عسكرية وقال، “الضغط الأقصى قد يكون أداة مفيدة، لكن السؤال الحقيقي هو: ما الغاية منه؟ إذا كان الهدف هو إقناع إيران بأن كلفة تجاوز العتبة النووية ستكون باهظة جداً، دعونا نفكر في ذلك، هل هذه هي الأداة المناسبة لتحقيق ذلك؟ أم أننا سنحتاج إلى إجراءات عسكرية فعلية لمنع إيران من تجاوز هذه العتبة؟ هل مجرد عزلها مالياً سيكون كافياً؟ نحن لم نعد في عام 2016، ولم نعد في 2018. التحديات أصبحت مختلفة، والأدوات القديمة قد لا تكون مناسبة.

 

ويتوقع ساتلوف أن تلجأ إدارة ترمب إلى مزيج من الضغط العسكري الإسرائيلي والضغط المالي الأميركي لتهيئة الظروف لعقد صفقة دبلوماسية. وقال إنه لن يتفاجأ إطلاقاً إذا حاولت إدارة ترمب القيام بالأمرين معاً، أي فرض ضغوط مالية كبيرة، وربما السعي إلى عقد صفقة مع إيران، ولكن يجب أن تكون هذه الصفقة أفضل بصورة ملحوظة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، نظراً إلى أن ترمب هو من ألغى ذلك الاتفاق، لذا ستكون هناك حاجة إلى صفقة أفضل بكثير، في وقت بات فيه الإيرانيون متقدمين جداً في برنامجهم النووي، سواء مقارنة بالوقت الذي وقعوا فيه الاتفاق الأصلي أو عندما ألغاه ترمب.

 

هل مازال حل الدولتين ممكناً؟

 

يعتقد ساتلوف أن فرص السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تضاءلت بعد حرب غزة، وعن رأيه في التحالف الدولي لحل الدولتين الذي تقوده السعودية، قال، “أنا أقدر التزام الدول في المنطقة دعم حل تفاوضي يقوم على دولتين، لكن في النهاية هذا قرار سيتخذه الطرفان أنفسهما، وإذا كان هناك درس مؤلم من العام الماضي فهو أن هناك للأسف عدداً كبيراً من الفلسطينيين لا يزالون يتمسكون بأهداف متطرفة، وربما منحهم السابع من أكتوبر اعتقاداً بأنهم قادرون على نقل الحرب إلى داخل إسرائيل نفسها، ومواصلة الصراع ودفع إسرائيل إلى التراجع أكثر”.

 

وأضاف، “من الإنصاف القول إن هناك أيضاً إسرائيليين لديهم أفكار متطرفة، يعتقدون أن بإمكانهم الاستيلاء على كامل الأرض دون الفلسطينيين، وأنه ما دام الفلسطينيون يتبنون مواقف متطرفة ويحاولون نقل الصراع إلى بلداتهم وقراهم، فبإمكانهم الرد برؤى متطرفة مماثلة حول السيطرة الكاملة على الأرض. للأسف، نحن في لحظة لا تزال فيها هذه التيارات المتطرفة تحظى بدعم كبير، لذلك، في حين أنني أرحب ولا أقلل أبداً من أهمية تأكيد دول مثل السعودية دعمها حلاً تفاوضياً، إلا أن الواقع يقول إن أمام الأطراف المعنية مباشرة طريقاً طويلاً قبل الوصول إلى اتفاق حقيقي”.

قد يعجبك ايضا