قال تعالى:
“عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ”
الاية 5 من سورة الانفطار
د. توفيق رفيق التونچي
تأريخ منطقة الشرق القديم والحديث لا يمكن الوثوق به لأنه وثق ويوثق حسب أهواء السلطة ووجهة نظر الحاكم والفكر السياسي السائد. التأريخ والحديث عنه كتبه قوى خارجية غربية بدأ من سنوات ما قبل الحرب العالمية الأولى وصولا إلى يومنا هذا. الجدير بالذكر ان معظم مراجع المؤرخين يعتمد علىى ما كتبه الأجانب عن تاريخهم وتراثهم وحتى دينهم وعقائدهم . أكاد ان اجزم بانه لا يوجد كتاب واحد عن تاريخ المنطقة وشعوبها لا يأخذ مصادره من كتاب غربيون وأحيانا لتأكيد مصداقية أطروحاتهم يأتون بشهادة احد كتب الأجانب. اما الأماني بالنسبة لنا هي كل ما نريد ان يكون فيهً المستقبل وهي أي تلك الأماني تكون دائمًا إيجابيةً رغم انً هناك البعض من البشر من الشريرين يتمنى الشر للآخرين من بني البشر.
اما التوقع فهي قابلة للحدوث وقد يعرف بالتنجيم او قراءة الطالع والتنجيم وهي تختلف عن علم الأرصاد و التنبؤ وعلوم الفلك واللذان يعتمدان على معلومات ومعرفة بالأمور وكنتيجة مباشرة للعلوم والمعارف المتراكمة لدن البشرية يمكن إجراء تحليل لتلكً المعلومات وتخمين تقريبي لما سوف يحدث كما في تخمين الأنواء الجوية وحركة الرياح والعواصف اي توقع حدوث الأمطار والأعاصير والزلازل والتوقعات الاخرى. وهناك أمور أخرى يمكنً تخمين وقوعها خاصة في السياسة والاقتصاد حول السوق والمال والأعمال. اماً الحروب فلا تحتاج إلى اي تخمين فالصراعات بين الدول وفي داخل الدول نفسها ما تسمى بالحرب الأهلية لا حصر لها. هناك علاقة جذرية لا بل حياتية بين مصانع الأسلحة والحروب تلك الجدلية مع صراع الأفكار والمصالح تودي إلى نشوء الحروب ويزدهر بذلك سوق السلاح ويزداد ثروة تجارها.
تاريخيا يعتبر منطقة الشرق الأوسط بيئةً نموذجية للصراعات والحروب وستبقىً كذلك. لذا توقع حدوث الحروب واردة دائما بين دولها وشعوبها وحتى احتمالات حدوث حروب داخلية. الانقسام الفكري والعقائدي لشعوب المنطقة ادى مع مرور الزمن إلى حدوث فجوة بين قومياتها وعقائدها الدينية. صراع قومية تسلط على الحكم وفرض سيطرته أدى إلى صراعات ولا تزال. كان من إحدى نتائجها التقوقع وتشكيل المجتمعات المغلقة وعقائد الباطنية المغلقة مما أدى إلى غياب الحوار الحضاري والتصاهر والتزاوج لعدم وجود الأرضية المشتركة.
مجتمع مدينة كركوك ألتعددي جدير بالدراسة لسبب واحد هو ان الحوار الحضاري شكل مجتمعا متسامحا حيث تصاهر القوميات التي استوطنت المدينة في الحقب التاريخية مكونا مجتمعا خليطا قوميا وعقائديا. لكن الحرب العالمية الأولى وبتدخل مباشر من القوى الاستعمارية المباشرة والتي كانت هدفها إنهاء سطوة الدولة العثمانية على المنطقة وذلك عنً طريق سياسة فرق تسد المعروفة وتشجيع الأفكار القومية باسم التحديث وهدم الأسس المواطنة التي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الانتماء الى الدين الإسلامي كقاسم مشترك لتلك الشعوب.
“بالرغم من ان الجمهورية التركية بعد إعلانها اتّبعت نهجا قوميًا سلبيًا تجاه تلك الشعوب وذلك بفرض اللغة التركية كلغة رسمية للبلاد ومنع اللغة الكوردية والتي تعتبر احد اقدم اللغات في المنطقة وكانت متداولة إلى جانب لغات أخرى مثل الأرمينية والسريانية واليونانية حتى قبل مجيء موجات الهجرات الأقوام التركية القادمين من جنوب سيبيريا ومنغوليا في أواسط أسيا إلى شبه جزيرة الأناضول بدا من القرن السادس ووصول السلاجقة في القرن الحادي عشر، قامت القوى القومية بعد إعلان الجمهورية التركية في 29 اكتوبر تشرين اول من عام 1923 بمنع تداول جميع اللغات وحصر لغة البلاد في اللغة التركية في قانون توحيد التعليم الصادر في عام 1924”
الدولة العثمانية لم تكن قومية على الأقل الى عشية الحرب العالمية الأولى والدليل انه لم يتمً تتريكً اي ولاية عثمانية خلال اكثر من نصف دهر من حكم العثمانيين وبقت جميع الولايات في القارة الأوربية، الأفريقية والأسيوية محتفظة بلغاتها الوطنية ناهيكً عن ذلك لمً تقمً حتى بتتريكً شعوب تركياً الحالية. كانت هناك محاولات على هذا الطريق خاصة بعد إعلان الجمهورية ولكنها فشلت. اليوم فيها أي في تركيا الملايين ممن الأقوام الأصلية الكورد والعرب واليونانين ويسموهم الروم والسريان واقوام أخرى كثيرة. هذا وكما اسلفت بالرغم ان الجمهورية التركية بعد إعلانها اتّبعت نهجا قوميًا سلبيًا تجاه تلك الشعوب وذلك بفرض اللغة التركية كلغة رسمية للبلاد ومنع اللغة الكوردية والتي تعتبر احد اقدم اللغات في المنطقة وكانت متداولة إلى جانب لغات أخرى مثل الأرمينية والسريانية واليونانية حتى قبل مجيء موجات الهجرات الأقوام التركية القادمين من جنوب سيبيريا ومنغوليا في أواسط أسيا إلى شبه جزيرة الأناضول بدا من القرن السادس ووصول السلاجقة في القرن الحادي عشر. قامت القوى القومية بعد إعلان الجمهورية التركية في 29 اكتوبر تشرين اول من عام 1923 بمنع تداول جميع اللغات وحصر لغة البلاد في اللغة التركية في قانون توحيد التعليم الصادر في عام 1924 مع تغير كتابتها من الأبجدية الى الحروف ألاتينية عام 1928 وبذلك منعت اللغة الكوردية من التداول والكتابة والتأليف والتدريس بينما كانت تسمح بالحديث والاستماع إلى الأغاني الغربية وبكل اللغات مع تدريسها في مدارسها الرسمية.
ادى هذا النهج القومي السلبي الى زوال بمرور الزمن مع زيادة الوعي والانفتاح على العالم والتطورات التقنية وتقبل الأتراك بوجود شعوب أصلية في بلادهم قبل مجيء الهجرات التركية من أواسط آسيا. الجدير بالذكر ان معظم الآثار التاريخية في تركيا تشير لعدمً وجود اي اثر تاريخي لهم أي للأتراك قبل اقل من ألف عام وهذا طبيعي لأنهم كانوا ينتمون الى عشائر من الرحل ولم يعرفوا الاستقرار وبناء المدن ولذا ان معظم المدن الحالية ترجع في تأسيسها لشعوب غير تركية وحتى العاصمة أنقرة ، إسطنبول ، أنطاكية ، وان و ماردين ومدن إغريقية وحثيه وبيزنطية . لكن من المؤسف ان يكون هناك أناس يعتبرون أنفسهم من المؤرخين يزورون التاريخ والواقع لصالح أطروحات قومية سلبية وهؤلاء منتشرون بين جميع القوميات دون أي استثناء. لا ريب ان الدرجة العلمية ليست كافية لردع الشر عن البشر فكمً من عالم مجرم في فعله و شرير. هذا ما عدا التزوير في شهادات دول الشرق قاطبة وإمكانية شراء تلك الشهادات العالية . يذكرني هذا كذلك بجامعة سوربون الفرنسية الراقية والتي كانت تمنح الشهادات للطلاب القادمين من الشرق ولكن كانت تختم تلك الشهادات بعبارة ” الشهادة سارية المفعول فقط في دول الشرق فقط (. Certificat valable dans les pays du Moyen-Orient) مع احتراماتي لمن حصل علىً تلكً الشهادات. اليوم تنتشر جامعات خاصة هنا وهناك وتزود الجميع بشهادات يؤهلهم كتابة اللقب الأكاديمي أمام أسمائهم وفي واقع الأمر لم يقدم هؤلاء دراسة علمية او نشروا مادة علمية واحدة.
أتذكر بهذا الصدد قارئي الكريم حين وصلت النمسا قبل 45 عاما خلت كي استمر في دراستي العالية ورغم أني كنت قد حصلت على الشهادة الأولية الجامعية العالية طلب مني الموظف في سكرتارية الجامعة وكان اسمه “هر بلايكنر” شهادة الإعدادية العراقية كي يقبل طلبي للتسجيل في الجامعة ولأبدأ بدراسة اللغة الألمانية. واقع الأمر ان الحركات القومية في المنطقة ومن ضمنها التركية، العربية والكوردية بدأت جميعا عشية الحرب العالمية الاولى ومن تبعاتها المباشرة وبتبني مباشر خارجي من القوى الاستعمارية من البريطانيين والفرنسيين. وجميع حملة تلك الأفكار استمدوا افكارهم من تلك الدول الغربية وحتى درسوا في جامعاتها. حتى ان الدول التي أسست في المنطقة رسم حدودها المستعمر وندافع عنها جميعا لحد يومنا هذا. *
“دولة سوريا التي رفضت إعطاء حتى الجنسية للأكراد مع العلم ان التاريخ يحدثنا ان الأكراد كان لهم دورا مهما في الشام وآثارهم من قلاع وحصون ومدن منتشرة على كامل التراب السوري ولا ريب ان قبر صلاح الدينً الأيوبي لا يزال في دمشق شاهدا حيا على ذلك التاريخ وحتى اول انقلاب عسكري في تاريخها قادها جنرال كوردي واعني حسني الزعيم. نامل ان تكون الدولة السورية الجديدة في سن دستورها واعية لهذه الحقيقة التاريخي”
انظر كمثال إلى دولة سوريا التي رفضت إعطاء حتى الجنسية للأكراد مع العلم ان التاريخ يحدثنا ان الأكراد كان لهم دورا مهما في الشام وآثارهم من قلاع وحصون ومدن منتشرة على كامل التراب السوري ولا ريب ان قبر صلاح الدينً الأيوبي لا يزال في دمشق شاهدا حيا على ذلك التاريخ وحتى اول انقلاب عسكري في تاريخها قادها جنرال كوردي واعني حسني الزعيم. نامل ان تكون الدولة السورية الجديدة في سن دستورها واعية لهذه الحقيقة التاريخي.
التاريخ يخبرنا بالكثير قارئي الكريم مما يساعدنا على فهم حوادث الحاضر وتجنب الهفوات في المستقبل ولا ريب ان دراسة الحوادث التاريخية يحتاج إلى غربلة وتفحص للأنباء التي وردت لنا وما هو المخفي والسري الذي قد يبان للعلن بعد قرون. الكثير مما نعرفة عن التاريخ يحتاج إلى اعادة وقراءة معاصرة ديناميكية اي تعاد غربلة الأفكار بعد مرور فترة زمنية لتجنب الافكار المطلقة والنمطية. التخطيط للمستقبل يحتاج دائما العودة إلى الماضي وعلى ضوئه تتم رسم السياسات المستقبلية.
لكن يمكننا دوما روية المستقبل بإجراء بحوث مستقبلية تحت سيادة الفكر المستقبلي (Proactive) اي الفكر ألاستباقي كما في أخذ اللقاحات ضد الأوبئة والأمراض كعملية وقائيةً وعدم الانتظار حصول المرض.
هناك أمور تحتاج إلى رؤية عن بعد وما يسمى بالرؤية من الهليكوبتر كي نرى جميع التفاصيل الدقيقة. خذ مثلا وأنت في احدى المتاحف وتمعن النظر في لوحة كبيرة فكلما اقتربت تتلاشى التفاصيل وبدلًا ان تكون على بعد سنتمترات فقط من اللوحة ستجد بقعة لونية فقط اما إذا ابتعدت وشاهدتها عن بعد ستجد جميع التفاصيل واضحة امامك. لذا جاءت الصور التي تلتقط الكرة الأرضية من السماء عن طريق الأقمار الصناعية و رحلات استكشاف الفضاء بتفاصيل جديدة تكتشف يوميا.
المستقبل ليس بذلك الغموض ولا توجد تفاصيلها لدن المنجمين وقراء الطالع والمبصرين وإنما توجد مكتوبة ومدروسة بصورة علمية في مراكز البحوث الاستباقية ولكن هيهات للشرق الاطلاع علىً تلك التوقعات.
التاريخ يخبرنا بالكثير قارئي الكريم مما يساعدنا على فهم حوادث الحاضر وتجنب الهفوات في المستقبل ولا ريب ان دراسة الحوادث التاريخية يحتاج إلى غربلة وتفحص للأنباء التي وردت لنا وما هو المخفي والسري الذي قد يبان للعلن بعد قرون. الكثير مما نعرفة عن التاريخ يحتاج إلى اعادة وقراءة معاصرة ديناميكية اي تعاد غربلة الأفكار بعد مرور فترة زمنية لتجنب الافكار المطلقة والنمطية. التخطيط للمستقبل يحتاج دائما العودة إلى الماضي وعلى ضوئه تتم رسم السياسات المستقبلية.
الأندلس ٢٠٢٥
إشارات: * راجع بهذا الصدد رسائل الحسين بن علي و مكماهون عشية اشتعال رحى الحرب العالمية الاولى في الفترة ما بين 14 تموز/يوليو 1915 إلى 10 آذار/مارس 1916، و كذلك اتفاقيات ما بعد الحرب اتفاقية سايكس – پيكو في أيار/مايو 1916، سيفر ١٩٢٠ وقعتها دول المركز في العاشر من آب -أغسطس بعد إنهاء الحرب في بلدية سيفر والتي تقع في الضاحية الجنوبية الغربية من العاصمة الفرنسية پاريس.