التأخي_ جاسم العقيلي
لتعريــف مفهــوم حقــوق الإنسان بشــكل أوضــح، نحتــاج إلــى معرفــة خصائصــه، لنميزه عــن التعريفــات الاخـرى التابعـة لمفهـوم حقـوق المواطنـة أو حقـوق اتبـاع ديـن أو قوميـة وغـره، ويمكـن جمـل الخصائـص
الـتـي مـيـزت نشــوء المفهــوم فــي الأمم المتحــدة بالآتي :
الطبيعية :
فهـي حقـوق طبيعيـة تنشـأ مـع والدة الإنسان وتسـتمر معـه حتـى مماتـه، وهـي ليسـت مكتسـبة مـن أي سـلطة سياسـية كانـت أم اجتماعيـة، ويعـد تقنينهـا شـكًال ً مـن أشـكال التنظيـم التي إنشـاء لهـاً فمــن الثابــت تاريخيــا ً وفلســفيا أن فكــرة حقــوق الإنسان ترتــد بأصولهــا إلــى القانــون الطبيعــي. ففكــرة
حقــوق الإنسان – ســندا للقانــون الطبيعــي – تعــي أن الحقــوق المقــررة لحمايــة الحريــة والكرامــة هــي إنسـانية بطبيعتهـا، فهـي حقـوق ملازمة أو لصيقـة بشـخص الإنسان، وإنكارهـا التي يمنـع وجودهـا؛ ألانهـا تـدور وجـودا ً وعدمـا مـع الكائـن الإنساني، وبالتالـي فإنهـا خـارج دائـرة القانـون الوضعـي، وهـي تدخـل فيمـا يمكـن وصفـه بالخيال القانونـي، حيـث تعـد القوانـين كاشـفة عنهـا المنشـئة لهـا
الشمولية والتكاملية :
شــمول حقــوق الإنسان كافــة مناحــي الحيــاة المدنيــة والسياســية والاقتصادية والاجتماعية والثقافيــة، فيمكـن إخـراج الإنسان مـن دائـرة الحقـوق السياسـية مثال أو الثقافيـة أو غريهـا، أي يتطلـب الأمر بضرورة النظـر إلـى الحقـوق بشـكل كلـي تكاملـي، فيمكـن ممارسـة حـق أو حقـوق معينـة بمعـزل عـن أخرياتهـا
مـن الحقـوق، أو إعطـاء أفضليـة ألي مـن الحقـوق علـى حسـاب حقـوق أخـرى
فـإن انتهـاك أي حـق سـيؤثر حتمـا ً علـى حـق آخـر، فمثـلاً لـو تـم انتهـاك حـق العمـل، فـإن ذلـك حتمـا سـيؤثر علـى الحـق فـي المسـتوى المعيشـي الكافـي والملائم؛ ألن الفـرد عندمـا يفقـد عملـه يفقـد مصـدر الدخـل الـذي يسـمح لـه بقضـاء حاجاتـه الأساسية. كمـا سـيؤثر ذلـك علـى بقيـة الحقـوق أيضـا، كحقـه فـي الانتخاب وإدارة الشـؤون العامـة للدولـة، ألنـه سـيكون إنسـانا ال يملـك المؤهلات الماديـة لممارسـة بقيـة حقوقـه الخ ….. .
وهنـا يـدور تسـاؤل حـول فكـرة الأولوية يـن حقـوق الإنسان فـي بعـض المجتمعـات، قـد تتعـارض فكـرة التكامــل والترابط )أو قــل المســاواة( فــي حقــوق الإنسان مــع فكــرة الأولوية بينهــا. ســيوضح المثــال
الآتي هــذا الالتباس، فمثال لــو ذهبنــا إلــى دولــة تنتشــر فيهــا الأمية بنســبة عاليــة، كمــا هـو الحـال فـي الكثـر مـن دول العالـم النامـي، أو ذهبنـا إلـى بلـد فيـه نـزاع عسـكري، أو حـرب أهليـة، وانعـدام الأمن وانتشـار المجاعـة أو غريهـا، فهـل سـيكون حـق حريـة الـرأي والتعبير أو التنظيـم النقابـي مسـاويا فـي الأهمية للحـق فـي الأمن والتعليـم لتلـك الـدول؟! بالطبـع لــن تكــون الإجابة ســهلة. فــي الظاهــر، ســيأخذ حــق التعليــم الأولية فــي الدولــة الأولى، والأمن فـي الدولـة الثانيـة. ولكـن فـي الحقيقـة إن الموضـوع هنـا ال يقتـر علـى أهميـة
هذيـن الحقـل (التعليـم والأمن) بحـد ذاتهمـا، وإنمـا بسـبب كـرة الانتهاكات لهمـا فـي تلـك الـدول، فلـو ذهبنـا الـى دولـة أخـرى متقدمـة اقتصاديـا ً ومسـتقرة أمنيـا، فلـن يحتـل هـذان الحقــلان ذات الأهمية، بــل قــد يكــون هنالــك حقــوق أخــرى، كاحترام حقــوق الأقليات أو اللاجئين مثلا، أكثـر أهميـة منهمـا مــا نــود قولــه هنــا، تنــدرج كل الحقــوق علــى نفــس الدرجــة مــن الأهمية وعلــى مســافة
واحـدة، لأن استراتيجيات تطبيـق الحقـوق فـي الـدول ينبغـي أن تنطلـق مـن درجـة الانتهاك الــذي وقــع لهــا وحجــم التحديــات أمــام تحقيقهــا، مــن أجــل العمــل علــى إنهائهــا، وهــذا لايعطـي أي حـق بعينـه قيمـة أو أهميـة أكـر مـن غيره .
العالمية :
ينتفـع كل فـرد علـى وجـه الأرض بحقـوق الإنسان، بغـض النظـر عـن دينـه أو جنسـه أو لغتـه أو قوميتـه أو لونــه أو رأيــه السياسي أو غــر السياسي… إلــخ، كمــا وتعمــل حركــة حقــوق الإنسان علــى نطــاق العالــم، متجــاوزة بذلــك الحــدود الوطنيــة والإقليمية وقــد أكــدت وثيقــة إعلان وبرنامــج عمــل المؤتمر العالمــي لحقــوق الإنسان لعــام 1993 فــي فيينــا فــي مادتهــا الأولى علــى عالميــة حقــوق الإنسان، إذ نصّــت: ” يؤكــد المؤتمر العالمــي لحقــوق الإنسان مــن جديـد الـزام جميـع الـدول رسـميا بالوفـاء بالتزاماتها المتعلقـة بتعزيـز احتـرام جميـع حقـوق الإنسان والحريـات الأساسية للجميــع ومراعاتهــا وحمايتهــا علــى الصعيــد العالمــي وفقــا لميثــاق الأمم المتحــدة والصكــوك الأخرى المتعلقـة بحقـوق الإنسان والقانـون الدولـي. والتي تقبـل الطبيعـة العالميـة لهـذه الحقـوق والحريـات أي نقــاش. يؤكــد اعلان علــى عــدم امكانيــة النقــاش فــي موضــوع عالميــة حقــوق الإنسان، وينطلــق هـذا مـن فكـرة أن المسـاس بعالميتهـا سـيعيدنا إلـى المرحلة التاريخيـة الـي تُعـرّف الحـق بشـكل تجزيئي، وهـو النظـرة المحليـة للتعريـف والأولية ” .