المدن الساحلية الكبرى حول العالم قد تختفي بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار بحلول 2100

 

متابعة ـ التآخي

قد تظهر فكرة غرق مدن بأكملها تحت الأمواج وكأنها خيال علمي، ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة بشأن ارتفاع مستويات سطح البحر إلى أن هذا السيناريو قد يصبح حقيقة واقعة في السنوات الخمس والسبعين المقبلة.

تتنبأ دراسة أجرتها جامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة بأن مستويات سطح البحر العالمية قد ترتفع بمقدار يصل  الى 1.9  متر بحلول عام 2100 إذا استمرت انبعاثات الكربون في الارتفاع؛ ونشرت الدراسة البحثية في مجلة Earth’s Future .

ومن شأن هذه الزيادة الهائلة أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على المدن الساحلية في جميع أنحاء العالم، إذ ستؤدي إلى نزوح الملايين من السكان ومناطق شاسعة غير صالحة للسكن.

وقال الدكتور بنيامين جراندى، المؤلف الرئيس للدراسة “إن الإسقاط عالي الارتفاع البالغ 1.9 متر يؤكد على الحاجة إلى قيام صناع القرار بالتخطيط للبنية التحتية الحيوية وفقًا لذلك”.

وحذر من أن “الأمر الأكثر أهمية هو أن هذه النتائج تؤكد على أهمية التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري”.

وإذا تحققت هذه التوقعات، فقد تغمر المياه عدداً لا يحصى من المدن الساحلية والمدن الكبرى. وسوف يشعر الجميع بالتأثير في شتى القارات، من المملكة المتحدة وأوروبا إلى الولايات المتحدة وخارجها.

وتعتمد توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر على نماذج مناخية معقدة تأخذ في الاعتبار العمليات المختلفة. وتركز بعض التوقعات على اتجاهات موثقة جيداً، مثل ذوبان الأنهار الجليدية.

وتتضمن بعض الظواهر الأخرى أحداثاً أقل قابلية للتنبؤ، مثل الانهيار المفاجئ للجروف الجليدية. ويؤدي الجمع بين هذه العناصر المتعددة إلى مجموعة واسعة من النتائج المحتملة.

وقد تناولت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هذا الغموض في تقريرها التقويمي السادس لعام 2023. وفي ظل سيناريوهات الانبعاثات العالية، قدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ارتفاع مستويات سطح البحر العالمية بنحو 1.9 متر.

ومع ذلك، يزعم الباحثون في جامعة نوتنغهام ترنت أن النماذج الحالية غالباً ما تفشل في تقديم صورة واضحة. وقد طوروا نهجاً “اندماجياً” يجمع بين الأساليب الإحصائية وآراء الخبراء لتحسين توقعات مستوى سطح البحر.

وأوضح الدكتور جراندى أن “نهجنا الجديد يعالج قضية رئيسة في علم مستوى سطح البحر، إذ إن الطرق المختلفة للتنبؤ بارتفاع مستوى سطح البحر غالباً ما تنتج نتائج متباينة على نطاق واسع”؛ وعن طريق دمج عدة مناهج، يأمل الباحثون في تقديم تقدير أكثر دقة لما يحمله المستقبل.

إذا ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار (1.9 متر)، فإن مناطق واسعة من المملكة المتحدة سوف تكون معرضة للخطر.

وسوف تكون لندن معرضة للخطر بشكل خاص، حيث تواجه العديد من الأحياء الواقعة على طول نهر التيمز فيضانات شديدة. ومن المرجح أن تشهد مناطق مثل بيرموندسي وجرينتش وباترسي وتشيلسي فيضانات كارثية.

ومن المتوقع أن يمتد التأثير إلى ما هو أبعد من العاصمة. ومن المتوقع أن يعاني الساحل الشرقي لإنجلترا أكثر من غيره، حيث تواجه مدن مثل هال وسكيجنيس وجريمسبي غرقًا كاملاً، وحتى المناطق الداخلية، بما في ذلك بيتربورو ولينكولن، قد تشهد فيضانات شديدة.

وتوفر أداة فحص المخاطر الساحلية التابعة لمركز المناخ نظرة تفصيلية حول المناطق التي ستتأثر. وبوساطة ضبط مستوى المياه إلى (1.9 متر)، يمكن للمستخدمين معرفة المناطق التي من المتوقع أن تختفي تحت مياه البحار المرتفعة. ترسم النتائج صورة قاتمة، مع تمييز مناطق ساحلية بأكملها باللون الأحمر.

كما سيشعر الساحل الغربي لإنجلترا وويلز بالتأثيرات. وستتأثر المجتمعات المنخفضة مثل ويستون سوبر ماري ونيوبورت وكارديف بشدة. وفي الوقت نفسه، قد تواجه أجزاء من ساوثبورت وبلاكبول الدمار أيضًا.

ولكن يظهر أن اسكتلندا وأيرلندا الشمالية أقل تأثراً بسبب ارتفاعهما عن سطح البحر، وبرغم احتمال حدوث بعض الفيضانات المحلية، فمن المرجح أن تنجو هذه المناطق من أسوأ آثار الأزمة.

يمتد خطر ارتفاع مستوى سطح البحر إلى ما هو أبعد من المملكة المتحدة. ففي شتى أنحاء أوروبا، قد تختفي المناطق الساحلية المكتظة بالسكان.

وتتوقع منظمة كلايمت سنترال أن تغمر المياه كامل الشريط الساحلي من كاليه في فرنسا إلى جنوب الدنمارك، والوضع في إيطاليا مأساوي بالقدر نفسه، اذ من المحتمل أن تختفي مدينة البندقية ــ التي تعاني بالفعل من فيضانات متكررة ــ تحت الماء.

ولكن الولايات المتحدة ليست بمنأى عن المخاطر أيضاً، ذلك أن المدن الساحلية في الولايات الجنوبية، بما في ذلك نيو أورليانز وجالفستون وأجزاء من منطقة إيفرجليدز في فلوريدا، من بين المدن الأكثر عرضة للخطر.

وبما أن معظم مدينة نيو أورليانز تقع بالفعل تحت مستوى سطح البحر ، فإن زيادة قدرها 1.9 متر سوف تجعل حمايتها مستحيلة تقريبا.

وسوف تتعرض مناطق أخرى كثيرة في مختلف أنحاء العالم للخطر أيضاً. فقد تصبح الدول الجزرية في المحيط الهادئ، مثل جزر المالديف وتوفالو، غير صالحة للسكن على الإطلاق، و ستواجه المدن الساحلية الكبرى مثل جاكرتا وبانكوك ومومباي فيضانات لا هوادة فيها من شأنها أن تهدد منازل وأرزاق ملايين الأشخاص.

وتسلط النتائج التي توصلت إليها جامعة نوتنجهام ترنت الضوء على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات مناخية. ويظل الارتفاع المستمر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هو المحرك الرئيس للاحتباس الحراري وذوبان الجليد. وفي غياب تخفيضات كبيرة، قد تشهد الأجيال المقبلة غرق المدن الكبرى.

“يمثل هذا البحث الذي أجرته جامعة نوتنغهام ترنت إنجازًا كبيرًا في علم مستوى سطح البحر. ومن خلال تقدير احتمالات النتائج الأكثر تطرفًا، فإنه يسلط الضوء على التأثيرات الشديدة لارتفاع مستوى سطح البحر على المجتمعات الساحلية والبنية الأساسية والنظم البيئية، مما يؤكد على الحاجة الملحة لمعالجة أزمة المناخ”، كما أشار البروفيسور بنيامين هورتون، مدير مرصد الأرض في سنغافورة بجامعة نوتنغهام ترنت.

إن الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أمر ضروري، ولكن لا بد من النظر في استراتيجيات التكيف أيضاً. ويتعين على الحكومات أن تستثمر في الدفاعات ضد الفيضانات، والتخطيط الحضري المستدام، والاستعداد للكوارث.

ومن دون هذه الجهود، قد يواجه العالم قريبا حقبة من النزوح الناجم عن تغير المناخ على نطاق غير مسبوق.

إن مستقبل المدن الساحلية يعتمد على التحرك الفوري. ومع مرور كل عام من الانبعاثات غير الخاضعة للرقابة، يصبح احتمال غرق العالم أكثر تأكيداً.

قد يعجبك ايضا