د . صباح ايليا القس
هل هناك رابط بين الادب والمال ؟ هذا الموضوع يعد غريبا ان يرتبط الانتاج الادبي بالمردود المادي .. وربما في جانب آخر من السؤال ان نقول لمن يكتب الاديب ؟ منهم من يقول ان الاديب لا يكتب من اجل الربح المادي بل يكتب لكي يعبر عن دواخله من افكار وعواطف .. ومنهم من يقول ان الاديب يكتب لكي يبيع كتابه فينتفع منه بما يدر عليه الكتاب من موارد .. ومعنى هذا ان الاديب جعل أدبه سلعة فهو لا يكتب لذاته بل يكتب بحسب متطلبات السوق .
وعند العودة الى تاريخنا الادبي العربي نجد ان الكتّاب القدماء كانوا يكتبون تحت مظلة صاحب جاه من القادة والامراء والخلفاء . فالمأمون مثلا في دار الحكمة كان يكافئ كل كاتب ترجم كتابا بما يوازي وزن الكتاب من الذهب ولهذا السبب تهافت الناس على الترجمة من اغلب اللغات المعروفة كاليونانية والفارسية والرومية والسريانية والهندية .
اما الادب الخاص فهو بعيد عن فلسفة التجارة والموارد المادية اذ يكون الاديب حينها صادقا مع نفسه مبتعدا عن الانتفاع الزائل لا سيما في الموضوعات الخاصة جدا التي ينزع فيها الاديب الى روحه وعواطفه التي حتما لا يرتجي من ورائها مردودا ماديا .
يخبرنا التاريخ ان كثيرا من الادباء كانوا يعيشون حالة القناعة التامة بغض النظر عن العروض المادية التي تأتي من اكابر القوم .
تنقل كتب التراث ان الجاحظ كان فقيرا ولا يستطيع شراء ما يطلبه من الكتب فكان يستأذن اصحاب المكتبات ليبيت في المكتبة لكي يقرأ الكتب التي لا يستطيع شراءها ولم يكن له عمل يعود عليه بمردود مادي وعندما عاد يوما الى البيت ليتناول طعامه جمعت أُمُّه بعض الكتب ووضعتها في طبق وقدمته اليه وقالت : كُلْ من هذا الطعام .
وفي ايامنا هذه ومع عزوف الناس عن القراءة نقول : هل يستطيع ان يعيش الاديب من نتاج أدبه ؟ صحيح ان هناك مهرجانات واسواق للكتب ولكن اين القراء .. قال لي صديق يوما .. شارع المتنبي يعج بالناس في يوم الجمعة . فقلت له : وهل تعتقد ان الحاضرين من الباحثين عن الكتب ؟ فاجاب باستغراب : هذا هو المنطق , انهم جاؤوا للبحث عن الجديد من الاصدارات . فقلت له : ارجو ان تدقق فيما تحمله ايدي المغادرين لكي تتأكد من ان الحاضرين على الاغلب يحضرون للتسلية وقضاء صباح الجمعة بعيدا عن رتابة البيت .
ان النشاط الالكتروني وانتشار الوسائل الذكية قلل كثيرا من الاعتماد على الكتاب الورقي بل ان عددا من الكتاب حائرون في كيفية التصرف في مكتباتهم التي تعبوا كثيرا في جمعها وصرفوا اموالا كبيرة للحفاظ عليها وتنسيقها والاعتناء بها .. اذ لم تعد للمكتبات البيتية مكانة كالتي كانت سابقا حتى ان بعض النساء يرغبن بالخلاص من الكتب والمكتبة لتوفير المكان لامور اخرى .
ينتشر الان الادب السريع فلم نعد نسمع بالقصائد التي كانت تزيد ابياتها على اكثر من مئة بيت ولم نعد نفكر في روايات متعددة الاجزاء مثل روايات تولستوي ودستوفسكي وغيرهم تلك التي كنا نقضي معها اياما بلياليها لكي نتم قراءتها .
نقول ان الاديب من شاعر وروائي بدأ بريقهم يخبو وان اغلبهم لهم وظائف او اعمال اخرى يعيشون من مردودها المادي ويبقى نشاطهم الادبي مرتبطا بالهواية واثبات الذات والسعي لتطوير النفس والذائقة الادبية وحب الاطلاع ومتابعة الآخرين بشراء الكتب احيانا او بمتابعة الانترنت اذا عزّ الكتاب . ان الادباء والفنانين اثرياء بعقولهم وابداعهم والحفاظ على مستوياتهم الخلاقة اهم عندهم من اي مردود مادي .