نبيل خالد مخلف – باحث سياسي
في مشهد يعكس التوتر بين السلطتين التشريعية والقضائية في العراق، صوّت البرلمان العراقي لصالح إقرار قانون العفو العام في 21 يناير 2025، وهو قانون يهدف إلى منح فرصة جديدة لبعض المحكومين وفقًا لشروط محددة، غير أن المحكمة الاتحادية رفضت تطبيق القانون في 4 فبراير من نفس العام، مما أثار جدلاً واسعاً حول حدود السلطات في الدولة العراقية ومن يمتلك القرار النهائي في رسم السياسات العامة وتنفيذها.
هذا الصدام بين البرلمان، باعتباره الممثل الشرعي للشعب، والمحكمة الاتحادية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن ضمان الالتزام بالدستور، يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة النظام السياسي العراقي، فمن الناحية النظرية، يعتمد العراق نظاماً ديمقراطياً برلمانياً، حيث تكون السلطة بيد ممثلي الشعب في مجلس النواب، لكن عملياً، فإن قرارات البرلمان لا تعني بالضرورة تنفيذها، خصوصاً إذا ما اصطدمت بتفسيرات المحكمة الاتحادية التي تملك صلاحيات واسعة في نقض القوانين أو إيقاف تنفيذها.
إن هذا النزاع يعكس خللاً في التوازن بين السلطات في العراق، حيث يتكرر مشهد تداخل الصلاحيات وغياب الحسم في القضايا المصيرية، فإذا كان البرلمان يمثل إرادة الشعب، والمحكمة تمثل روح الدستور، فمن الذي يحكم الدولة العراقية فعلياً؟ هل هي الأغلبية السياسية التي تشرّع القوانين، أم القضاء الذي يفسرها وفق رؤيته، أم أن هناك قوى أخرى تتحكم في مصير القرارات الكبرى بعيداً عن المؤسسات الرسمية؟
بالتالي، يبقى هذا السؤال مفتوحاً، لكنه يعكس أحد أهم التحديات التي تواجه العراق في بناء دولة مؤسسات حقيقية، حيث لا تتحول القوانين إلى أداة صراع سياسي، بل تكون أداة لتحقيق العدالة والاستقرار.