الفنان والأكاديمي نور الدين فارس .. الرحيل بعيداً عن الوطن

 

صباح المندلاوي

في السابع عشر من كانون الاول عام 2015 وبقلوب ملؤها الحزن والاسى والالم واللوعة، ودعت الاوساط الفنية والثقافية الكاتب المسرحي المعروف والباحث الاكاديمي المتميز الاستاذ نور الدين فارس من مواليد 1936 وفي مدينة شهربان التابعة لمحافظة ديالى، والذي برز في الستينات من القرن الماضي، ككاتب درامي له ما يميزه من اسلوب شاعري وثوري وهو يطرق الكثير من القضايا والموضوعات الحساسة التي تهم انساننا المعاصر وبما يحرضه ويشحذ هممه ليكون من ادوات التنوير والتغيير والتثوير في بناء مجتمع جديد لا مكان فيه للاستغلال والاستبداد والقتل والتهجير والتشريد والاذى والخراب.

دخل كلية التربية في جامعة بغداد قسم اللغة العربية في اواخر الخمسينات من القرن الماضي وخلال دراسته فيها وتحديداً في السابع من تشرين الثاني عام 1959 ينتهي من كتابة مسرحيته المعنونة (لتنهضوا ايها العبيد) والتي صدرت مطبوعة عام 1960 عن مطبعة الوفاء ببغداد وقد ساعدت نقابة المعلمين على طبعها.

والمسرحية كما تدل من عنوانها، تخاطب العبيد وتدعوهم الى التمرد والثورة والتحدي.

 

 

في العام التالي تصدر له مسرحية بعنوان (اشجار الطاعون) عن دار الارشاد ببغداد، والتي يختارها الفنان الرائد الراحل جعفر السعدي ليخرجها ولتنال نصيبها من الاعجاب والتقدير وتترك اصداء مهمة عام 1966 صدرت له مجموعة مسرحيات ذات فصل الواحد ويحمل الكتاب عنوان- طريق أخر- وقد سبق وان اخرجت احدى المسرحيات المنشورة في هذا الكتاب وبعنوان- فانوس الكلب- في مدينة (حصيبة)- القائم- الحدود في محافظة الانبار بعد نقلي اليها اثر مشاركتي في مهرجان مسرحي اقيم بمناسبة يوم المسرح العالمي عام 1975 وبمسرحية من تأليفي واخراجي وكانت بعنوان (تعال معي الى شيلي)

علم 1967 تقرأ له مسرحية (الكراكي) وبثلاثة فصول وقد صدرت عن المكتبة العصرية في بيروت.

 

 

 

وتتوالى مسرحياته المفعمة بالروح الثورية ومحاكمة الواقع المؤلم والمرير واثارة التساؤلات المطلوبة وفي إطار جمالي وممتع.

ها هو يكتب مسرحية (البيت الجديد) ويخرجها الفنان المبدع عبد الوهاب الدايني لصالح فرقة اتحاد الفنانين عام 1969 وهي بحق من المسرحيات الواقعية الرمزية الجميلة التي حصدت نجاحا كبيراً وتألقت في إطار الموسم المسرحي انذاك وتدور احداث هذه المسرحية في بيت قديم يستأجر غرفها عدد من النزلاء ولكل من هؤلاء له ما يميزه في السلوك والتصرف وطريقة التفكير.

وعندها اتيحت لي الفرصة عن قرب للتعرف الى الكاتب المسرحي نور الدين فارس والمشاركة في اعماله المسرحية ومنها مسرحية (الغريب) التي اخرجها الفنان الراحل الرائد جعفر علي وقد قدمت في بغداد في الخامس من كانون الثاني عام 1970. وقد جسد شخصياتها نخبة من الفنانين المعروفين.

وكانت التجربة التالية للفرقة مسرحية (العطش والقضية) للكاتب نور الدين فارس ايضاً واخراج الفنان المبدع عبد الوهاب الدايني وتمثيل نخبة لامعة من اعضاء وعضوات الفرقة. ينجز الكاتب مسرحية (الدوامة) وعلى ما اظن يخرجها الفنان المبدع الرائد سعدون العبيدي لصالح الفرقة القومية للتمثيل.

عام 1974 اقدمت فرقة مسرح اليوم على تجربة جديدة وذلك باستضافة بعض النجوم من فرقة المسرح الفني الحديث واخص بالذكر الفنان المبدع الكبير الراحل خليل شوقي والفنانة الرائدة الراحلة زينب والفنان القدير لطيف صالح للمشاركة في مسرحية (الينبوع) التي كتبها نور الدين فارس مستلمها الاسطورة في التعبير عن حدث مهم وكبير الا وهو تأميم النفط وقد اخرج المسرحية الفنان الراحل وجدي العاني وشارك في هذا العمل الفنان المبدع جعفر حسن في اداء الاغاني واختيار الموسيقى.

وكانت لي مساهمة بسيطة وكممثل وبدورين ثانوين في هذه المسرحية.

 

 

 

خلال ساعات واللقاء التي كانت تجمعنا مع الكاتب نور الدين فارس في مبنى فرقة مسرح اليوم واثناء التمرينات على مسرحياته الشعبية، وجدنا فيه انساناً طيباً، عاطفياً، ثورياً، مثقفاً، متفتحاً، متمكناً من اللغة العربية، لا يفارقه الكتاب، وفي احايين نراه يقرأ من روائع المسرح العالمي. ولعل الوشائج التي تربط بين مندلي وشهربان وشهرة كلاهما بالرمان والافكار واليسارية التي نهتدي بنورها.. لعبت دوراً في ان نكون قريبين من البعض.. وان تتوطد الصداقات فيما بيننا بمرور الايام والاعوام.. حتى إذا ما اقتربنا من اواخر السبعينيات من القرن الماضي وكانت الجبهة الوطنية قد وصلت الى طريق مسدود وحملات المضايقات والملاحقات والاعتقالات قد بلغت أشدها على المثقفين والمبدعين والمناضلين، اضطرت لمغادرة العراق الى بلغاريا…

وكانت سعادتي غامرة، ان ارى الفنان نور الدين فارس في صوفيا.. فنلتقي بين الحين والاخر.. ولاحقاً بحضور الفنان الكبير الراحل منذر حلمي.  نتذكر من بقي في بغداد من الفنانين الذين عرفوا بمواقفهم المشرفة ورفضهم لمساومات النظام آنذاك ومن يفكر بالسفر لاحقاً.

كان (ابو يقظان) سريع التأثر والانفعال.. تكاد دموعه تطفر من عينيه، وفي احايين يأخذه البكاء والنحيب على ما يجري في عراقنا الحبيب من فواجع وفظائع.. واحكام قراقوشية.

أنهى دراسته للدكتوراه في بلغاريا.. ومنها سافر الى الجزائر- جامعة وهران- ليعمل مدرساً في أحد معاهدها المسرحية، ويعود له الفضل في تخريج العديد من دورات الطلبة فيها واشاعة حب المسرح باعتباره سلاحاً ماضياً لكشف عن الحقائق وتوجيه الرأي العام وتنوير المجتمعات وتثويرها صوب الانعتاق والحرية والكرامة والتمرد والتحدي. لاحقاً يغادر الى هولندا ويقيم فيها.

قبل رحيله بعام واحد زارني الفنان فارس الماشطة الى نقابة الفنانين العراقيين، وقد علمت منه ان الفنان نور الدين فارس يعاني من وضع صحي صعب وقد طلب مني الاتصال به هاتفياً، عسى ان يخفف ذلك من معاناته ومن وطأة المرض.. حاولت أكثر من مرة ان اتصل به.. ولكن دون جدوى.. وهكذا غادرنا.. دون ان نحظى بسماع صوته، هذا الكاتب المبدع الفذ الذي سخر قلمه للدفاع عن المظلومين والمضطهدين والمسحوقين والفقراء والثوار والاحرار. وهل تنسى ذاكرة المسرح وفي النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، يوم مثل شخصية لينين في مسرحية- اجراس الكرملين- ولصالح فرقة المركز الثقافي الروسي في بغداد ولابد من الاشارة ايضاً بأن الفنان الراحل نور الدين فارس شقيق الفنان التشكيلي والاستاذ الاكاديمي الراحل شمس الدين فارس الذي استشهد على ايدي جلاوزة النظام الدكتاتورية الدموي في بغداد في ثمانينات القرن الماضي اثر وشاية من احد زملائه الاساتذة في اكاديمية الفنون الجميلة وقد كان وقع هذا النبأ صاعقاً له وهو في مغتربه.

قد يعجبك ايضا