التأخي _ ساجد الحلفي
أصبحت الصحافة المصرية على موعد مع فصل جديد من التضييق على سياستها التحريرية في ما يتعلق بتغطية بعض الحوادث والقضايا، بعد أن حرم مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الصحف والقنوات من بث أو تصوير وقائع جلسات المحاكمات، أو نشرها دون الحصول على تصريح مسبق من الجهات القضائية .
ووافق مجلس النواب على ضوابط علنية المحاكمات وسريتها في إحدى مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وأبقى شرط الموافقة الكتابية من رئيس الدائرة القضائية التي تنظر المحاكمة، بعد أخذ رأي النيابة على نقل وقائع الجلسات أو بثها، وسط اعتراضات من نواب المعارضة داخل البرلمان .
ويعني البند الذي مرّره مجلس النواب بموافقة الأغلبية أن المحاكمات بعيدة عن أعين الناس، مهما كانت أهميتها وشغف الشارع بمتابعتها، إلا إذا كانت هناك نية للإفراج عن كواليسها من جانب القضاء، ولن يكون للإعلام الحد الأدنى من حرية النشر في أيّ قضية من دون إذن مسبق من المحكمة .
ويبدو أن هناك دوائر حكومية أدركت ضرورة تحجيم قرارات حظر النشر في قضايا بعينها منظورة أمام القضاء لأسباب أمنية وسياسية لأن الحكومة تتهم أحيانا بأنها تغطي على شخصيات بعينها، وبدلا من حظر النشر يُمكن أن يقرر القاضي عدم منح الترخيص للصحف والقنوات بعدم نقل جلسات المحاكمة .
وبعد التصديق النهائي على قانون المحاكمات الجديد (الإجراءات الجنائية) من حق القاضي أن يسمح للإعلام بحضور الجلسات من عدمه، وقد يقتصر الحضور على المتهمين والمحامين، ما يمهد الطريق لتكون متابعات الصحف والبرامج التلفزيونية لمسار أي قضية مقتصرة على البيانات الرسمية .
ورفض مجلس النواب اقتراحات تقدم بها عدد من نواب المعارضة للتعديل، ورأوا أنها تشكل قيدا على العمل الصحفي وتمنع نشر المعلومات في القضايا والمحاكمات التي تهم الرأي العام، وأن المستجدات التي طرأت على مهنة الإعلام تتطلب أن تتاح المعلومات أمام الجميع بلا استثناء .
وقال نواب محسوبون على المعارضة إنه يمكن تنظيم البث المباشر أثناء المحاكمة، لكن نقل وقائع الجلسات عمل من أعمال الصحافة لا يجوز تقييده بموافقة كتابية مسبقة، ولا بد من الفصل بين نقل وقائع الجلسة والبث، لأن نقل وقائع القضية عمل صحفي يصعب منعه طالما أنه لا يؤثر على سير المحاكمة .
ورأى برلمانيون آخرون أن النص التشريعي الجديد يفرض قيودا على حرية الإعلام ويتناقض مع الدستور، وبدلا من بدء اتخاذ إجراءات عملية لإقرار تشريع خاص بحرية تداول المعلومات يتم تقييد تغطية جلسات المحاكمة التي هي حق أصيل للجمهور، وليس للإعلام فقط .
ودافعت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية داخل مجلس النواب بأن مقترحات المعارضة تخلط بين نقل وقائع الجلسات وبثها، لأن العلنية تعني إتاحة دخول الأشخاص وخروجهم من الجلسة التي تنظر الدعوى وليس إذاعتها، كما أن البث الصحفي للجلسات يحمل اعتداء على حق التقاضي .
ونفت اللجنة الدستورية وجود شبهة تعارض بين علنية الجلسات وحرية الصحافة وبين النص التشريعي محل الجدل، والذي يستهدف تنظيم جلسات المحاكمة وهذا لا يعد تقييدا للإعلام، لأن نقل بعض الوقائع أو بثها قد يؤثر على التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في نفس القضية .
وابتعدت نقابة الصحافيين عن الدخول في صدام مع البرلمان، بعد أن استجاب قبل أسابيع لمطلبها بمنع حبس الصحافيين في قضايا عدّة، وتعديل بعض المواد في نفس القانون، كما أن النقابة رأت أن تنظيم عملية نشر بعض القضايا الحساسة من سلطة القضاء حفاظا على سير المحاكمة .
وتُكمن المعضلة في أن المحاكمات ظلت بالنسبة إلى بعض وسائل الإعلام مادة خصبة للمتابعة واستقطاب الجمهور، في ظل جمود يعتري بعض نواحي الحياة السياسية، وتضييق تعاني منه أغلب المنابر في ما يتعلق بمناقشة ملفات معينة .
ودأبت بعض الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية على تسليط الضوء على قضايا منظورة أمام الجهات القضائية، وتحظى باهتمام وشغف من جانب شريحة كبيرة من الجمهور، على الأقل كي تستقطب الفئة التي تستهويها هذه النوعية من المحاكمات ذات الطابع المثير، مثل القضايا التي تشغل الرأي العام .
وقال نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن علانية المحاكمات جزء من صميم حقوق الإعلام، وكان يجب التفرقة بين تنظيم إجراءات جلسات المحاكمات وبثّها، لأن المعرفة حق للجمهور، ثم إن بعض المنابر التي لم تحصل على ترخيص أو منصات التواصل الاجتماعي مستفيدة لأنها دون سيطرة حقيقية .
وأضاف ”أن البرلمان يسير عكس اتجاه الانفتاح الإعلامي وكان عليه أن يقتنع بحتمية العلانية في المحاكمات كشرط أساسي لترسيخ الثقة في منظومة العدالة، وهذا ما أقره الدستور، وقد يتسبب الحصول على إذن مسبق بالتغطية في المطلق في اتساع دائرة المنع، وكان من الضروري التعامل البرلماني مع التغطية كحق دستوري .
وتمثل كواليس المحاكمات بالنسبة إلى بعض الصحف والمواقع الإخبارية ميزة مضافة لأنها من نوعية المواد التي يصعب أن على جمهور الشبكات الاجتماعية الوصول إليها، سوى من خلال منبر تقليدي، وهناك جماهير شغوفة بمعرفة الكواليس .
ويؤخذ على بعض وسائل الإعلام أن تغطيتها لوقائع قضية بعينها تحمل أحيانا قدرا من عدم المهنية، وربما يكون ذلك سببا في التضييق، حيث كانت بعض المعالجات تمثل ضغطا متزايدا على القاضي، كأن تنحاز صحيفة إلى أحد أطراف القضية قبل أن يصدر الحكم النهائي في المحكمة .