الرسام خالد ستار والهم الكوردستاني

 

 

 

 

 

 

 

 

د. توفيق رفيق التونچي

الفن التشكيلي المعاصر يعكس الكثير من هموم الإنسان المعاصر وحتى ضياعه في هذا العالم  وعدم فهمه لرموز وكنه الحياة والعناصر المشتركة لوعي الإنساني لذاته وللأشياء المحيطة به وبالحوادث. الانطلاقة الأساسية تبدأ مع ترجمة الواقع والبيئة وتفسير مجريات الأمور من وجهة نظر جديدة مغايرة لتلك التي نراها بالعين المجردة لا بل يمكن القول بان كل فرد يرى بعينة ما لا يراه الفرد الآخر فكل ما نراه نفسره اعتمادا على مجمل علومنا وعارفنا وتجربتنا الذاتية.

 

 

الفن كذلك له هوية وهدفا في المجتمعات حتى لو كانت اللوحة تمثل حقلا من زهور عباد الشمس الصفراء او مسطحا لونيا مجردا او تخطيطا على شكل تكوين تفصيلي يعكس رؤية الفنان ويعطي للمتلقي اي  المشاهد إحساسا معينا وربما يستيقظ فيه تساؤلا معينا حول ماهية الحياة ومعنى هذا الكون.

 

كركوك

 

الفنان التشكيلي الرسام خالد ستار يقفز فوق الحواجز ليعرض لنا وجهة نظرة جديدة حول المسميات والحوادث في عرس بهيج من الألوان وتخطيط يوقظ في الدواخل الإنسانية شعور بالانتماء الى مكونات التعددية لتركيبة الثقافية في الوطن الكوردستاني بجميع اطيافه البديعة من جنوبها على امتداد مرتفعات حمرين وسهل كرميان وصولا الى جبل سنجار.

 

يتميز خالد ستار بإنتاجه الوفير وموضوعاته في  ترجمة معاناة شعبه الكوردي في جميع المراحل النضالية.

كما يرى المشاهد في لوحات خالد معاناته ويتمتع في نفس الوقت بمعاشات ذلك المهرجان القوس قزحي في الألوان التي يستخدمها. خالد ستار يتجاوز تلك الحقبة المسماة بالوردية والزرقاء التي يتصف بها اعمال الرسامين  ليصل الى الوان القوس قزح. في شبابه نراه مولعا بالصور الشخصية والتخطيط الكروكي ثم فجا ينتقل الى رسم لوحات انطباعية وأحيانا بأسلوب الانطباعية الجديدة مع استخدام بقع كبيرة لونية  تاركا الملتقي في حيرة امام كل تلك الرموز. بينما وكما ذكرت يتميز اعاله في المنفى بألوان الامل.

 

 

الرسام خالد الذي اعرفه عن كثب يعتبر احد ابناء عائلتي يحمل في روحه كل تلك الالوان ليضعها لاحقا على اللوحة وبتشكيل جديد وقد تطور استخدامه للبقع اللونية وتدرج بصورة ديناميكية. البدايات كانت تعتمد على التخطيط وإعادة الصورة مع استخدام الخيال في التعبير عن هموم الانسان والوطن. الرسام لم يدخل اي اكاديمية فنية بل تعلم في مدرسة الحياة وهذا ديدن الفنانين الحقيقين اللذين لا يتقيدون بمدارس الفن التشكيلي لكن هذا لا يعني بان معارفه وعلومه واستخدامه للمواد لا يتم عن معرفة وتقدير. بل ان المتتبع للوحات خالد يرى فيه تطورا  يوازي تجاربه الحياتية خاصة تلك التجارب المرتبطة بمدينته ، مدينة العذابات كركوك ثم تجربة النضال في جبال كوردستان وصولا الى المنفى هنا في مملكة السويد.

 

 

غلاف إحدى المجلات الصادرة في السويد وتحمل في غلافها لوحة من إبداعات الرسام خالد ستار

 

العراق الذي مر بفترة الدكتاتورية لعدة عقود من الزمن تدك اثرت كبيرا على مجمل الحركه الفنيه. في عهد الدكتاتورية البائد كان الفنان ملزما بالدعايه لشخص الرئيس وحزبه فلم تظهر اعمال جاده تذكر بل كان الفنان ملزما باطار فكري قومي معين وتمجيد شخصية الدكتاتور ولذا كان من ميزات تلك الفترة ان العديدي من الرسامين كان له حضوة عند النظام فيما انزوى اخرون وتركوا البلاد. اختفى معظم مظاهر تلك الحقبه من مدن البلاد بعد 2003 فيما حل نوع اخر من الرسومات واللافتات شوارع البلاد. الرسم التشكيلي كاداه دعائي للاحزاب ليست بجديد والرسام قد يكون مرغما بمسارات الريح الهاب والالتزام يتحول لمجرد الكفاح من اجل البقاء. خالد ستار بقى صادقا لمشاعره واحترم مشاعر شعبه فطوع ريشه الرسم للدفاع عن القضايا المصيريه لشعبه.

 

نرى بوضوح التفاؤل في اختياره لألوان الفرح في منفاه و يذكرني في ذلك بالرسام الروسي جيوركي كوراسوف. بينما يعتمد على التخطيطات والألوان القاتمة في بداياته الفنية ولا ريب ان هناك فترات في حياة الفنان يكون اليأس قد فعل فعلته بفؤاده الرهيف فيترجم كل ذلك على شكل تشكيلة ويختار الألوان مناسبة لحالته النفسية بينما يتغير سلوكه حين يزداد الامل.

نتمنى لرسامنا الكوردستاني المزيد من الابداع والنجاح.

 

الأندلس2025 –

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا