آفاق العلاقة بين الصين والولايات المتحدة في ظل سياسة ترامب الخارجية الجديدة

 

التآخي ـ وكالات

في ظل فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة تنبثق التساؤلات عن طبيعة العلاقة بين الإدارة الاميركية والدوال الكبرى لاسيما روسيا و الصين، لما يشكله ذلك من تأثير كبير على أوضاع السياسة الدولية.

وفي بكين اجرى وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد ماركو روبيو، أجريت بناء على طلب الأخير، وقال وانغ يي إنه يتعين على الصين والولايات المتحدة إيجاد الطريقة الصحيحة للتعايش في العصر الجديد.

واوضح وانغ، وهو أيضا عضو في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أجرى مكالمة هاتفية مهمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتوصلا إلى سلسلة من التوافقات. وقال وانغ إن تطور العلاقات الصينية – الأمريكية دخل مرحلة مهمة جديدة.

واضاف وانغ إن الرئيس شي شرح بشكل شامل سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة، ورد ترامب بشكل إيجابي وأعرب عن تطلعه إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع شي، وأكد أن التعاون بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يحل عديد المشكلات في العالم، وان رئيسي الدولتين حددا اتجاه العلاقات الثنائية ونمطها.

 

 

وتابع، إن الفرق من الجانبين يجب أن تنفذ على نحو كامل التوافق المهم الذي توصل إليه رئيسا البلدين، وتحافظ على التواصل، وتسيطر على الخلافات، وتوسع التعاون على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين، وتعزز تنمية مستقرة وصحية ومستدامة للعلاقات الصينية – الأمريكية، وتجد الطريقة الصحيحة لتحقيق التعايش بين الصين والولايات المتحدة في العصر الجديد.

وفيما يتعلق بالجوانب السياسية، قال وانغ إن قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي اختيار الشعب الصيني، بحسب تعبيره؛ وأضاف أن تنمية الصين ذات منطق تاريخي واضح وقوة دافعة فطرية كبيرة، وأن هدف الصين هو توفير حياة أفضل لشعبها وتقديم إسهامات أكبر للعالم.

واردف، ان الصين ليست لديها نية للتفوق على أي دولة أو الحلول محلها، لكنها يجب أن تحمي حقوقها المشروعة في التنمية، على حد قوله.

وفي سياق شرحه لمبدأ الصين وموقفها بشأن مسألة تايوان، طلب وانغ من الولايات المتحدة التعامل مع هذه المسألة بحذر.

وقال وانغ إن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين منذ العصور القديمة، مشددا على أن الصين لن تسمح أبدا بانفصال تايوان عن الوطن الأم، بحسب قوله.

وأشار وانغ إلى أن الولايات المتحدة تعهدت رسميا بالالتزام بسياسة صين واحدة في البيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة، ولا ينبغي لها أن تتراجع عن كلمتها.

 

 

ومن جانبه، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إن الولايات المتحدة والصين دولتان عظيمتان، مضيفا أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هي أهم علاقة ثنائية في القرن الحادي والعشرين وستشكل مستقبل العالم.

وأضاف أن الولايات المتحدة مستعدة للتواصل الصريح مع الصين، وحل الخلافات بشكل صحيح، وإدارة العلاقات الثنائية بطريقة ناضجة وحكيمة، ومواجهة التحديات العالمية بشكل مشترك، والحفاظ على السلام والاستقرار العالميين.

وقال روبيو إن الولايات المتحدة لا تدعم ما يسمى “استقلال تايوان” وتأمل أن يجري حل مسألة تايوان بالوسائل السلمية التي يقبلها كلا جانبي مضيق تايوان.

وقال وانغ إن الدول الكبرى يجب أن تتصرف على نحو يليق بالدول الكبرى، ويجب أن تتحمل مسؤولياتها الدولية الواجبة، وتحافظ على السلام العالمي، وتساعد جميع الدول على تحقيق التنمية المشتركة.

وأعرب وانغ عن أمله في أن يتخذ روبيو القرارات الصحيحة، وأن يقوم بدور بناء من أجل مستقبل شعبي الصين والولايات المتحدة، وأيضا من أجل السلام والاستقرار العالميين.

ورجحت تقارير إعلامية غربية أن تكون الولاية الثانية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أكثر “اضطرابا” من ولايته الأولى، بحسب وصفها، وستصوغ رؤية جديدة للسياسة الخارجية بدلا من تلك التي ظلت مهيمنة منذ الحرب العالمية الثانية.

و كانت صحيفة واشنطن بوست قد نقلت عن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو تشديده قبل تنصيبه أن تظل الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب الجديدة، عند التزامها بحلفائها الأساسيين مثل إسرائيل وتايوان، وستتبع استراتيجية أكثر تشددا لمواجهة الصين، بحسب تعبيره، وستتبنى نهجا أكثر واقعية في التعامل مع أوكرانيا والمساعدات الإنسانية والأزمات العالمية الأخرى إذا لم تعزز تلك الدول المصالح الأميركية.

 

 

وتوقعت الصحيفة في تقرير لها في حينه أن يظفر روبيو (53 عاما) بموافقة مجلس الشيوخ على تعيينه في المنصب وزيرا للخارجية في جلسة استماع لشرح رؤية الإدارة المقبلة لسياسة خارجية شعارها “أميركا أولا”، وهو ما جرى لاحقا.

ولقد جادل الزعماء الأميركيون بأن قوتهم مستمدة من مسؤولية بلادهم بصفتها مدافعا “لا غنى عنه” عن عالم أصبح أكثر استقرارا واعتدالا بفضل الديمقراطية والحدود المستقرة والقيم العالمية، على حد وصف الصحيفة.

بيد أن مجلة الإيكونيميست البريطانية ترى إن ترامب سيتخلى عن القيم ويركز على امتلاك النفوذ واستغلاله، مضيفة أن نهجه في الحكم سيكون موضع اختبار وتحديدا في 3 صراعات، هي الشرق الأوسط وأوكرانيا وحرب أميركا الباردة مع الصين.

وستتجلى موهبته التي يتعذر التكهن بما ستتفتق عنه من نهج في صراع الشرق الأوسط، الذي شهد في الآونة الأخيرة توصل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى اتفاق بشأن غزة.

وتؤمن الإيكونيميست بأن ما تسميه “الاستغلال الانتهازي” للسلطة له فوائده، إذ سيواصل ترامب مضايقة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحملها على إنفاق مزيد من الأموال للدفاع عن أنفسهم ضد روسيا.

ومضت في توقعاتها إلى القول إن من وصفتهم بالطغاة سيشعرون بالارتياح من تراجع الإدارة الأميركية الجديدة عن القيم العالمية.

فإذا ضم ترامب كندا وغرينلاند وبنما إلى مجال النفوذ الأميركي، فسوف يدعي هؤلاء الطغاة أن هذا إقرار لمبدئهم الخاص بأن العلاقات الدولية كانت على الدوام اختبارا للقوة في أرض الواقع، وهو أمر ملائم لهم عندما تطمع روسيا مثلا في جورجيا، أو تطالب الصين بالسيادة على بحر جنوب الصين.

وحذرت المجلة من أن ازدراء ترامب لمؤسسات مثل الأمم المتحدة، التي تجسد القيم العالمية، سيدفع الصين وروسيا إلى فرض هيمنتهما عليها بدلا من ذلك، وتستغلانها كقنوات لتحقيق مصالحهما الخاصة.

وعندما يكون استعمال السلطة غير مقيد بالقيم، يمكن أن تكون النتيجة فوضى على نطاق عالمي، طبقا لإيكونيميست.

وبدورها، ركزت صحيفة واشنطن بوست في تقريرها على أقوال وزير الخارجية ماركو روبيو في جلسة الاستماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لشرح رؤية الإدارة المقبلة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية.

وتطرقت إلى هيمنة الصين على سلاسل التوريد العالمية المهمة، ناقلة عن ماركو روبيو وصفه لها بأنها منافس لبلاده في مجالات العلوم والتكنولوجيا، والأسواق العالمية، وفي محاولات بسط النفوذ السياسي والعسكري.

وترى الصحيفة إن الصين تختلف تماما عن الاتحاد السوفييتي السابق وغيره من الخصوم الذين واجهتهم الولايات المتحدة.

وتخيل روبيو أن المؤرخين عندما يؤلفون كتابا عن القرن الـ21، فسوف يخصصون فصولا عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه يتصور أن “الجزء الأكبر من هذا الكتاب لن يكون عن الصين فحسب، بل عن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة والاتجاه الذي سارت فيه”.

وتابع روبيو “علينا إعادة بناء قدرتنا الصناعية المحلية، والتأكد من أن الولايات المتحدة لا تعتمد على أي دولة أخرى في أي من سلاسل التوريد الحيوية لدينا”.

وبشأن الحرب في أوكرانيا، لفت وزير الخارجية الأميركي، إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن أنفقت مليارات الدولارات لدعم دفاع كييف “المستميت” عن أراضيها ضد روسيا، مشددا على أنه حان الوقت لأن تكون أميركا واقعية، بحسب تعبيره.

وفي تعليقه على الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، شدد روبيو في جلسة الاستماع التي كان حضرها بمجلس الشيوخ الأميركي، على أن “هناك فرصا الآن في الشرق الأوسط لم تكن متاحة قبل 90 يوما، سواء كان ذلك ما حدث في لبنان، أو ما حدث في سوريا، أو ما نأمل أن يحدث مع وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى”.

ولكن في حين قال الديمقراطيون في جلسة الاستماع، إنهم يقدرون معرفة روبيو الواسعة بالسياسة الخارجية، وبآرائه الشخصية المعتدلة، فقد عانى للإجابة عن الأسئلة القليلة التي استفزت استعداده لاتخاذ موقف ضد الرئيس، إذا لزم الأمر.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن روبيو تهرّب من الإجابة عن سؤال بشأن ما إذا كانت التشابكات التجارية العالمية الواسعة لترامب ستتعارض مع مهمته كوزير للخارجية، كما أنه تهرّب من التأكيد على أن وزارة الخارجية ستحافظ على سلطتها في مواجهة شتى شركاء ترامب الشخصيين الذين انتدبهم الرئيس المنتخب للعمل مبعوثين.

وكان خبراء وباحثون قد أشاروا الى ان رؤية إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تستند في مجال السياسة الخارجية إلى مبدأ “السلام بوساطة القوة”، إذ يقول إنه يهدف منها إلى منع اندلاع حرب عالمية ثالثة، واستعادة السلام في أوروبا والشرق الأوسط، وتحصين الولايات المتحدة من أي هجمات معادية؛ ويتحقق ذلك بحسب تلك الرؤية عن طريق الإعلاء من شأن المصلحة الوطنية الأميركية و تحديث الجيش الأميركي ليبقى أقوى جيش في العالم و ضمان وفاء الحلفاء بالتزاماتهم في مجال الدفاع المشترك.

كما تتضمن تعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لـ “حماية أسلوب الحياة الأميركي”، على حد وصفهم، و الدفاع عن حدود الولايات المتحدة، و إحياء القاعدة الصناعية الأميركية لضمان خلق وظائف جديدة للأميركيين، مع إيلاء الصناعات الدفاعية الأولوية، و حماية البنية التحتية الأميركية من الهجمات السيبرانية المعادية.

وتثير هذه المبادئ جملة من المخاوف لدى حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حدّ سواء؛ نظرًا إلى ما تضمره مواقف ترامب السلبية من العمل الدولي المتعدد الأطراف، ومعارضته للاتفاقات التجارية الدولية، وسعيه للتحلّل منها، وإعجابه بالأنظمة والقادة “الاستبداديين”.

وبالقدر نفسه، يثير افتقاره إلى مقاربة منسجمة في السياسة الخارجية، وعدم القدرة على التنبؤ بقراراته، بحسب قولهم، وإحاطة نفسه بمجموعة من المستشارين المتطرفين، وميله إلى تبني مقاربات في السياسة الخارجية على نمط الصفقات التجارية Transactional Foreign Policy، مخاوفَ كبيرة من تراجع دور الولايات المتحدة في العالم. يضاف إلى ذلك تفكيك مؤسسات النظام الدولي، على نحو يخدم أهداف روسيا والصين، وتقويض أسس التحالف الغربي، لا سيما مع تشكيك ترامب في أهمية حلف شمال الأطلسي “الناتو” وفاعليته، والاتفاقات والمعاهدات الدولية مع الحلفاء والشركاء، بحسب قول الباحثين، الذين يخلصون الى ان رؤية إدارة ترامب، وترشيحاته للمناصب الرئيسة فيها، توحي بأننا أمام مرحلة من الاضطراب في السياسة الخارجية الأميركية، في السنوات الأربع المقبلة، سوف تشمل بخاصة منطقة الشرق الأوسط، والحرب الروسية – الأوكرانية، والتنافس مع الصين، والعلاقة مع الناتو.

قد يعجبك ايضا