أزمة النفط بين الحكومة المركزية وإقليم كوردستان

سردار علي سنجاري

‎وقّعت دولة العراق مذكرة تفاهم مع شركة بريتش بتروليوم “بي بي” البريطانية لتقييم إمكانية إعادة التطوير المتكامل لحقل كركوك والحقول المجاورة
التي تقع ضمن حدود المادة ١٤٠ المتنازع عليها مع الحكومة المركزية مما أثار حفيظة و غضب حكومة اقليم كوردستان في استثناءها من العقد وعدم مشاركتها في المفاوضات.

وتعد أزمة النفط واحدة من القضايا الشائكة في العلاقات بين بغداد واربيل والتي تتعلق بإدارة موارد النفط وصلاحيات تصديره وتقاسم العائدات النفطية بين الجانبين. وهذه القضية أثرت بشكل كبير على العلاقات بين الحكومة العراقية المركزية في بغداد و حكومة إقليم كوردستان.

يُعتبر النفط أحد أهم الموارد الاقتصادية في العراق حيث يمتلك الإقليم جزءًا كبيرًا من احتياطيات البلاد النفطية.
ويتمتع اقليم كوردستان العراق بموارد نفطية غنية حيث يقدر بعض الخبراء ان الاقليم يمتلك احتياطي بقدو على نحو 45 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج. وقد تم اكتشاف العديد من حقول النفط في الإقليم مما منح حكومة كردستان فرصة لتنمية القطاع النفطي لديها.

ولكن على الرغم من هذا الثراء النفطي فإن الحكومة المركزية في بغداد قد طالبت دائمًا بأن يكون النفط العراقي بأيدٍ مركزية لتتولى توزيع العائدات بشكل عادل بين جميع العراقيين بحسب زعمها بموجب الدستور العراقي الذي يحدد إدارة النفط كحق للدولة المركزية. هذا التباين بين رغبة الإقليم في إدارة النفط المحلي مباشرة وبين رغبة بغداد في السيطرة على الإيرادات النفطية أدى إلى نزاع مستمر . وكانت مخاوف الاقليم محقة حيث تم استغلال ورقة النفط للضغط على الاقليم ولم يتم توزيع الثروات النفطية بشكل عادل.

بدأت الأزمة بشكل جدي عندما قررت حكومة إقليم كوردستان في عام 2014 القيام بتصدير النفط بشكل مستقل عبر تركيا . وقد وقعت حكومة كوردستان اتفاقيات مع شركات دولية لتطوير حقول النفط وتصديره بشكل مستقل مما أثار غضب الحكومة المركزية التي اعتبرت هذا التصرف غير قانونيًا و مخالفًا للدستور . بينما يعترف بالإقليم الكوردي في إدارة شؤون النفط في المناطق الكوردية بشرط أن يتم التعاون مع الحكومة المركزية في هذا المجال. لكن التطبيق العملي لهذا النص الدستوري شهد عدة خلافات حول الآلية و كيفية تقاسم العائدات النفطية بين بغداد وأربيل.

الجانب الكوردي يرى أن له الحق في إدارة صادراته النفطية لأن النفط يوجد في أراضيه بينما ترى بغداد أن الدستور يفرض ضرورة إدارة جميع موارد النفط تحت إشراف الحكومة المركزية. هذه التفسيرات المختلفة كانت السبب الرئيس في استنرار النزاع.
لكن الحكومة المركزية تجاهلت الدستور العراقي الذي نص في المادة 121 والمتعلقة بإدارة الموارد حيث نصت المادة المذكورة 🙁 تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحاديًا، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها ) كما تحدّد المادة 109 حقّ الإقليم بتطوير ثروة النفط والغاز.
كما وأكدت أن المواد الدستورية (110 و115) تمنح الإقليم حقوقًا واضحة في إدارة الحقول النفطية والغازية المكتشفة حديثًا، في حين تنص المادة 112 على إدارة مشتركة للحقول القديمة.

من جانب آخر تتعلق الأزمة أيضًا بالأوضاع الاقتصادية في كل من بغداد و أربيل . حيث تعاني الحكومة العراقية من عجز كبير في الميزانية بسبب الركود الاقتصادي وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وكذلك من تدهور الأمن في العديد من المناطق والفساد الذي نخر جسد الاقتصاد العراقي . بينما كان إقليم كوردستان بحاجة ماسة إلى موارد مالية مستقلة لدعم اقتصاده المتعثر خاصة بعد أن تأثرت ميزانية الإقليم بشكل كبير بسبب النزاع مع بغداد.

في عام 2014، حصل إقليم كوردستان على دعم كبير من تركيا لتصدير النفط من خلال خط أنابيب جديد مما زاد من حدة التوترات بين الحكومة العراقية والإقليم. هذا الدعم التركي قدم لإقليم كوردستان قدرة أكبر على إدارة شؤونه المالية بشكل مستقل. وقد رفع العراق شكوى إلى محكمة التحكيم الدولية في باريس حول تصدير نفط اقليم كوردستان إلى ميناء جيهان التركي والتي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات النفط من إقليم كوردستان مما أثار مخاوف قادة الإقليم من أن تستغله بعض القوى العراقية في ابتزازهم من أجل تحصيل المزيد من التنازلات.

التوترات بين بغداد وأربيل أثرت أيضًا على العلاقات الإقليمية والدولية . فبينما كانت تركيا تدعم إقليم كوردستان في مسألة تصدير النفط كانت إيران والسعودية تضغطان على الحكومة المركزية العراقية لتوحيد الجهود ضد الإرهاب وتحقيق استقرار سياسي . كما كان التحالف الدولي ضد داعش مهتمًا بالحفاظ على الاستقرار في المنطقة مما أضاف أبعادًا أخرى للنزاع.

على الرغم من التوترات المستمرة إلا أن هناك محاولات متواصلة للبحث عن حلول سلمية للنزاع. في أكثر من مرة جرت محادثات بين رئيس الحكومة العراقية و رئيس حكومة إقليم كوردستان لكنها فشلت في الوصول إلى تسوية نهائية بشأن إدارة النفط. لكن المفاوضات قد تؤدي إلى اتفاقات جزئية تضمن توزيع العائدات بشكل منصف مع ضمان حقوق الكورد في التحكم بمصادرهم النفطية.
وقد ساهم المجتمع الدولي بشكل ملحوظ في دفع الطرفين إلى الحوار. كان هناك ضغط من الولايات المتحدةً و الأمم المتحدة لوقف التوترات والتوصل إلى تسوية، حيث أكدوا على أهمية استقرار العراق ووحدة أراضيه . وكما قال فخامة الرئيس مسعود البارزاني في لقائه الأخير مع قناة شمس ان المشكلة مع بغداد تكمن في النوايا .. وماتزال بغداد تراوغ بملفات تتعلق بالعملية السياسية فيما يخص اقليم كوردستان ومنها تنفيذ المادة 140 التي تقع ضمن الاتفاقية المبرمة بين العراق وشركة وبريتش بتروليوم..

قد يعجبك ايضا