شفان ابراهيم
كجميع ميادين السياسة والعلوم الاجتماعية والفلسفية، تعرض مفهوم النظام السياسي لتطور مستمر ومتغير، وأصبح لدينا ثلاثة نماذج للتعريفات.
الأول – تقليدي شكلي، يرى أن النظام السياسي هو مجرد مؤسسات سياسية من أشكال وبنيات أساسية للتنظيم الاجتماعي، وفق قوانين نافذة. واكتفى الفقه الدستوري بتعريف النظام السياسي بإنه شكل خارجي للسلطة العامة، والحلول المقدمة في الجوانب التنظيمية أو الوظيفية للسلطة، واردة في نصوص دستورية ضمن شكل خارجي للسلطة العامة، دون الغوص في مفهوم التطبيق وتفاعلها مع ظروف اجتماعية واقتصادية. والسبب في ذلك إن السلطة السياسية سابقاً كانت منحصرة أكثر في الدفاع عن البلاد خارجياً وحفظ الأمن والاستقرار داخليًا. مع إجراءات غالباً كانت شكلية حول الحريات الفردية ومشاركة المواطنين في العملية السياسية، وفي هذا التعريف كان شكل الحكومة هو الأساس المحدد للنظام السياسي.
الثاني – نظرة شمولية متشددة، قائمة على دمج النظام السياسي والمنظم السياسي. أيّ أن نظام الحكم خارج عن الشكل الدستوري الذي تحول لمجرد إطار عام خارجي للتركيب الاجتماعي والاقتصادي، تفرضه جهة معينة وفق فلسفات وأهداف خاصة بها، واعتبارها شكل ملائم للدولة والنظام والشعب.
الثالث – تعريف عملي وواقعي للموضوع، يقوم على اعتبار أن النظام السياسي هو مجموعة القوى الظاهرة والمؤسسات التي توجه الأفراد منذ مرحلة الطفولة والشباب نحو قيم العدالة والمساواة والسلوكيات الوطنية السليمة. وغالباً ما تبنى هذا التعريف ما ذهب إليه جورج بيردو حول النظام السياسي على إنه مجموعة من القواعد والاسس والأجهزة التي تثبت نظام الحكم ووسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها وحقوق وواجبات الحاكم والمحكوم والعلاقة بينهما. وفق قواعد ثابتة وواضحة، وكيفية تفاعلها مع بعضها البعض، ما يجعل من النظام السياسي نوعاً من التوازن بين المتطلبات والحقوق والواجبات.
في حين أن تعريف الدولة اختلف باختلاف المنظرين والمفكرين والاتجاهات السياسية والفلسفية والاجتماعية، ومنها على سبيل المثال، إن الدولة وحدة قانونية دائمة، تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة، في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد (يحيى أحمد الكعكي، مقدمة في علم السياسة). أو هي شكل تاريخي للتنظيم السياسي للمجتمع (بوريس بوترين، قاموس موجر للاصطلاحات السياسية) أو هي مجموعة من الناس منظمة سياسيًا، تعيش بصورة دائمة على إقليم جغرافي محدد وتخضع لسلطة سياسية وسيادية واحدة (جاك ماريتان، الفرد والدولة).
أركان الدولة: وهي الشعب والإقليم والسلطة السياسية.
-الشعب: الركن الأول لقيام الدولة، وهو يتكون من مجموعة السكان الذين يتوافقون على العيش معًا في انسجام وترابط، بغض النظر عن العدد، فمثلا إمارة موناكو لا يتجاوز عدد أفرادها بضعة آلاف. والشعب اصطلاحًا يرمز لمواطني الدولة المعينة الذين يحملون جنسيتها. أما السكان فهو اصطلاح يشمل المواطنين والأجانب الذين يعيشون على أرض الدولة.
-الإقليم: هو ركن ثاني لقيام الدولة، أي ضرورة وجود بقعة محددة من الأرض، يسيطر عليها الشعب، ويمارس نشاطاته فوقها بشكل دائم.
-السلطة السياسية: وهي عماد ممارسة السيادة والحكم، وهي الرافعة لتحويل المجتمع من ظاهرة اجتماعية طبيعية إلى ظاهرة سياسية يطلق عليها الدولة. (محمد عبدالوهاب، مبادئ النظم السياسية).
وفقًا لذلك فإن الوضع العام في سوريا، خاصة مع تشتت القرار السياسي والعسكري، وتتالي الانتهاكات في المناطق ذات الخصوصيات والمكونات التي تخشى على نفسها، مثل الساحل وحمص. إضافة لرفض أهالي السويداء الانخراط ضمن المنظومة السياسية للسلطة الحاكمة حاليًا في دمشق، قبل تسوية الأوضاع، والأتيان بنظام حكم يحمي القوميات والأقليات. فإن الواقع العياني في كوردستان سوريا، يفرض نفسه وبشكل أعمق حيال شكل الدولة وتعريفها، ونظام الحكم وصلاحياته.
فخطاب الكراهية الذي يستهدف الكورد من خلال الحملات الإعلامية والنشطاء، والكتّاب، والسوشيال ميديا، ومهزلة أن سوريا كلها أكثرية، يُراد من وراء ذلك الغاء أيَّ صبغة قانونية أو سياسية دستورية لحقيقة مطالب القوميات. فسوريا ككيان حديث النشئ، والذي تشكل بصيغ غير متجانسة وفق ترسيمات دولية، لم تشهد أيّ مقومات للمواطنة ولا الدولة العصرية. ولا يُمكن الطلب من القوميات تحمل تبعات جديدة، على أساس التجريب أو الاحتماليات. وكوردستان سوريا حقيقة تاريخية، ويُمكن القيام بفعل تشاركي بين السوريين كُلهم، وإذا كانت فوبيا الفيدرالية تعصر العقل السياسي السوري، فلنعتمد على تسميات جديدة، يكون فيها للأطراف، بدلًا من الأقاليم، صلاحيات واسعة، من مجلس تشريعي، إلى أخر قضائي، ومثله تنفيذي، مع توزيع عادل للثروات والعدالة والسلطة.
مع العلم أن هذا المطلب ليس مطلبًا كورديًا بشكل خاص دون الأخرين، بل إن المكونات القومية والدينية المُشكلة للفضاء السياسي السوري العام، لا يجد إمكانية للعيش ضمن سوريا مركزية موحدة، وأن تعود قضايا التعنت السياسي والمظلوميات والظلم من جديد، أو الترتيب لبدء ظهور دكتاتور جديد.
يُمكن الاتفاق على موديل جديد للدولة والنظام السياسي، يتفق عليه جميع السوريون، لكن التركيز على قضية المواطنة والمركزية، ما هي سوى تمهيد جديد، للعودة من جديد للعذابات والظلم والإقصاء.