الحبيب الأسود
في التاسع والعشرين من يناير الجاري، يدشن الصينيون عام الثعبان، الذي يأتي مباشرة بعد عام التنين، ويتواصل حتى 16 فبراير 2026، والذي سيكون بالمصادفة من صنف الثعبان الخشبي الذي كان آخر ظهور له في العام 1965، بما يشير وفق علم الفلك الصيني إلى اكتمال دورة الأبراج التي تتواصل لمدة 60 عاما .
ومنذ أيام، أصدر البريد الصيني مجموعة من الطوابع الخاصة بعام الثعبان، وتنقسم إلى مجموعتين، مستوحاة من لوحات دونهوانغ الجدارية والعادات الشعبية التقليدية، وتجمع بين صورة الثعبان والأمنيات الطيبة .
كما أصدرت مجموعة الصين للإعلام، الموضوع والشعار الرئيسي لسهرة عيد الربيع 2025 التي يتم من خلالها استقبال عام الثعبان ، وهو مستوحى من الشكل المنقوش على عظام (أوراكل) للرمز الصيني “سي”. ويتم تغييره إلى شكل ثعبان ثم عكسه بشكل متماثل ودمجه لتكوين شكل الرمزين من “سي” (Si) جنبا إلى جنب. ويشبه الموضع المتماثل لكلا الرمزين نمط “رويي” الصيني التقليدي، الذي يرمز إلى الحظ السعيد وطول العمر.
وفي 16 يوليو من كل عام، ينتظم اليوم العالمي للثعابين التي يعتبرها محبوها مخلوقات عظيمة ومهمة جدا للعالم الذي نعيش فيه، ويتحدثون عن وجود أكثر من 3500 نوع من الثعابين المعروفة حتى الآن، بدءا من التندرا شبه المتجمدة في شمال كندا وحتى الغابات الحارة على خط الاستواء ومعظم محيطات العالم . اللافت أن 600 نوع منها سامة، و200 نوع فقط تمثل خطرا على حياة الإنسان .
وعند الكثير من الناس تعتبر الثعابين حيوانات أليفة، ويتم تربيتها في أقفاص خاصة، وتمكينها مما تحتاج إليه من غذاء ودواء ودفء وبيئة مناسبة للتزاوج، وهناك من يجعل من تربية الثعابين تجارة ومورد رزق. وتعتبر الثعابين السامة ثروة طائلة لمن يجيد التعامل معها، حيث يتولى متخصصون سحب سمومها داخل مخابر، ويصل ثمن اللتر الواحد من سم الثعابين القاتلة إلى عشرة ملايين دولار أميركي، ويعود ارتفاع السعر إلى الأهمية الاستثنائية لذلك السم في صناعة الأدوية والعطور ومواد التجميل النفيسة.
واذكر أنني التقيت منذ سنوات في تونس برجل متخصص في استغلال سم الأفاعي، وقد أخبرني كيف أن البعض من سكان المناطق النائية يجلبون إليه الثعابين التي يصطادونها، ويحصلون مقابلها على مبالغ مجزية، وكيف أن الثعبان الواحد يمكن انتزاع سمه سبع مرات متتالية، وبعد المرة السابعة ينتحر بضرب رأسه على أيّ مادة صلبه تصادفه، وذلك لأنه المادة السمية غير قابلة للتجدد بعد ذلك .
وقد كان ذلك الرجل يتأسف لعدم قدرته على الوصول إلى ثعابين وحيات الصحراء الكبرى التي يقول إنها ثروة عظيمة ومتجددة وآمنة وقد تفوق إيراداتها إيرادات النفط واليورانيوم. والثعبان هو أحد أقدم الشخصيات الأسطورية ويحظى باحترام الحضارات في جميع أنحاء العالم، ومنها الحضارة الصينية التي تحتفي به وتضعه في مقام الآلهة .
كما أن الثعابين بأجسادها الملساء وتنوع ألوانها أذهلت البشر منذ وقت طويل، وبحسب الكاتبة بيكي فيريرا، فإن هذا هو السبب وراء اعتبار محبي الثعابين لحفريات الثعابين التي تم التنقيب عنها مؤخرا في الأرجنتين أمرا مهما، حيث يبلغ عمر هذه الحفريات المعقدة – التي تكون معظمها من الجماجم – ما يقرب من 100 مليون عام.
ومع إطلالة العام الجديد يقول اليابانيون إن الحية البيضاء أحد آلهة الحظ السبعة، وهي إلهة الثروة. ويقال إن الأشخاص الذين يتطلعون إلى تحسين أوضاعهم المالية من الأفضل لهم أن يقوموا بزيارة المعبد في “يوم الثعبان“ ضمن دورة “إيتو” الصغرى التي تستمر 12 يوما. ولا ترتبط الأفاعي بالثروة المالية فحسب، فكونها تتخلص من جلودها بشكل متكرر، فإنها تعتبر أيضًا رمزًا للحظ الجيد والتجديد المستمر.