محمد منصور
شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، أحدثت تغييرات جذرية في العديد من القطاعات، وكان الإعلام من أبرز هذه القطاعات. فقد أعادت هذه الثورة تشكيل أساليب الإعلام وأدواته وطرق تواصله مع الجمهور، مما أثار تساؤلات حول مستقبله وتأثيراته على المجتمعات .
مع التطور التكنولوجي، ظهر مفهوم الإعلام الرقمي الذي يعتمد على التكنولوجيا الحديثة في إنتاج ونقل المحتوى. أصبحت الأخبار والمعلومات متاحة عبر الإنترنت بطرق متعددة، من الصحف الإلكترونية إلى منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، وصولاً إلى خدمات البث المباشر. هذه التحولات فتحت آفاقًا جديدة للإعلام وساهمت في تغييره جذريًا .
أدى الإعلام الرقمي إلى نقلة نوعية في طريقة وصول المعلومات، حيث أصبحت الأخبار تُنقل في الوقت الفعلي، وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة للنقاش العام. ومع ذلك، فإن سرعة النشر والتنوع في الوسائط قد يؤديان في بعض الأحيان إلى تجاوز معايير المهنية، مما يثير تساؤلات حول كيفية الحفاظ على القيم الأخلاقية في ظل هذا التغيير السريع .
هذا التغيير الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية لم يقتصر على تطوير دور الإعلام فقط، بل أضاف أبعادًا جديدة تحمل تحديات أخلاقية ومهنية، مما يستدعي إعادة النظر في القيم التقليدية التي كانت تشكل الأساس للعمل الإعلامي . وان أبرز التحديات التي تواجه الأخلاقيات المهنية هي نشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، حيث انتشار المعلومات غير الدقيقة أصبح أسهل من أي وقت مضى، وغالبًا ما يتم تداولها دون التحقق من صحتها، مما يضعف ثقة الجمهور في الإعلام ويزيد من صعوبة الحفاظ على مصداقية الصحفيين . و انتهاك الخصوصية فالتطور التكنولوجي سهل الوصول إلى البيانات الشخصية، مما يثير تساؤلات أخلاقية حول التوازن بين حق الأفراد في الخصوصية وحق الجمهور في المعرفة
وكذلك من التحديات الإثارة والبحث عن المشاهدات مع تزايد المنافسة بين المؤسسات الإعلامية، يركز البعض على تقديم محتوى مثير وعاطفي لجذب الجمهور، حتى وإن كان ذلك على حساب الدقة والمصداقية , العمل على نشر خطاب الكراهية والتحريض ، حيث أصبحت المنصات الرقمية ساحة لنشر خطاب الكراهية والتحريض، مما يفرض على الإعلاميين مسؤولية مضاعفة في ضبط المحتوى ومنع استغلال هذه المنصات في هذا الاتجاه . وفي مواجهة هذه التحديات، تبرز أهمية الالتزام بالأخلاقيات المهنية كعنصر أساسي لاستعادة ثقة الجمهور في الإعلام. ومن أبرز المسؤوليات التي يتحملها الإعلاميون هي الالتزام بالمصداقية والدقة،
فيجب على الإعلاميين التحقق من صحة الأخبار والمعلومات قبل نشرها، لضمان تقديم محتوى موثوق ودقيق للجمهور ، وكذلك من المسؤوليات هي حماية الخصوصية لذلك يتعين على وسائل الإعلام احترام خصوصية الأفراد وعدم نشر أي معلومات قد تضر بحياتهم الشخصية دون مبرر واضح ، وتعزيز الشفافية في العمل الصحفي حيث يجب أن تكون وسائل الإعلام شفافة بشأن مصادر تمويلها وأهدافها، لضمان عدم استغلالها لتحقيق أجندات خفية.والسعي إلى نشر الوعي الرقمي ، الذي من المهم أن يسهم الإعلام في توعية الجمهور حول كيفية التمييز بين الأخبار الحقيقية والزائفة، وتعليمهم كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي بحذر
ولضمان تعزيز الأخلاقيات المهنية في الإعلام الرقمي، يجب على الدول والمؤسسات الإعلامية وضع إطار قانوني وتشريعات تنظم العمل الإعلامي، مع التركيز على أهمية الرقابة الذاتية لدى الإعلاميين. كما ينبغي على المؤسسات الإعلامية تبني سياسات واضحة تعزز المسؤولية الأخلاقية، إلى جانب توفير برامج تدريبية مستمرة للصحفيين لمواجهة تحديات العصر الرقمي بفعالية .
الإعلام الرقمي هو سلاح ذو حدين: يمكن أن يكون وسيلة لنشر المعرفة وإثراء المجتمعات، أو أداة للفوضى إذا افتقد للأخلاقيات المهنية. وفي ظل التسارع الذي يشهده هذا العصر، تبقى المسؤولية الأخلاقية هي الأساس لضمان نجاح الإعلام في أداء دوره المجتمعي وتعزيز ثقة الجمهور في هذه الوسائل المتطورة .