القضية الكوردية في سوريا والحل السياسي

سردار علي سنجاري

ونحن نتابع تصريحات السيد اسعد الشيباني وزير خارجية سورية في الحكومة الانتقالية بخصوص كورد سوريا وكيفية التعامل معهم مستقبلا حيث ذكر إن الكورد  في سوريا تعرضوا للظلم خلال فترة حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد‏، وتعهد بالعمل على بناء بلد يشعر فيه الجميع بالمساواة والعدل.

وسبق ذلك الكثير من التصريحات التي جاءت على لسان رئيس هيئة تحرير الشام السيد احمد الشرع بخصوص الكورد والظلم الذي عانوا إبان حكم حزب البعث العربي الاشتراكي في زمن الاسد الأب والابن .
و يبدوا جليا ان الحكومة السورية الانتقالية تحاول  تفهم مطالب الشعب السوري كافة وأنها تحاول وضع خطة واضحة للتعامل مع القضايا الداخلية بما يتناسب ورؤية الخطاب السياسي الجديد في سوريا. وعليه  ان يكون الحوار الوطني السوري هو الحل الأمثل لكافة الملفات العالقة التي تواجه سوريا والقضية الكوردية على وجه الخصوص.

تعد قضية حقوق الكورد في سوريا واحدة من القضايا الحساسة والمعقدة في المنطقة إذ يتعين التوصل إلى  حل سياسي شامل يضمن  حقوق الكورد في إطار  الوحدة الوطنية السورية ويحقق في الوقت ذاته  استقرار سوريا  بعد سنوات من النزاع والحروب. و من أجل الوصول إلى حل يضمن حقوق الكورد في سوريا في ظل حكومة سورية جديدة يجب معالجة العديد من القضايا والاعتبارات السياسية والاجتماعية والإقليمية.

يشكل الكورد  في سوريا نحو 10-15% من السكان ويعيش معظمهم في  شمال شرق سوريا (مناطق مثل  الحسكة و  القامشلي و  كوباني وقسم منهم في حلب وعفرين وهناك العديد من العائلات الكوردية في دمشق العاصمة وحماة ).

واجه الكورد في سوريا تحديات فيما يتعلق بالاعتراف بحقوقهم الثقافية والسياسية وقد عانوا من  سياسات التهميش و الاضطهاد التي شملت  التمييز اللغوي و  الحرمان من الجنسية فضلًا عن  القمع السياسي لأية مطالب تتعلق بالحقوق القومية.

و عقب اندلاع  الحرب الأهلية السورية في عام 2011 انخرطت العديد من الجماعات الكوردية  في سوريا في الصراع ضد نظام الرئيس  المخلوع بشار الأسد ثم ضد التنظيمات الإرهابية مثل داعش . ونتيجة لذلك تمكن الكورد في سوريا  من تشكيل  إدارة ذاتية في مناطقهم، خاصة عبر  قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي هي عبارة عن تحالف كردي-عربي-مسيحي.

لكن هذا الوضع العسكري والسياسي قد أثر على العلاقة بين الكورد والحكومة السورية السابقة  في دمشق. الحكومة السورية المركزية السابقة التي كانت في البداية تقاوم أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكوردي أظهرت تفاعلات متباينة خلال النزاع، في حين القوى الإقليمية  (تركيا، إيران، الولايات المتحدة) كانت لها تأثيرات قوية على كيفية التعامل مع الكورد  في المنطقة.

واليوم وبعد سقوط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي وهروب الرئيس المخلوع  بشار الاسد إلى روسيا بدأت تحديات جديدة امام الشعب الكوردي في سوريا. إحدى أكبر التحديات أمام الحلول الممكنة هي  التوازن بين وحدة سوريا وسعي الكورد للحصول على  حقوق ثقافية وسياسية موسعة والمشاركة الفعالة في الحكم .

الحكومة السورية الجديدة يبدوا انها ترى أن  الوحدة الوطنية هي الأساس وترفض أي محاولات لتقسيم البلاد أو منح حكم ذاتي يمكن أن يشجع على انفصال مناطق أخرى مثل سويداء الذي تسيطر عليه القوى الدرزية والساحل السوري الذي يضم غالبية الطائفة العلوية . في المقابل يطالب الكورد بحقوق ثقافية مثل الاعتراف باللغة الكردية بالإضافة إلى التمثيل السياسي العادل.
لا يخفي على احد ان العلاقة بين سوريا الجديدة وجيرانها خاصة  تركيا و الدول العربية تلعب دورًا مهمًا في القضية الكردية. تركيا، على سبيل المثال تعتبر  حزب العمال الكردستاني  (PKK) وجماعات كوردية سورية أخرى مثل  وحدات حماية الشعب (YPG) تهديدًا أمنيًا ما قد يعقد أي حل سياسي في سوريا إذا كانت هذه الجماعات تعتبر جزءً من الحل السياسي. في المقابل إلدول العربية تدعم الحكم المركزي في سوريا لكنها أيضًا  تتفهم مطالب الكورد في سوريا لتحقيق بعض الحقوق.
ويبدو ان الخوف من  الانفصال عن سوريا لا يزال أحد المخاوف الرئيسية لدى الحكومة السورية الجديدة وكذلك لدى العديد من الدول المجاورة. أي  حل سياسي يجب أن يضمن الحفاظ على  وحدة الأراضي السورية و  عدم السماح بأي شكل من أشكال تقسيم للبلاد.

من الممكن أن تبدأ الحكومة السورية الجديدة بالاعتراف بالحقوق الثقافية للكورد داخل  الإطار الوطني السوري، على سبيل المثال: الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب العربية في المناطق ذات الأغلبية الكردية.وكذلك توفير التعليم باللغة الكردية في المدارس والمؤسسات التعليمية.
و ضمان الحقوق الثقافية مثل ممارسة الفنون والاحتفاظ بالتراث الكردي وإقامة الفعاليات الثقافية بحرية.
وقد يكون من  المفترض أن يكون أحد الحلول الممكنة هو التوجه نحو  نظام لا مركزي أو  فيدرالي يمكن أن يضمن الحقوق السياسية للكورد في إطار الوحدة الوطنية السورية. في هذا النموذج يمكن لكل  منطقة كوردية   الحصول على  صلاحيات موسعة في إدارة شؤونها المحلية مع بقاء  الحكومة المركزية مسؤولة عن  السياسة الخارجية و الدفاع كما هو الحال في العراق .
و يجب أن يتضمن هذا النظام  تمثيلًا عادلًا للكورد في مؤسسات الدولة مثل  البرلمان والوزارات المختلفة لضمان قدرتهم على التأثير في القرارات السياسية الكبرى.

و يمكن للكورد أن يتمتعوا بقدر من  الاستقلالية في إدارة مناطقهم مع وجود  آلية للحل السلمي في حالة وجود خلافات بين الحكومة المركزية والإدارة الكردية.
و من أجل تعزيز الثقة بين الحكومة السورية والكورد يجب أن تكون هناك  ضمانات أمنية تضمن عدم تعرض  المناطق الكوردية للتهديد من  القوى الإقليمية او الجماعات المسلحة مع  تعزيز التعاون الأمني بين  قوات سوريا الديمقراطية (قسد) و  الجيش السوري الجديد الذي قد تكون قسد احد الألوية التي ستنضم لها مع الحفاظ على قدراتها العسكرية و التسليحية و يمكن وضع آلية لتنسيق العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية وضمان حماية الحدود.

إحدى الخطوات المهمة للحكومة السورية الجديدة هي  الجلوس مع ممثلي الكورد لمناقشة تطلعاتهم السياسية والثقافية بشكل واضح وبناء ما يساعد على تجنب التصعيد والتوترات المستقبلية.  محادثات السلام مع الأطراف الكوردية يمكن أن تفضي إلى  اتفاقات واضحة بشأن  الحقوق السياسية و الاقتصادية و  الثقافية وتعزز الاستقرار في مناطقهم.

يجب أن يكون  المجتمع الدولي بما في ذلك اقليم كوردستان العراق والحزب الديمقراطي الكوردستاني وفخامة الرئيس مسعود البارزاني الذي أبدى استعداده للعب دور الوسيط بين الطرفين وكذلك الامم المتحدة و  المنظمات الإنسانية داعمًا للعملية السياسية السورية وتقديم الدعم  الدبلوماسي والمالي لمساعدة الحكومة السوري الجديدة والكورد في  بناء الثقة بين الطرفين. كما أن  التزام القوى الإقليمية والدولية مثل تركيا و والدول العربية بدعم الحلول السلمية والمستدامة سيكون أمرًا أساسيًا لتحقيق أي تقدم حقيقي.

من الممكن التوصل إلى حل يضمن حقوق الكورد في سوريا في إطار حكومة سورية جديدة شريطة أن يكون الحل قائمًا على  التفاهم السياسي والحوار البناء بين الحكومة المركزية والقوى الكوردية. من خلال  الاعتراف بالحقوق الثقافية و التمثيل السياسي العادل والتوجه نحو  نظام لا مركزي أو  فيدرالي يمكن تحقيق حلول سلمية تحترم  الخصوصيات الثقافية والسياسية للكورد مع الحفاظ على  وحدة سوريا واستقرارها.

قد يعجبك ايضا