د . صباح ايليا القس
تتمثل قدرة الاديب في بيان طاقته على التصوير لا سيما في القابلية الخلاقة على استثمار الطبيعة وما تبعثه من الوان سواء عن طريق الشمس واشراقاتها او القمر وما ينشره من ضوء يبعث الامان في الظلمات وكذلك تفعل النجوم والناس عموما لا يمكن ان تغريهم هذه الاضواء المتساقطة على الارض برمتها فتظهر تلك الانعكاسات الجميلة وتملأ الفراغ المكاني الجاف بطاقة ايجابية كالدفء والنور والالوان .. لا يأخذ الاديب هذه الالوان المتساقطة كما يتلقاها الناس الآخرون , فربما تثير في النفس الشاعرة الحساسة العاطفة والخيال وحينها يتحرك القلب فاذا الاديب حينها تراه مبتهجا اذ اتاه الدافع والشعور فتنهض النفس التي استطابت الاجواء الى القول الذي يعبر حتما عن طغيان المباهج التي تباركها العين ويتلذذ العقل ويدخل كل هذا وذاك في المعمل الابداعي ليكون الاصدار طاقة ادبية قد تكون قصيدة او اي نوع ادبي يلبي الحاجة وتستقر النزوة الى حين ..
ليس كل الادباء على مستوى واحد في استلهام لحظة الاحساس الابداعي فمنهم من تنبع عاطفته من حالة استيحاء خارجة عن ارادته ومنهم من لا ينقل مما في طبعه من اخلية وافكار وبعضهم يعتمد على ما تختزنه الذاكرة من القراءات والمتابعات والمحفوظات والمداولات والمناقشات مع الآخرين فيلتقط ما يتساقط من حوار او حديث ليدخله في معمل العقل والعاطفة ليصنع من هذا الخليط نوعا ادبيا لا يكاد يبل الريق ولا يطفئ الحريق كما يقال اذ يكون مثل هذا النتاج المشوه صورة قلمية لا تعني سوى صاحبها الذي لا يفيد ولا يستفيد ..
لا بأس من القراءة والمتابعة والاثراء المعرفي لكن بشرط ان يستقي الاديب من ابداع عبقريته والتعويل على الهاجس الداخلي واقتناص الفكرة الجليلة والكلمة الاصيلة معجونة بالقريحة الابداعية حينها سيأتي الالهام ويصطنع الادب بلمحة خفيفة وعاطفة صادقة وشعور فائق نصا متفردا في ذاته يليق بالمبدعين البارعين ..
يستعين بعض الادباء بكلمة ( انا ) للدلالة على الخصوصية الفردية وهذه المفردة تعطي معنى التفرد الذاتي بما يعني العاطفية الفردية بعيدا عن شمول التخاطب بين الاديب والآخرين وهذا ربما يأخذ الاديب الى التكلف الادبي او التعالي واستصغار الآخرين بما يدفع الجانب الآخر الى اتخاذ موقف مغاير بحيث يتجنبون الوسائل التي يسلكها ذلك الاديب بغض النظر عن عواطفه وعقله كل ذلك لانه ابتعد عن الادب الرفيع .. هذا اذا كانت ( الانا ) فيها بحر تتدافع مياهه وافكار تتجاوز المعاني المطروقة وانها تتزين من فنون الكلام وعلوم البيان .
كانت حلقات الدرس في الازمنة السابقة تقدم للطلاب ما ينفعهم من علوم وآداب وفلسفة وتاريخ فضلا عن تعليم القراءة والكتابة التي هي ابتداءات التعليم وكان يشرف على حلقات التدريس شيوخ وعلماء لهم من الهيبة والمكانة ما يشجع على الانتساب الىى حلقة هذا والانتقال الى ذاك لغرض الاستفادة من علوم الدين والادب ما يقوي النبوغ العقلي والعاطفي مع العلم انه لا يوجد مقياس واقعي لبيان سعة العاطفة ونشاط العقل بغض النظر عن عدد الكتب التي قرأها فلان او عدد حلقات الدرس التي حضرها فلان .. فكتب التراث تشير الى عدد هائل من حلقات التدريس وكثير من الشيوخ الذين تصدوا للتعليم ولكن الحاصل هو قلة من المتميزين الذين انتفعوا به وغاب الآخرون في مسارب الحياة .
هذا الحديث برمته لا يعني الرجال فقط اذ ان المرأة لها ما للرجل من عاطفة وعقل ولها نتاج ادبي يضاهي ما للرجل بل ان هناك من يقول ان المرأة عاطفية بجدارة وعاقلة بامتياز .