سردار علي سنجاري
كما عودنا فخامة الرئيس مسعود البارزاني على مبادراته الستراتيجية في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وبالأخص في المناطق التي تشهد أزمات داخل الخارطة الكوردستانية . الرئيس مسعود البارزاني الذي أكد على أهمية الحفاظ على الهوية الكوردية والعمل على تعزيز التعاون بين مختلف الأطراف السياسية التي تربطها علاقة مباشرة مع القضية الكوردية من أجل الوصول إلى حل توافقي ينهي حالة الصراع والصدام بين الكورد وجيرانهم بالتحديد.
وقد شهدت أربيل عاصمة اقليم كوردستان لقاء هاما بين فخامة الرئيس مسعود البارزاني وقائد قوات سورية الديموقراطية الجنرال مظلوم عبدي حيث جاء اللقاء في فترة زمنية تشهد فيها المنطقة تغيرات سياسية كبيرة أهمها زوال نظام البعث السوري الذي كان يترأسه بشار الاسد الذي أطاحت به قوى المعارضة في الثامن من ديسمبر 2024 .
يشكل الكورد في سوريا إحدى العرقيات الكبرى التي تعيش في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد. رغم أن الكورد في سوريا يشكلون مكونًا كبيرًا إلا أنهم واجهوا العديد من التحديات السياسية و الاقتصادية طوال تأريخهم في سوريا الحديثة . مع بداية الصراع السوري في عام 2011 تحولت القضية الكوردية إلى أحدى الموضوعات المثيرة للجدل حيث سعى الكورد إلى تعزيز حقوقهم الثقافية والسياسية بما في ذلك المطالبة بـ الحكم الذاتي أو اللامركزية.
وتأريخيا مع استقلال سوريا في عام 1946 بدأت قضية الكورد في هذا البلد بالظهور بشكل أكثر وضوحًا. في البداية كان الكورد في سوريا يتعرضون للتهميش من قبل الأنظمة المتعاقبة وكانوا يعانون من القوانين التمييزية التي تحظر عليهم الحقوق الثقافية مثل تعليم اللغة الكوردية أو الاحتفال بالثقافة الكردية كما تم حرمان العديد من الكورد من الجنسية السورية في عام 1962 ما أسفر عن التهجير القسري و التمييز ضدهم.
على الرغم من أن الكورد يشكلون نسبة كبيرة من سكان الشمال السوري إلا أنهم كانوا يواجهون التهميش السياسي والاقتصادي طوال العقود الماضية. كانت السلطات السورية المتعاقبة وبالتحديد حزب البعث في عهدي الرئيسين حافظ الاسد وابنه بشار الاسد تدير المناطق الكوردية بشكل تعسفي وتمنع الكورد من المشاركة السياسية في الحياة العامة. فضلا عن ان الكورد كانوا يعانون من الفقر و الحرمان من الفرص الاقتصادية في مناطقهم التي تعتبر من المناطق الأكثر غنى في سوريا حيث توجد فيها غالبية آبار النفط ومناطق زراعية تشكل السلة الغذائية الأساسية للبلاد.
واحدة من الأزمات الكبرى التي واجهها الكورد في سوريا كانت قضية الجنسية . في عام 1962 قامت الحكومة السورية بإجراء إحصاء سكاني في مناطق الحسكة و دير الزور و الرقة وحرم العديد من الكورد من الجنسية السورية مما أدى إلى تشريد مئات الآلاف منهم . هؤلاء الذين تم حرمانهم من الجنسية عانوا لسنوات من التمييز و الحرمان من الحقوق الأساسية مثل العمل و التعليم و الرعاية الصحية وكذلك تم حرمانهم من السفر والدخول في الجيش.
منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا عام 1963 تعرض الكورد للعديد من الانتهاكات حيث كان النظام البعثي يتبع سياسة قمعية ضدهم حيث كان يتم ملاحقة الناشطين الكورد و منع الأحزاب الكوردية و تعذيب المعتقلين . كما كانت اللغة الكوردية محظورة في العديد من المؤسسات الرسمية وكانت الهوية الكوردية مرفوضة.
مع بداية الثورة السورية في عام 2011 وجد الكورد فرصة لتعزيز مطالبهم السياسية حيث كانت الدولة السورية تشهد تصدعًا داخليًا بسبب الحرب الأهلية. في هذه الفترة بدأ الكورد بتشكيل مجموعات مسلحة مثل وحدات حماية الشعب (YPG) و الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي سعت إلى إدارة المناطق الكردية بشكل مستقل عن الحكومة السورية.
على الرغم من أن بعض الجهات الكوردية كانوا يطمحون إلى حل تفاوضي مع الحكومة السورية كانت هناك توترات كبيرة بين الكورد والحكومة السورية خاصة بعد أن رفضت الحكومة السورية منح الكورد حكمًا ذاتيًا .
وبعد سقوط النظام البعثي في سوريا هناك فرصة للكورد للحصول على حكم لامركزي عبر التفاوض الجاد والمسؤول مع الحكومة السورية الجديدة التي أبدت مرونة في التعامل مع القضية الكوردية والأقليات الأخرى و هناك محاولات للتفاوض على تقاسم السلطة في إطار الدستور السوري الجديد الذي قد يضمن حكمًا ذاتيًا للكورد في مناطقهم إذا ما توحدوا الكورد .
للحصول على حكم لامركزي يمكن للكورد في سوريا أن يسعوا إلى كسب الدعم الدولي من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وكذلك من الدول الإقليمية مثل العراق ودور اقليم كوردستان في تخفيف الضغط التركي على الحكومة السورية الجديدة والعمل من اجل توفير الدعم لإيجاد حلول ممكنة مع الحكومة السورية الجديدة وهذا الدعم مع الدعم الدولي يمكن أن يعزز موقف الكوردفي المفاوضات السياسية للحصول على
حكم لامركزي.
و يمكن للكورد في سوريا الاستفادة من التجارب السابقة لدول أخرى طبقت الحكم اللامركزي بنجاح مثل العراق و سويسرا و ألمانيا . في هذه الدول تم التوصل إلى حلول تحفظ الحقوق الثقافية و السياسية للأقليات مما قد يكون نموذجًا يمكن تبنيه في سوريا.
ومن أجل تحقيق حكم لامركزي يحتاج الكورد إلى تعزيز الوحدة الداخلية بين الأحزاب الكوردية المختلفة في سوريا. وحدة الصف الكوردي ستساعدهم على تعزيز موقفهم في المفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة والدول الإقليمية.
ويمكن للقيادة الكوردية الحكيمة في اقليم كوردستان بزعامة الرئيس مسعود البارزاني ان تلعب دورا في توفير الدعم الكامل لهذه الوحدة بحيث تكون هناك فرصة لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا عامة والمناطق الكوردية خاصة .