لمن تنفع الذكرى

لطيف دلو

تاسست دولة العراق على يد البريطانيين ،اصحاب المقولة الشهيرة ( فرق تسد ) بعد الاحتلال، وفق ما تروق لهم من ثغرات الأختلافات الثقافية والعرقية فيها، ولنتكلم عنها مايمليه علينا الضمير، لم يكن هناك أي توافق من قبل المواطنين من الولايات الثلاث العثمانية، لاختلاف ثقافاتهم في الاندماج بدولة واحدة ولكن المحتل استغل تكافؤ قوته والعامل الديني لارضائهم بتاسيس حكومة مؤقتة برئاسة عبدالرحمن الكيلاني من اصول كردية دينية عام ،1920،ومن ثم تتويج فيصل الحجازي ملكا للدولة من اصول عربية دينية، وبقيت الخلافات ظاهرة واقعية تسببت في اسقاط حكومات كثيرة في العهد الملكي، ومظاهرات ومصادمات مع القوات الحكومية في جميع انحاء العراق قبل وبعد تأسيسه، بالرغم من توافقهم فی مقاتلة الاحتلال واسقطت الملكية بانقلاب عسكري عام 1958 وتلته انقلابات عسكرية في صراع على السلطة إلى أن وصل الوضع السياسى إلى ادنى ما يتصوره الانسان لامحاء الآخر عن الوجود في دفن جماعي وإستخدام اسلحة محرمة في خرق تام للمواثيق الدولية وحتى الخروج عن قانون الغاب فی تغییر القومیة. وبعد انتقال السلطة الى طائفة اخرى إبتداءا من عام 2003 أشتدت الخلافات والنزاعات الداخلية على السلطة اكثر من السابق وخلقت مأساة تقشعر منها الجلود من النهب وسفك الدماء والتهجير القسري قد جعل من اناس اغنياء، اسخياء لايملكون لقمة عيش، ويضطرون الاستجداء ومن ضعاف الانفس اصحاب اموال لا حصر لها من النهب والسرقة والاختلاس، وتباین الرواتب سرقة اخرى وإن تقننت من مستغلي السلطة للفوارق الخيالية بين الاعلى والادنى.

يقال إن بعض الشر اهون عندما تكون الوقائع المأساوية بعيدة عن إزهاق الارواح ولكن هنا تعدت تلك الحالة واستهدفت قدسية الانسان فی كرامته وعزة نفسه أن يفقد في محل سكناه كل ممتلكاته أمام عينيه ويهجر قسرا ويجبره العوز أن ينزل الى الشارع للتسول تحت آلام اطفاله الجياع إن كان أبا ام اما كما صادفني موقفا مؤلما شديدا تقشعر منه الجلود في 9 نيسان 2021 وأنا راكب سيارة اجرة عند وقوفنا في ساحة إستدارة بإنتظار اشارة المرور،لاحظت إمرأة مستورة ذات جمال وقوام رشيق تظهر من إستحياءها إنها من النازحين المهجرين قسرا في بلدها في جبينها سطور من عاهات وآلام العوز بإستحياء تحيي الاموات لنجدتها،تدور بين السيارات وتمد يدها إلى فاعلي الخير لمساعدتها وعند بعض السيارات تلتفت الى الخلف وتتراجع بسرعة حتما لسماعها كلمات بذيئة متنرفزة ، ومن ملامح وجهها الشاحب بأن العوز والجوع الكافرين قد اجبراها على الاستجداء، بدلا من اللجؤ إلى ما لا يرضي الله وعباده، ومن المؤكد هناك مئات الحالات المماثلة ان لم تكن الالاف وسبقتها عمليات الانفال من النظام السابق اكثرعنفًا وإضطهًادا وهذه الحالات معرضة لمطبات كثيرة قد لا تنجو منها إلاّ ما ندر ولربما هناك الكثيرات أجبرها العوز وانخرطت اوسلكت سبيلا اخرا لاجل لقمة العيش وخاصة من لديها اطفال يتضمرون ويتألمون جوعا فهذه تذكرة او درسا لمن تنفع الذكرى .

مضى على تاسيس العراق قرنا من الزمن دون أمن وإستقرار، ولن يستقران فيه مالم يحظ بقيادة حكيمة تفك لغز الإحتلال في اندماج ثلاث ثقافات مختلفة في تاسيس دولة واحدة، والتي لم يسلم أي مكون فيها من تلك الحالات الاجرامية ولم تكن الانقلابات والتغييرات في السلطة إلا للانتقام من الاخر واجرموا الحكام في البلاد الى حد ما لا يفعله المحتلون للبلدان الاخرى، وتسببوا في ان يفقد المواطن شعوره وانتماءه للوطن ، والكف عن الشعارات التي أكل الدهر عليها وشرب وتجعل من العراق دولة المواطنة وفق العصر الحالي بمنطق العقل ، وهناك قبائل من لاشيء اسست دول يحتذى بها عالمیا برجاحة عقل حكامها في الاستفادة من التطور الاداري والاقتصادي للدول المتقدمة .

قد يعجبك ايضا