نقد ونقاد   

 

د . صباح ايليا القس

 

اعترف صراحة أنني لست ناقدا ولا ارغب ان أُحشر مع النقاد ولا شأن لي بما يقوم به النقاد ولست كذلك من المادحين اوالقادحين لمن يتصدى للعملية النقدية .. صحيح اني احمل درجة علمية تشفع لي في ان امارس هذه العملية لكنني اتنازل عن هذا الحق للآخرين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب كما يقول المثل .

ربما يكون السبب في ان بعض النقد تشتت في توجهاته بين الشعر على تعدد اشكاله وانواعه وكذلك النثر في القصة وانواعها والرواية وعدد صفحاتها بل اني وجدت من يتصدى للعمل النقدي التحليلي العلمي اقل بكثير مما هو مطروح في سوق النقد اذ ان اغلب من يتصدون للنقد تغلب على نقودهم صفة السطحية والاخوانيات ونقد المجاملات او من يبتعد عن العقلانية فيكيل المدح لمن يشاء من دون الاعتماد على اراء موثوقة وآخر يتولى التجريح وبيان السلبيات وغمط حق الكاتب بحيث يجعله صفرا في عالم الكتابة ..

الناقد هو من يتناول الاثر الادبي بنفس هادئ ودود وطبع ومزاج صالح من غير انحياز فضلا عن قراءة متأنية للمنجز من اول سطر الى الاخير ويمكن له ان يسجل ما يعن له من اراء في ورقة مستقلة وشواهد يقينية دالة على قراءة فاحصة ومتأنية بعيداً عن الغلو والاسراف على ان يكون قد استوعب ما جاء به الكاتب مع اعطاء التسويغات والعلل عند ابداء الرأي مستعينا بخبرات وشواهد تؤيد القول .

من الضروري واللائق ان يكون الناقد حكيما متمرسا ومشهودا له بالقابلية النقدية وغير معتمد فقط على ذوقه الشخصي لان هناك قواعد عامة واصول واعراف وقيود ومواصفات يجب ان يلتزم بها لان الالتزام بالسياقات يخفف من الطاقة السلبية المندفعة من دون رادع او المدح والثناء بل الاسراف في اطلاق الثناء من دون توقف وكأن ذلك الاديب قد جاء بمعجزة عجز عنها من سبقه من الادباء ..

النقد بشكل عام يتجدد ولا يمكن ان يكون جامدا جافا وكذلك ان لكل زمان ومكان معيارية خاصة لما ينجزه ادباء ذلك العصر بمعنى اننا لا يمكن ان نطبق معيارية الشعر الجاهلي او الاسلامي او العباسي على ما جاء به ادباء وشعراء النهضة الشعرية ابتداء من حافظ ابراهيم واحمد شوقي الى آخر شعراء الحداثة المعاصرين مرورا بالمرحلة السيابية وقصيدة النثر ..

غير مقبول ان يتصدى للعملية النقدية كل من قرأ كتابين في الادب او نشر قصيدة في صحيفة ليكون ناقدا بصيرا يحلل ويمدح ذاك ويقلل من شأن ذلك بدافع العلاقات الشخصية والمجاملات الاعلامية التي يستطيع كشفها المتعاملون مع حرفة الادب على تعدد توجهاتهم واختصاصاتهم لا سيما الذين تراهم شعراء وقصاصين ونقادا وصحفيين وكتّاب مقالات وبحوث في وقت واحد .

ارى ان يلتزم الادباء بما تعينهم عليه موهبتهم وقدراتهم وحتى شهاداتهم ولا بأس من الافادة من الفتوحات النقدية والابداعية التي لها روادها وهذا ميدانهم بحيث لا يمكن الاعتراض على ما يطرحونه من اراء نقدية كانت حصيلتهم من الدراسة التخصصية والمتابعة الميدانية المستدامة ..

وقد يسأل احدهم بقوله ( هل لدينا نقاد بهذه المواصفات ) اقول وبكل صراحة نعم لدينا نقاد مؤهلون واصحاب خبرات طويلة ومن الجنسين ومن الحاصلين على مراتب علمية متقدمة ولكنهم مقلون في ظهورهم الاعلامي ومنصرفين الى البحث الاكاديمي والتدريس الجامعي وحتما يكون لابداعهم النقدي القول الفصل بعيدا عن المجاملات اذ لا يعطون رأيا الا وهم واثقون مما يقولون وعسى ان يقتدي بهم بعض هواة النقد .

قد يعجبك ايضا