محاكاة الواقع في أشعار

الشاعرة نجاة الماجد

 

 

ياربُ لبيك بي خوفٌ وإشفاقُ

وبي إلى البيتِ يا مولاي أشواقُ

لبيك ياربُ والأعطافُ لاهجةٌ

والقلبُ والروحُ والأعضاءُ تشتاقُ

إليكَ ياربُ قد يممُّتُ راحلتي

معَ الركابِ لداعي الحجِّ تنساقُ

أسيرُ نحوَ بِقاعِ الطُهْرِ في وجلٍ

واغرورقت من عظيمِ الشوقِ أحداقُ

 

أجرى اللقاء: د. توفيق رفيق التونچي

انه لفرح وسعادة وتقدير كبير حين تنعت سيدة جليلة بـ”الشاعرة” في مجتمعاتنا الشرقية. الشعر ترجمة أحاسيس وتلك كانت ولا تزال من الأمور المحظورة تداولها على العامة في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة. شاعرتنا تجاوزت تلك المعادلة واجتازت الحدود لتصل الى قرائها وتقدم نفسها منذ نعومة أظافرها. شهدت العديد من المحطات في حياتها حتى فرضت وجودها وشخصيتها القوية وشعرها النابع من القلب. فتغنت وانشدت بها الحناجر. نلتقي بها اليوم وتحدثنا عن الصعوبات التي تلاحق الشاعرة الشرقية المعاصرة سألتها: اللغة العربية، انها بحر زاخر بالمجوهرات وأنت تتفانين في تقديمها مفعمة بالمحبة وكل ما يدخل البهجة لقلب القارئ من المغرب الى اليمن. حدثينا عن تلك التجربة اللغوية؟

 

كتبت الشعر كي أشدو كطير على أغصان أشجار القلوب

كتبت الشعر كي أغدو كزهر يضوع العطر في كل الدروب

كتبت الشعر كي أرقى لمجد وكي أملي القوافي للحبيب

كتبت الشعر كي أفضي هموما وكي أسلو بأوقات الكروب

 

 

“أنتمي لقبيلة ومجتمع محافظ فلم يحصل وتجاوزت في أي من نصوصي تلك التقاليد والخطوط الحمراء للمجتمع. لأنني لا أسعى بتاتا لتلك الشهرة المشبوهة التي تصل إليها بعض الشاعرات من خلال اختراق (التابو) المحرم. فأنا ولله الحمد أحمل رسالة في شعري. لذلك كان لزاما علي أن لا أتطرق مطلقا لكل ما من شأنه أن يحط من قدري أمام المجتمع. بل إنني على العكس من ذلك تماما سموت بشعري وارتقيت إلى مدارج المجد والعلياء من خلال الموضوعات الراقية التي كتبت فيها. كالوصف، الحكمة، الرثاء، الفخر وحب الوطن إلى جانب الموضوعات الدينية والاجتماعية”

 

 

– في الحقيقة أحرص كثيرا مع كل نص شعري أقدمه للقارئ أن يكون هذا النص بلغه سلسه سهله لا تعقيد فيها ولا غموض وخال من الرمزية المفرطة. لاسيما وأنني من خلال نصوصي أخاطب في المقام الأول ذلك المتلقي العادي أكثر من ذلك النخبوي. وذلك لكون المتلقي العادي يشكل الشريحة الأكبر من المجتمع. لذلك أسعى جاهدة أن تصل قصيدتي إلى وجدان وأذهان تلك الفئة. كما أحرص أشد الحرص أن أعبر عن مشاعري بصدق وتلقائية وبلغة بيانية زاخرة بالمعاني الإنسانية والصور الحية المعبرة عن اللحظة والحالة التي كتبت فيها القصيدة.

 

المجتمع الشرقي الإسلامي لا تسمح تقاليده بتجاوز بعض الحدود العامة في تناول المواضيع في الشعر خاصة اذا كانت لشاعرة. هل لاقيتم صعوبات بهذا الشأن؟

 

– بالنسبة لي كشاعرة أنتمي لقبيلة ومجتمع محافظ فلم يحصل وتجاوزت في أي من نصوصي تلك التقاليد والخطوط الحمراء للمجتمع. لأنني لا أسعى بتاتا لتلك الشهرة المشبوهة التي تصل إليها بعض الشاعرات من خلال اختراق (التابو) المحرم. فأنا ولله الحمد أحمل رسالة في شعري. لذلك كان لزاما علي أن لا أتطرق مطلقا لكل ما من شأنه أن يحط من قدري أمام المجتمع. بل إنني على العكس من ذلك تماما سموت بشعري وارتقيت إلى مدارج المجد والعلياء من خلال الموضوعات الراقية التي كتبت فيها. كالوصف، الحكمة، الرثاء، الفخر وحب الوطن إلى جانب الموضوعات الدينية والاجتماعية. وحتى في قصائدي الوجدانية والغزلية كانت لغتي وصوري سامية بعيدة عن الاسفاف والابتذال الذي يتبعه البعض ليكسب شريحة اكبر من المتابعين تميل لهذا اللون من ألوان الأدب.

لمّا تراءى لي خيالُ مُودِّعِي

تعاظم كربي ثم فاضت مدامعي

وألفيتُني ما بينَ يومٍ وليلةٍ

غريبةَ أوطانٍ حبيسةَ موضِعي

 

اشعارك تقرا في كل مكان وانت نشطة إعلاميا كذلك على صفحات التواصل الاجتماعي وحضور المهرجانات الشعرية حدثينا عن تجربتك مع عالم الإنترنت والتواصل عبر الشبكة العنكبوتية الأنترنت؟

 

– تجربتي مع الأنترنت بدأت منذ كنت طالبة في المرحلة الجامعية ثم توسعت علاقتي بهذا الفضاء بعد تخرجي من الجامعة وشغفي بالأدب ومنتدياته ومنابره. لذلك كان انتسابي لعدد من المواقع والمنتديات الإلكترونية الثقافية والأدبية ونشر نصوصي خلالها وتلقي الآراء حيالها. فكانت تلك هي النواة الحقيقية التي أسهمت بشكل كبير في تعميق لغتي الشعرية وتوسيع علاقاتي الأدبية مع رموز وإعلام الأدب والثقافة في الوطن العربي. ثم امتدت هذه العلاقات خارج الفضاء الإلكتروني. فكان التعاون الثقافي والأدبي عبر دعوات النشر في الصحف والمجلات الورقية والمشاركة في المهرجانات الأدبية المحلية والدولية واللقاءات الحوارية الإذاعية والصحفية الى جانب المساهمة في الكتب والدواوين الجماعية وغير ذلك من النشاطات الثقافية الفاعلة على الساحة الأدبية الواقعية والافتراضية.

 

أتساءل هل لك تجارب أدبية أخرى خارج نطاق قرض الشعر مثلا الرواية أو القصة القصيرة. كما تعلمين الحياة الأدبية عندنا تكاد تخلو من أدبيات في هذا المجال. اما في الغرب فأنا أرى العكس خاصة أدب الخيال العلمي وما يسمى ب الفانتازيا؟

 

– في الحقيقة لم أفكر مطلقا في خوض غمار أي تجربة أدبية أخرى غير الشعر، ربما يكون المقال هو الخط الثاني الذي اتجهت إليه بعد تردد بناء على دعوة كريمة من صحيفة الصباح الكويتية لكتابة عمود صحفي اسبوعي يتعلق بالشأن الأدبي وكانت تلك المقالات فيما بعد نواة لكتابي الذي صدر قبل ثلاث سنوات تحت عنوان ( بين قناعاتي وذكرياتي )

منطقة الجوف أبدت دوما اهتماما شديدا بالأدب والشعر بصورة خاصة. هل يعود ذلك إلى وجود تقاليد تاريخية راسخة في المنطقة أم أنه مجرد صدفة عارضة؟

يا عروسَ البحرِ يا قطرَ الندى

في هواكِ باتَ قلبي منشدا

أيُّ حسنٍ أيُّ فنٍّ ساحرٍ

قد تجلَّى فيك واجتازَ المدى؟!

يا عروسَ البحرِ طرفي سَاهرٌ

يرقبُ الليلَ وبحرًا مزبدا

آهٍ منْ نورٍ بجدّةَ هزَّني

كي يظلَّ الطرفُ فيَّ مُسهَّدا

يا عروسَ البحرِ يا حسنًا بدا

وضياءً لا ولن يتبدّدا

 

تجربتي الإذاعية كانت وليدة الصدفة. إذ بدأت أولا كمشاركة عبر البرامج الجماهيرية الأدبية والشعرية. ثم ألتفت إلى موهبتي الصوتية والكتابية عدد من المسؤولين في الإذاعة. وعرضوا علي فكرة الانضمام إلى طاقم الإذاعة ﻹعداد وتقديم برامج أدبية إذاعية. وكانت الإذاعة في تلك الفترة أي قبل عشر سنوات تحديدا في عصرها الذهبي. إذ كانت تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة من مختلف دول العالم. وبالتالي كان للإذاعة فضل بعد الله سبحانه وتعالى في انتشار اسمي كشاعرة من جهة وإعلامية من جهة أخرى.

 

– منطقة الجوف من المناطق الأثرية والتاريخية والزراعية في بلدي وتقع شمال المملكة ورغم أنني لست من مواليد هذه المنطقة ولا من سكانها إلا أنني تشرفت بزيارتها قبل سنوات عندما وجهت لي دعوة من رئيس ناديها الأدبي إحياء أمسية شعرية. كذلك تشرفت قبل ذلك بطباعة ديواني الشعري الأول ( الجرح إذا تنفس ) من خلال نادي الجوف الأدبي .. والحق يقال أن هذه المنطقة زاخرة بالكثير من الأدباء والمثقفين والمثقفات لذلك كانت غنية بالمراكز الثقافية ولعل أبرزها مركز الأمير عبد الرحمن السديري الثقافي الذي يصدر دوريتين ثقافيتين بارزتين هما مجلة الجوبة ومجلة ادوماتو.

هناك مئات الشاعرات فقط في المملكة، ولكن صوتك مسموع حتى عبر الأثير. هل اختيار الإذاعة للتواصل مع المستمع أسهل من الصحافة المرئية؟ حدثنا عن تلك التجربة من اول لقاء اذاعي وكيف ترين مستقبل العمل الصحفي المسموع؟

 

– تجربتي الإذاعية كانت وليدة الصدفة. إذ بدأت أولا كمشاركة عبر البرامج الجماهيرية الأدبية والشعرية. ثم ألتفت إلى موهبتي الصوتية والكتابية عدد من المسؤولين في الإذاعة. وعرضوا علي فكرة الانضمام إلى طاقم الإذاعة ﻹعداد وتقديم برامج أدبية إذاعية. وكانت الإذاعة في تلك الفترة أي قبل عشر سنوات تحديدا في عصرها الذهبي. إذ كانت تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة من مختلف دول العالم. وبالتالي كان للإذاعة فضل بعد الله سبحانه وتعالى في انتشار اسمي كشاعرة من جهة وإعلامية من جهة أخرى.

الشعر الحر ربما بدأ بوادر اول كتاباته في العراق وكانت الشاعرة نازك الملائكة سباقة بهذا المجال كما كان السياب والبياني وآخرون. هل لديك تجربة مع الشعر السردي أم يبقى الشعر المقفى الأقرب إلى قلبك ووجدانك؟

هذي الطيورُ الشادياتُ تغرِّدُ

والروضُ مَسْرورٌ وبحرٌ مزبدُ

والليلُ وضَّاءُ النجوم وساحلٌ

أمواجهُ الخجلى فتاةٌ تنشدُ

تزجي التحيةَ باقةً مزدانةً

الحبِّ في ليل ٍسنُاهُ العسجدُ

لأحبَّةٍ غرسوا الوصالَ سنابلا

واليومَ حبَّاتُ المودةِ تُحصدُ

– بالنسبة لي شخصيا يستهويني _قراءة وكتابة _ الشعر العمودي المقفى أكثر من غيره من ألوان الشعر كونه الأقرب إلى قلبي والأبقى في ذاكرتي وذاكرة التاريخ والناس، على الرغم من أن الموجه الآن تتجه للشعر الحر وتعتبر ذلك نوع من التطور والحداثة. لكن يظل الشعر العمودي في الصدارة متربعا على عرش الأدب الرفيع والخالد.

قارئي الكريم، حين نودع الشاعرة نجاة الماجد لا يسعنا الا ان نشكرها لتكرمها على عناء الرد على أسئلتنا داعين المولى العلي القدير توفيقها وأمنيتنا لها بمزيد من الأبداع والتألق وشكرا جزيلا

عن الشاعرة:

الشاعرة والكاتبة السعودية الإعلامية نجاة الماجد تحمل شهادة بكالوريوس علوم المكتبات والمعلومات من كلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وبتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وقد نالت المركز الأول على الدفعة، وحازت وسام الأوائل، واتبعت دورات تدريبية عديدة، وكانت قد نالت العديد من الجوائز، والشهادات، والدروع والأوسمة. وقد نالت على ديوانها ” الجرح إذا تنفَّس” ، “بخور الوجد”، وأهازيج عربية”  جائزة تازة الأدبية من شبكة تازة التنموية في المغرب. وتم تكريمها مؤخرا في مهرجان القلم الحر بمصر ضمن 100 شخصية عربية مبدعة في مجاﻻت الفن والأدب.

قد يعجبك ايضا