حزب البعث العربي الاشتراكي الانطلاقة والسقوط

سردار علي سنجاري

الجزء الثالث والأخير

خلال فترة سلطة حزب البعث في العراق، ارتكبت العديد من المجازر التي كانت ممنهجة، اما لأسباب عرقية او طائفية او قومية . ومن الجرائم التي دخلت في تصنيف التطهير العرقي، والتي ارتكبها النظام البعث العراقي بزمن الطاغية صدام حسين بحق الكورد الفيلية، حيث أدت الحملات الممنهجة للكورد الفيلية، بقرار من النظام الصدامي البعثي، إلى سحب الحنسية العراقية من ما يقرب اكثر من 400 الف من الكورد الفيلية ،وترحيلهم بشكل قسري بعد مصادرة كافة ممتلكاتهم إلى ايران، ومايزال مصير اكثر من 15 خمسة عشر الف شخص من الكورد الفيلية مجهول . ووقع كورد الفيلية ضحية الانقسام القومي والمذهبي، الذي دفع بهم إلى الاضطهاد والتهجير والتخوين ومصادرة حقوقهم المشروعة، ومنها حرمانهم من الجنسية العراقية كما اسلفنا ،وتهميشهم من قبل الأنظمة السياسية المتعاقبة، بما في ذلك منع تعيينهم في دوائر الدولة منذ 1963 وحتى بعد عام 2003. واستمرت الانتهاكات اللاإنسانية بحق الكورد من قبل حزب البعث وطالت كافة شرائح المجتمع الكوردي من دون استثناء، ولكن ما اصاب البارزانيين ومناطقهم كان يتجاوز حد الانتقام، بسبب ثوراتهم وتاريخهم النضالي، وقيادتهم وتبنيهم للقضية الكوردية .
اما في سورية فلم تكن الحالة افضل مما كانت عليه في العراق، تحت قيادة حزب البعث، حيث ارتكبت المجازر البشعة بحق الشعب السوري، وبالأخص في زمن حافظ الأسد الذي تولى الرئاسة في عام 1970 بعد انقلاب عسكري. حافظ الأسد وحزبه كانا معروفين بتطبيق سياسة قمع شديدة ضد المعارضة، وتمكنوا من حكم سوريا بقبضة من حديد، حتى وفاته في عام 2000 ليخلفه ابنه بشار الأسد، الذي استمر في ذات السياسات القمعية، والتي أطاحت به ثورة شعبية في الثامن من ديسمبر 2024 .
تعد مجزرة حماة من أبشع المجازر التي ارتكبها النظام البعثي الاسدي في سوريا، في فبراير 1982 ،شن نظام حافظ الأسد حملة عسكرية ضد مدينة حماة، التي كانت تعد مركزًا لحركة الإخوان المسلمين المعارضة، استخدمت القوات السورية الأسلحة الثقيلة بما في ذلك الطائرات والمدافع، وقامت بتدمير أجزاء كبيرة من المدينة، يُقدر عدد القتلى في هذه المجزرة بحوالي 20,000 إلى 40,000 شخص، معظمهم من المدنيين.
طوال فترة حكم حافظ الأسد وابنه بشار، كان النظام السوري يعمد إلى قمع أي معارضة سياسية باستخدام العنف المفرط. استخدم النظام الاعتقالات الجماعية و التعذيب و الإعدامات بحق المعارضين سواء من الأحزاب السياسية أو من المجموعات العرقية مثل السنة و الكورد و الدروز وكان للأجهزة الأمنية دور رئيسي في تنفيذ هذه السياسات القمعية.
بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2011 ،استخدم نظام بشار الأسد القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، في البداية ثم ضد الجماعات المسلحة المعارضة. شهدت الحرب العديد من المجازر بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، كما حدث في غوطة دمشق في 2013، حيث قُتل مئات الأشخاص نتيجة الهجوم بالغاز السام.
مجزرة القابون في دمشق حيث شن النظام السوري حملة عسكرية على المناطق السكنية في محاولة لتطهير المنطقة من المعارضين. استخدم النظام أسلحة ثقيلة وقصفًا جويًا مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين وتشريد الآلاف. وكذلك زج النظام البعثي الاسدي بالعديد من شباب طائفته العلوية في حرب من اجل بقائه في السلطة مما دفع الشعب السوري إلى اعتبار العلويين جزء لا يتجزأ من منظومة الحكم الاسدي .
بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، و نظام حافظ الأسد وابنه بشار في 2024 ،لا يزال تأثير حزب البعث وأيديولوجيته القمعية حاضرًا في سوريا والعراق، رغم أن الحزب نفسه فقد السلطة. في العراق استمرت القوى السياسية السنية في بعض المناطق ،بمحاولة إعادة بناء حزب البعث ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل في تحقيق غايتها، في حين أن في سوريا ماتزال الاحداث في بدايتها بعد هروب بشار الاسد وانهيار سلطته، وبالتأكيد هناك خلايا تحاول اعادة تنظيم نفسها وقد تسبب إزعاجا واضحا للسلطة الجديدة في سوريا، وربما يتم استغلالها من قبل بعض الدول التي خسرت مكانتها في سوريا، من اجل زعزعة الاستقرار والأمن في البلاد .
حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا، هو حزب ارتبط اسمه بالعديد من المجازر والجرائم ضد الإنسانية. من مجزرة حلبجة في العراق، إلى مجزرة حماة في سوريا، مرورا بمجازر أخرى ضد الأقليات والمعارضين، كان حكم البعث في كلا البلدين يتميز بالقمع والتصفية الجسدية لأي معارضة. رغم أن حزب البعث قد فقد السلطة في العراق وسوريا في شكلها التقليدي، إلا أن آثار سياساته القمعية ما تزال باقية في الذاكرة الجماعية لشعوب المنطقة، حيث تستمر المجتمعات في المعاناة من تبعات تلك المجازر .
وما يثير العجب في حزب البعث هي تلك الشعارات التي رفعها والتي تدعوا إلى في مقدمتها إلى الوحدة، وكان السبب الرئيسي في تشتيت الامة العربية، ولم يستطيع حتى التقارب مع نفسه في دولتين مجاورتين . وكانت الحرية واحدة من الشعارات الزائفة التي انبهرت بها الشعوب العربية، فكان اكثر الاحزاب دموية وقمعا للحريات . اما الاشتراكية التي تبناها فكانت مجرد شعارات تطلق لعامة الشعب، اما قيادة الحزب كانت تعتمد الرأسمالية وتسعى لكسب وجذب رجال الأعمال والمال في حياتها .

قد يعجبك ايضا