فلسفة العواطف

 

د . صباح ايليا القس

كيف يستطيع الانسان ان يفلسف عواطفه ؟ وهل تخضع العواطف لاشتراطات الفلسفة ؟ وهل يمكن تقنين العواطف او استنساخها او تقليدها وعن اي طريق او وسيلة يمكن استثمارها ؟

ليس من البساطة التحكم بالعواطف اذ هي تخرج احيانا عن السيطرة وتنطلق في فضاءات الهوى وما يشتمل عليه هذا العنوان من هيجان وطغيان احيانا وسكون وسكوت في احيان اخرى يعيش في ساعاته الانسان بين مَدِّ وجزر وانفتاح وانقباض حيث تهتاج الاعصاب وتتصاعد دفقات الدم في العروق فاذا ارتفع المسار صارت صرخة محزون ربما تردد صداها الجدران وقد تكون من ثمارها حصيلة طيبة على شبه قصيدة او مقطوعة او خاطرة او حكمة يضرب بها المثل لاحقا وربما تكون انشودة تتلاقفها اوتار الملحنين والمغنين .

مثل هذا الكلام الابداعي الصادح والصادم لا يعطي المبدع البليغ المكانة التي يستحقها فقط بل قد يصل بوساطتها الى درجة التعظيم والاكبار وقد يسجل اسمه في سجل الخالدين والعظماء الذين يشار اليهم في كتب وسجلات التاريخ المعرفي .

يستثمر الراوي والمؤرخ مثل هذه الدفقات ويسردها في كتبه ورواياته او في لياليه واماسيه مع مجموعة من الاصحاب والاحباب في جلسات السمر والمؤانسة فاذا كان المؤرخ او الراوي من اصحاب الضمائر ويتعامل بصدق وامانة مع مثل هذه البدائع فانه يسجل اسم القائل ويشيد بهذا القائل المبتكر والحساس , اما اذا كان باخلا فانه يستنكر معرفته بالقائل متعمدا وربما حقدا وانانية وربما تجاهلا لعلة في نفس يعقوب كما يتردد في الكتب والروايات او انه ينسبه الى احد الاعراب المغمورين من دون نسبة ايضا ..

الراوي اوالمؤرخ في ذلك الزمان كانت لهما صلاحية التلاعب في النسبة وتغييب القائل عن ادراك وتجاهل مقصود اما في هذه الايام فإن الكاتب مسؤول عن روايته ومن واجبه بل ويجب عليه ان يتمتع بمصداقية القول ويعطي لكل ذي حق حقه ..

يعرف عن الرجال انهم اقل كلاما من النساء الا اذا اضطربت احاسيسه فتختل عنده الطبيعة الصامتة حتى تجري على لسانه الكلمات معبرة عن حالة التوتر فتنطلق المشاعر قوية فاذا هي انفجار يعاكس الطبيعة المهادنة التي توارثها عبر الاجيال فيكون الصوت تعبيرا عن آهة مكتومة او صرخة مدوية الا اذا كان هناك حبيب يتراءى في الذاكرة فتنشط لغة الحب ويهدأ توتر القلب لا سيما اذا استطاع المبدع ان يبث شكواه ويسمع الحبيب نداه ويعينه على بلواه ..

فاذا هدأت الموجة واستقر المقام كانت الورقة والقلم سبيلا للتعبير وتنميق الكلام بحيث تنفتح المغاليق وتعلو لغة الانسجام وتتعاشق دفقات الهيام حينها لا يفكر المبدع الا برسم الصورة القلمية ليسجل لحظة الانفجار العاطفي لكن بحسب هدوء المقام وبساطة الكلام مبتعدا عن الخدش والتجريح بل يطير بحثا عن صفات وأخلية الحب العفيف المنطلق متساميا في اللفظ والمعنى عن كل قول او فعل سخيف .

ليس من المستبعد ان تعاند النفسُ الشاعرَ فتلتوي عليه وتعانده في القول بل وتجهده في وسائل التصوير والتعبير فيزداد ألماً ويزداد هذا التعسير بالرغم من وجود النشاط العقلي والعاطفي .. هذه الامور يعانيها الكتاب والشعراء في احيان المشاكسة والمعاكسة وربما يستمر الامر الى حين حيث تعود النفس الراضية فتزدهي الالوان وترفرف الطيور وتنطلق الالحان فيشدو الشاعر الاديب الى هواه ذلك الحبيب القريب فتكون قصيدة او مقالة او خاطرة يستطيبها البعيد والقريب .

قد يعجبك ايضا