صبحي مندلاوي
وصفت زيارة السيد مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان إلى تركيا بالمهمة والحساسة في سياق محادثات تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي وبحث الملفات الإقليمية حيث تأتي هذه الزيارة في وقت حرج تمر به المنطقة، لا سيما في ظل التطورات المستمرة في سوريا والحاجة الملحة لإيجاد حلول سياسية للصراعات التي تعصف فيها وفي المنطقة عموما.
لطالما كانت العلاقات بين إقليم كوردستان وتركيا عاملًا أساسيًا في التوازن الإقليمي. تعد تركيا شريكًا اقتصاديًا وسياسيًا مهمًا لإقليم كوردستان، خاصة في مجالات التجارة والطاقة، حيث تعتمد تركيا بشكل كبير على هذه العلاقات وعلى الجانب الآخر، تسعى أربيل إلى الحفاظ على علاقة بناءة مع أنقرة لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة.
زيارة بارزاني تأتي في هذا السياق الحساس، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية مع القضايا الأمنية، بما في ذلك التحديات المتعلقة بحزب العمال الكوردستاني (PKK) والصراعات في سوريا. وهنا يظهر الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الكورد كجسر للحوار بين تركيا والفصائل الكوردية الأخرى، بما فيها الكورد السوريون.
تمثل القضية الكوردية في سوريا واحدة من أعقد الملفات في الأزمة السورية. على مدار السنوات الماضية، تمكن الكورد السوريون، بقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، مما جعلهم لاعبًا أساسيًا في المعادلة السورية. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب كانت مصدر قلق لتركيا، التي ترى في أي تجربة كورديّة مستقلة على حدودها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
وهنا يأتي دور إقليم كوردستان، بقيادة السيد مسرور بارزاني، كوسيط يمكنه تقريب وجهات النظر بين أنقرة والكورد السوريين. يتمتع بارزاني بعلاقات جيدة مع القيادة التركية، وفي الوقت نفسه له نفوذ سياسي وأخلاقي على العديد من الفصائل الكوردية في سوريا. يمكن أن يشكل هذا النفوذ أساسًا لتسهيل الحوار بين الطرفين، بما يسهم في خفض التصعيد وفتح قنوات للحوار.
ومما لاشك فيه فإن الكورد، ممكن ومن خلال علاقاتهم مع تركيا والأطراف الدولية الأخرى، أن يكونوا طرفًا فاعلًا في حل الصراع السوري ومنها العمل على ضمان التزام
الكورد السوريين بعدم تهديد أمن تركيا، وفي المقابل ضمان حصول الكورد السوريين على حقوقهم المشروعة ضمن إطار سوريا موحدة. و تعزيز الحوار السلمي الكوردي – الكوردي حيث يشهد المشهد الكوردي السوري انقسامات داخلية بين المجلس الوطني الكوردي وقوات سوريا الديمقراطية ليكون أكثر فاعلية في المفاوضات السياسية ، كما ان القيادة الكوردية والزعامة البارزانية الحكيمة بالتحديد وبفضل علاقاته الجيدة مع القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وأوروبا، يمكن أن يكون صوتًا داعمًا لحل سياسي في سوريا يضمن الاستقرار ويحقق الحقوق المشروعة للكورد وغيرهم من مكونات الشعب السوري.
وفيما يخص تركيا، تمثل العلاقة مع إقليم كوردستان نافذة لتخفيف حدة التوتر مع الكورد في سوريا، خاصة في ظل الضغوط الدولية عليها للقبول بحل سياسي شامل للأزمة السورية. يمكن لأنقرة الاستفادة من هذه العلاقة لبناء نموذج للتعايش مع الكورد السوريين، بدلاً من تبني سياسات تصعيدية تزيد من تعقيد المشهد.
تمثل زيارة مسرور بارزاني إلى تركيا خطوة استراتيجية في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي. يلعب الكورد، بفضل موقعهم الجغرافي ودورهم السياسي، دورًا حيويًا في رسم مستقبل المنطقة. ومن خلال الدبلوماسية النشطة والتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، يمكن لإقليم كوردستان أن يسهم في بناء جسور الحوار بين الأطراف المتنازعة، بما يؤدي في النهاية إلى حلول عادلة ومستدامة للأزمات التي تواجه المنطقة.