مسرور بارزاني: ظافر في مقارعة الخصوم، ظافر في معارك البناء

مهند محمود شوقي

لحظة الإجهاز على العدو وشيكة
مسرور بارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان يتقن الحوار بلغات شتى راح يوظفها بذكاء في الآونة الأخيرة. هو معروف بفصاحته، كما يدرك كل من تابع مقابلاته الصحفية بأنواعها واستمع إلى كلماته ومداخلاته في المناسبات العامة. وإذ خاطب أخيرا الجمهور في كردستان وخارجه بلغة الشعر في قصيدته “كركوك وجع القلب”، ها هو يلجأ اليوم إلى “سلاح” جيد في ترسانته من أدوات الاتصال التي لا يكفّ عن صقلها. فقد استعان قبل أيام بصورة مميزة للتوجه باللغة البصرية إلى من يهمه الأمر، وبنبرة تبدو أشد جرأة في وضع النقاط على الحروف.

ففي لقطة لافتة تغصّ بالدلالات، يظهر مسرور بارزاني وهو يلعب الشطرنج لوحده، أو مع خصم مجهول، قد يكون أيا من الأطراف التي يمكن أن تباريه في هذا المجال أو ذاك. والرقعة تتربع تحت ناظريه على طاولة فارغة وواسعة. في جانب من الصورة، وقفت خزانة عليها تمثال صغير لحصان أبيض، يشبه ذاك الذي تراه على رقعة الشطرنج، ما يوحي برغبة في التشديد على أهمية الحصان الرمزية. وخلف رئيس الحكومة كرسيان فارغان فوقهما لوحة تم لفها بغطاء لا يخفي معالمها، كما لو أنها قد رُسمت حديثا وعرضها مؤجل إلى حين.

إن اختيار الشطرنج كحامل للرسالة التي يريد رئيس الحكومة إيصالها، مهم للغاية. فهو ليس لعبة رائجة فحسب، بل رمز نابض بالحياة لميدان تدور فيه المنازلات التي ينتصر فيها أحد الطرفين فيهيمن على الرقعة بعدما يطرد خصمه منها. والحصان، أو الفارس KNIGHT  بالإنجليزية، يتميز في عالم الشطرنج بسمات فريدة. فهو الأقدر علـى مفاجأة المنافس والقفز بجرأة ومرونة فوق حجر آخر لكونه يتحرك على شكل حرف L  أفقيا أو عموديا. وينتقل الحصان دوما بخفة، من إحدى ضفتي الميدان البيضاء أو السوداء، لينتهي به الأمر في الضفة الأخرى حيث يقضي على الحجر – العدو.

الحصان، أو الفارس المقدام، يربض في الصورة في مقدمة أحجار رئيس الحكومة متحفزا للانقضاض على الخصم ودحره في عقر داره. والأجدر بهذا الخصم، أو المنافس المجهول، أن يحذر ضربة مفاجأة أو خطوة جريئة، تسحب البساط من تحته وتنسف شعوره بالاطمئنان إلى قوته التي يظنها لا تُقهر. وهذه الهجمة التي لا يتوقعها، ستكون محسوبة بدقة حتى تصيب هدفها بدقة وتضمن النصر للفارس المهاجم.
هكذا تبدو لحظة الإجهاز على العدو وشيكة. ولم يعد الهجوم في حد ذاته موضع تساؤل وإنما لم تحسم القيادة توقيته حتى الآن. ولعلها قررت أن تعطي الأطراف الأخرى فرصة أخيرة. وإذا لم تسارع إلى تحكيم العقل وإعادة الحق إلى نصابه قبل فوات الأوان، فلن تنفذ بجلدها من مقاتلي البيشمركة البواسل.
ويبقى النصر معقودا برايات البيشمركة التي يقودها باقتدار مسرور بارزاني.
والزعيم الذي يخرج من ميادين المنافسة ظافرا، ينتصر في معارك البناء كقائد حكيم نذر نفسه لخدمة مواطنيه، في مجالات أخرى. وهو يمضي أبدا إلى الأمام على طريق الإنجاز بالرغم من المعوقات التي تضعها في طريقه بعض القوى المحسوبة على العراق. والمفارقة أن هذه الأطراف تشارك في حكم العراق مع أنها لا تطبق الدستور العراقي الذي يفترض فيه أن يكون أساس السلطة والوثيقة الناظمة لعمل مؤسساتها وصلاحياتها. وتتسلح هذه القوى بصلاحيات أناطتها لنفسها بهدف إيقاف عجلة التطور في كردستان، التي تمضي ولله الحمد من نجاح إلى نجاح في ظل قيادة دولة رئيس الوزراء.

لقد استغلت تلك القوى التي تنامت سطوتها في أعقاب 2003 صلاحيات غير دستورية منحتها لنفسها. وتبقى هذه السلطات موضع خلاف لأنها تتصل بفكرة حكم الأغلبية ونظام مركزية القرار التي حاربها الحزب الديمقراطي الكردستاني قبل ظهور هذه القوى. ويعرف القاصي والداني قصة الصراع الدامي الذي خاضه الحزب في إقليم كردستان وخارجه ضد واحد من أبشع نماذج الحكم المركزي الدكتاتوري في العالم الذي بطش بالعراقيين عامة وارتكب جرائم إبادة ضد الكرد في الأنفال وحلبجة.

وتدل مراجعة التاريخ الحديث على أن الأنظمة قد تتبدل من حيث الشكل وتركيبة السلطة إلا أن مركزية الحكم وجوهر عملية صنع القرار لا تتبدل. هكذا، مرت العلاقات بين كردستان وبغداد بمحطات رئيسية بدأت بالهجوم الكيمياوي عام 1988 وحملات التعريب والتهجير والقتل من دون رحمة على امتداد سنوات، ثم كانت مصادرة قوت الشعب الكردي في عصر ما يعرف بالعراق الديمقراطي الجديد بعد عام 2003، إلى أن وصلت محطتها الأخيرة التي تتمثل في استهداف اقتصاد الإقليم بعد تجميد رواتب موظفيه بحجج واهية في جزئها الأكبر.

والحق، أن الوجه السلبي للحكم في بغداد يتمدد ويعزز سلطته، في هذا الزمن العراقي الذي تسوده ديمقراطية مبهمة لا تحظى بالولاء الصادق لجميع الأطراف. والحكم ماض في تصويب أسلحته التقليدية إلى طموحات إقليم كردستان وإنجازاته التي تحققت بسواعد أبنائه وبتوجيهات قيادته الحكيمة.

ويطول الحديث عن سجل الإقليم المشرف، بدءا بدحر قوات البيشمركة بقيادة الرئيس مسعود بارزاني الإرهاب، وتحصين كردستان من خطر قوى الشر التي تعيث فسادا في المنطقة وترسيخ أسس التعايش والسلام بين مكونات الإقليم حتى صار المكان الأكثر أمانا على مستوى العراق والمنطقة. وعندما تسلم الراية مسرور بارزاني، سار على خطى والده وجده الزعيم الملا مصطفى بارزاني، فواصل صناعة النجاحات. وبحسب دائرة الإعلام والمعلومات، فإن حكومة إقليم كردستان نفذت عشرات المشاريع الإستراتيجية الكبرى، ووضعت حجر الأساس لعشرات المشاريع التي أنشئت لخدمة المواطنين، ومعظمها إستراتيجي الطابع يساهم في تعزيز البنى التحتية الاقتصادية للإقليم.

وعن الإنجازات التي سجلها الإقليم في ظل مسرور بارزاني على صعيد الازدهار العمراني وقطاع الطرق والتعليم والصحة والأمن الغذائي والأمن المائي والصناعة… حدّث ولا حرج. وليس غريبا ممن يفوز في ميادين المنافسة أن يكون النصر حليفه في معارك البناء.

قد يعجبك ايضا