خالدة خليل
لابد من التأكيد على قدرة الخطاب العقلاني والمتوازن في إرساء دعائم الاستقرار والأمن السلمي للمجتمعات من أجل تحقيق التعايش الحضاري بين المكونات وخلق التنمية المستدامة ، لذا كان قبول الاخر من خلال الخطاب السلمي هو رسالة عالم اليوم لتمتين أواصر العلاقات وبناء جسور المودة والثقة بين جميع المكونات ،في ظل التقدم التكنلوجي المتسارع الذي تحول الى سلاح ذو حدين .
يفترض أننا قد تجاوزنا مرحلة التعريف والإعتراف بالمكونات بعد مرور أكثر من عشرين عاما على التغيير الذي حصل في العراق ، والانتقال الى مرحلة كيفية رسم إستراتيجيات لإدارة التنوع على أساس المواطنة وحقوق الانسان .
الإ أننا نلاحظ شيوع خطاب الكراهية وبروزه من خلال
التحريض الاعلامي وبالاعتماد على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة لتشكيل وجهات نظر وتوجهات سياسية سلبية لطرف ضد طرف آخر من خلال التلاعب بالواقع والمعلومات بشكل مظلل أو بتحريف الحقائق لصالح الطرف الذي يروج له ، وقد يؤدي هذا التحريض الى تأثير كبير على سلوك المشاهد والناخب أحيانا ، فتارة نشاهد ذلك التحريض ضد قومية معينة ، كما يحدث بإستخدام بعض القنوات والأقلام المأجورة ضد الكورد ، وتارة تستخدم ضد مكون آخر فتزداد بذلك الانقسامات المجتمعية .
ومثل هذا التحريض الذي يستخدم في سياقات متعددة منها ماهو سياسي أو ديني أو عنصري يؤدي في النهاية الى تأجيج الكراهية والعنف في المجتمع .
مجتمع ديمقراطي
إن التصدي لخطابات الكراهية لايعني التقييد أو حظر الحرية كما يدعي البعض ، لأن ممارسة الحرية يجب أن تكون ضمن حدود واضحة المعالم ، وبناء على الحقوق والواجبات للوصول الى مجتمع ديمقراطي يتمتع بحرية التعبير وينبذ خطاب الكراهية ، ويضمن قبول الآخر من خلال إعطائه مساحة كافية من الحوار ودعم الاعلام الحر المستقل لتمثيل جميع أطياف المجتمع ومنهم الأقليات التي هي بأمس الحاجة الى إهتمام مضاعف بسبب ماوقع عليهم من ظلم ومعاناة خلال قرون زمنية ومازال مستمراً للأسف ، فقد سبقت غالباً عمليات الإبادة الجماعية خطابات كراهية وتحشيد ضد مكون من المكونات من خلال بث العنصرية والتفرقة تجاه الأقليات .
أن حرية الرأي مبدأ ديمقراطي أثيني ظهر في القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد ، حيث كان التعبير عن الرأي واحداً من قيم الرومان منذ عام 509 قبل الميلاد . وتم خلال الثورة الفرنسية 1789 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص على الحق في حرية الرأي ، ومن ثم كل ما نصت عليه المواثيق والمعاهدات الدولية فيما بعد .
حرية التعبير إذاً هي حق من حقوق الانسان بل هي جزء من مشاركة الإنسان في المجتمع سياسياً وفكرياً ، من خلال التعبير عن مشاعره ، وتعد من أساسيات بناء الديمقراطية في البلدان المتحضرة ولاسيما حق الإحتجاج السلمي وحرية الصحافة والرأي والرأي الاخر ، وتلك قد نص عليها الدستور العراقي في باب الحريات ، الا أن إستغلال الديمقراطية الناشئة بأدواتها لم تسمح بالتعامل مع تلك النصوص بواقعيتها فكانت احدى أهم معرقلاتها تتمثل في تلك الاحزاب التي تضع العصي في عجلة التقدم نحو الديمقراطية المستدامة التي تدعمها آليات الحوار والتواصل كونهما أداتان فعليتان في التنمية والتقدم .
ومن أجل عدم المساس بهذا الحق الهام وهو حرية التعبير ، وجب تمييزه عن خطاب التحريض الإعلامي حيث تسمح حرية التعبير بمناقشة الآراء بينما يعمل التحريض على التحشيد ضد الاخر لإيذائه من أجل التمهيد للعنف والإقصاء .
حرية التعبير هي احدى وسائل تنمية وتطوير المجتمع بينما يعد التحريض وخطاب الكراهية أدوات لتدمير المجتمع . كما يمكن تعظيد نشر حرية التعبير من خلال المناهج المدرسية ومنظمات المجتمع المدني للتقليل من آثار خطاب الكراهية .
ومن أجل الارتقاء بلغة الخطاب السياسي والإعلامي لابد أن تخرج خطابات السياسيين والإعلاميين من نمطيتها الى لغة العالم السياسي المتحضر والدبلوماسي ، لكي تنتقل من الواقع السياسي الآسن والمتخبط والعشوائي الى لغة الخطاب الديمقراطي الذي يعتمد إستراتيجية قبول الاخر والتداول السلمي للسلطة .
فالتحريض الإعلامي المدعم بخطاب الكراهية ظاهرة خطيرة يترتب عليها آثاراً سلبية تهدد الأمن والإستقرار عامة ، وتؤثر على فئة الشباب خاصة وقد تزج بهم في غياهب الكراهية التي يتولد عنها العنف والحقد والعنصرية فتنتج مجتمعاً طائفياً ومريضاً .
ولتفادي هذه المخاطر أجمعها وإنقاذ المجتمع والدفع بالديمقراطية الناشئة الى مستدامة ، تصبح المسؤولية بين الحكومة والمواطن مشتركة ومتبادلة .