هل كان 2024 عام الازمات في العراق ؟

نهاد الحديثي

اغلق عام 2024 ابوابه مع تسميته بعام الازمات في العراق, وعلقت القوانين الخلافية وابرزها قانون العفو,وقانون الانتخابات ومراجعة قانون المسألة والعدالة — فكان العام الماضي ملىء بفضائح التسريبات وتفشي الفساد والرشوة في مؤسسات الدولة, بعد تورط موظفين يعملون في مكتب رئيس الحكومة بـ”التنصت” على قيادات الصف الأول., نفى السوداني تلك الأنباء ووصفها بـ”كذبة القرن”، على غرار “سرقة القرن”.وهرب في عام 2024، المتهم الأبرز في سرقة أمانات الضريبة (نحو 4 تريليون دينار)، نور زهير، إلى الخارج قبل أن تصدر ضده أحكام. أرتبك “الإطار التنسيقي” بعد أنباء “التنصت”، وبدأ الحديث عن “إقالة الحكومة” و”الانتخابات المبكرة”.وقرر المالكي، وسط ذلك، تصعيد مطالبه بتعديل قانون الانتخابات، وهو ما يُفهم منه أنه محاولة للتأثير على شعبية السوداني.
البرلمان لم يتحرك حتى الآن بشأن قانون الانتخابات، وما زال المجلس يتعافى من أزمة استمرت لنحو عام كامل بسبب غياب رئيسه.شهدت تلك الفترة فصولًا من الخلافات والعراك بالأيدي بين الأحزاب والنواب بعد تنحية محمد الحلبوسي عن رئاسة المجلس.

ودخلت القوى السياسية، على إثر ذلك، في تحالفات غير تقليدية؛ تحول الحلفاء إلى أعداء والعكس، لتشكيل حكومتي ديالى وكركوك المحلية (لاتزال الأخيرة على كف عفريت)، واختيار رئيس البرلمان محمد المشهداني. في تلك الرحلة، أخفق “الإطار التنسيقي” في تمرير قانون الأحوال الشخصية (الشيعي)، فقرر إغراء السنة بـ”العفو العام”، والكرد بـ”تعويض أراضي كركوك”.ورغم ذلك، فشل الجميع في تمرير أي قوانين، وقرروا الهروب إلى عام 2025، على أمل أن تضع السنة القادمة إجابات عن كيفية إدارة السلطة التشريعية ومعالجة توقف الاستجوابات.

وفشل الاستبدال الوزاري, وخلافات سياسية وحزبية مثيرة وتوقفت معها الاجابات حول حل الحشد الشعبي ونزع سلاح الفصائل وحددت إسرائيل، وفق التسريبات، “بنك أهداف” في العراق، وكادت الحرب أن تشتعل في تشرين الثاني 2024.منعت الولايات المتحدة الحرب، وقدمت بغداد تعهدات بـ”لجم الفصائل”، ونشرت قوات خاصة على الأرض لمنع إطلاق الصواريخ,,تدخل علي السيستاني، المرجع الديني الأعلى، لأول مرة بعد خطابات أحداث تشرين 2019، وطالب بـ”حصر السلاح” على لسان ممثل الأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، الذي زار النجف مرتين خلال شهر.وكان السيستاني قد أوقف في خطاب سابق تورط العراق في الأحداث اللبنانية، وحصر التفاعل مع تلك الأزمة بالجوانب الإنسانية والدبلوماسية.

وعلى صعيد مجلس النواب العراقي، فقد انتخب المجلس في 31 تشرين الأول 2024 النائب محمود المشهداني رئيساً له بعد نحو عام على إقالة رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية,, وكان البرلمان قد فشل في انتخاب رئيس له عدة مرات في ظل الخلافات السياسية والانقسامات داخل البيت السني, فيما عطلت القوانين الجدلية (تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وإعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، والتعديل الثاني لقانون العفو العام) جلسات عديدة لمجلس النواب، ورغم تمديد الفصل التشريعي للبرلمان لمدة شهر وانتخاب رئيس للمجلس، إلا أن تلك القوانين لم تر النور، وتم ترحيلها إلى بداية العام الجديد بسبب استمرار الخلافات السياسية عليها
كردستان العراق كان فيها خلافا كرديا داخليا بشأن قانون الانتخابات في الاقليم, اولهما يتعلق بالكوتا للمكونات (المسيحيين والتركمان والأرمن) حيث ألغت المحكمة 11 مقعدا مخصصا لهم حسب قانون انتخابات برلمان كردستان من أصل 111 مقعدا,, وثانيهما فقد قررت المحكمة إجراء الانتخابات في 4 دوائر انتخابية بدلا من الدائرة الانتخابية الواحدة كما كان في القانون السابق، وكان هذا الخلاف بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني سببا في تأخير إجراء انتخابات برلمان الإقليم لأكثر من سنتين, وعرقلت هذه الخلافات جلسات البرلمان، وأعقب ذلك قرار سابق من المحكمة الاتحادية بعدم دستورية جلسات برلمان كردستان بسبب تجاوز عمره القانوني وتمديده بطريقة غير دستورية، حسب قرار المحكمة, واعترض ممثلو مكونات الإقليم، وهي “الكلدانية والآشورية والتركمانية والسريانية”، على قرار المحكمة في بيان مشترك خلال مؤتمر صحفي عُقد بعد إصدار القرار,واخيرا توصّلت 7 أحزاب كردية -على رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني، وأحزاب أخرى تحظى بنفوذ واسع- لاتفاق على إجراء الانتخابات بعد أكثر من عام على الخلافات التي عصفت بالوضع السياسي، وكان على رأسها آلية توزيع الدوائر الانتخابية وسجل الناخبين في مختلف مناطق الإقليم , وتمخّض الاتفاق عن إجراء الانتخابات في 20 ت الاول وفق 4 دوائر انتخابية، بواقع دائرة لكل محافظة من محافظات الإقليم الأربع؛ وهي أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، مع الاعتماد على سجلات النلخبين للمفوضية
العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وبيانات وزارة التخطيط الاتحادية لتحديد نسبة مقاعد المحافظات، مع الاتفاق على مراقبة الانتخابات من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومفوضية الانتخابات الاتحادية.

في 31 أيار 2024، قرر مجلس الأمن الدولي، إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) أواخر العام 2025، وذلك استجابة لطلب تقدمت به الحكومة العراقية, وفي 2024، أجرى العراق أول تعداد سكاني شامل منذ 37 عاماً، وأعلنت الحكومة العراقية، أن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 45 مليون شخص، وأن معدل النمو السكاني يبلغ 2.3%، وفق ما أظهره التعداد العام للسكان والمساكن، الذي جرى في البلاد يومي 20 و21 نوفمبر, كما تأتي ازمة المياه والجفاف ومشكلات الكهرباء التي لاتنتهي وازمة السيولة النقدية وارتفاع الدولار وفشل الحكومة في السيطرة على ارتفاع الاسعار والدولار, والغلاء الفاحش للعقارات بلا حلول, كلها معاناة تضرب المواطنين.

جعلت التقلبات المفاجئة التي شهدتها المنطقة، لاسيما في سوريا، المعركةَ السياسية التي يخوضها حلفاء إيران في العراق لإخراج القوات الأميركية من البلاد أكثر صعوبة وأبعد عن تحقيق هدفها، في ظل توقعات بأن يتحول بقاء تلك القوات إلى مطلب لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني التي قد تستثمر محاذير عودة تنظيم داعش كنتيجة للأوضاع السورية المستجدّة للتخلي عن المطالبة باستكمال رحيل الجيش الأميركي عن البلاد تجنّبا لإثارة غضب إدارة الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب وما قد تفرضه على بغداد من ضغوط سياسية واقتصادية شديدة
يبقى العراقيون على يقينٍ بأنَّ تحديات المستقبل ستكون أقلَّ، وأنَّ الطريق نحو عراقٍ أقوى وأكثر استقراراً أصبح أكثر وضوحاً من أيِّ وقتٍ مضى, وتبقى خلافات الاحزاب كبيرة وتركت النهايات سائبة , ويبقى الفساد والفوضى السياسية عنوان العراق والطامعين بالسلطة والمال
عام سعيد لبلدي العظيم, ولشعبنا الكريم الصابر المحتسب لله, عام سعيد لارضنا المعطاء التي ما زالت تمنحنا الفرصة في تعديل مسارنا، وحظ أوفر للعراقيين الذين ما زالوا يبحثون عن إنسانيتهم الضائعة في بلد الحضارات

قد يعجبك ايضا