قرية مامشة ورموزها الکوردیة في كركوك

لطيف دلو

قرية مامشة من القرى القدیمة العریقة فی ناحیة قرەحسن التابعة لمحافظة كركوك التي تقع ضمن منطقة گرمیان الاكثر سخونة سياسيا في الشأن الكردي ، ورد اسمها في الخرائط الحكومية القديمة بإسم ( مامة أشا ) وهي قريبة من اسم طائفة من الكرد الكاكئية واصبحت بأسم مامشة لسهولة لفظها وتبعد عن مركز المحافظة حوالي 35 كم شرقا على طريق قادر كرم – كركوك على الحافة الشرقية لجدول ( خر مامشة ) لتصريف مياه الامطارمصدره من اراضي حفتاچشمة وتحدها من الشمال قرية چيمن وشورجة ومن الغرب قرية سالايي وباوا ومن الجنوب قريتي طوبخانة وتازدي وتبة سوز ومن الجنوب الشرقي نوروز وداربـسرة ومن الشرق چالة دووانة وتاوير برز ويحدها عن قرية تپة سوز جدول ماء يسمى قرقجا دائم الجريان.

قلعة مامشة 

تقسم القرية الى محلتين الشمالية والجنوبية تلة ترابية اصطناعية بقاعدة عريضة تسمى ( قلعة مامشة ) بعلو اكثر من عشرين مترا عن مستوى ارض القرية كانت عليها اطلالة بناية قديمة متكونة من غرفة كبيرة كديوان او مضيف لتجمع اهل القرية وايواء الضيوف عند الملاك او كبير شخصيات القرية وغرفة خاصة كجامع مع طارمة أمامیە بطول الديوان للجلوس صيفا وبقايا جدرانها كانت بعلو مترين بدون سقف في الخمسينيات وأسفا هدمت من قبل اهالي القرية إلا زاوية  الدرج الصاعد الى سطح البناية بقيت على شكل منارة يجلسون في ظلها أهل القرية للاستمتاع بمناظر المنطقة الى السبعينيات القرن الماضي وسنويا كان يعشعش عليها طائري لقلق وبتغريدهما يملآن القرية بأعذب سمفونية إلى ان أزالتها الامطار واليوم لا يشعر المرأ بوجود اي أثر لتلك البناية ومن الممارسات الموروثة التي بقيت قائمة على قمة القلعة هي إعلان الافطار من قبل طبال في جميع ايام شهر رمضان سنويا الى ان جرفت السلطة القرية في عمليات الانفال ، ولكون القلعة من اهم رموز القرية وتعلق الناس بها ولمعرفة الاجيال التي لم تحظ بمشاهدة تلك البناية عليها وللاجيال القادمة اود ان ابين لهم هيكلها بوضوح كما كانت عليها طبقا للنموذج ادناه.
بعد ان هدم هذا الصرح التأريخي بسنوات قام ملاك القرية ببناء قصر من الحجر والجص فی الخمسینیات على تلة قريبة من بيته كديوان ومضيف وادارة شؤون سلطته وبعد تركه هدمته الظرؤف الجوية ولم يبق له الاثر إلا اكوام من الجص والاحجار.
 
مميزات سكان القرية

بشکل عام لم یکن أنذاك ای إستقرار للسکن فی القرى والارياف ومنها هذه القرية والتنقلات الجماعیة والفردية کانت سائدة تحت سلطة الاغوات التی أنتهت بسقوط العهد الملکی عام ١٩٥٨ وكان عدد بيوت القرية أكثر من سبعين بيتا في جميع الاحوال حسب مواقع البيوت القديمة والحديثة  والمساحة المحددة للسكن فيها وتوسط بیوت القریة جامعا کبیرا مع دار مخصصة لسكن إلامام الذي كان يقوم بالامامة وبتدريس اطفال القرية القراءة والكتابة والعلوم الدينية في غرفة خاصة في الجامع وعلى الرحلات كما في المدارس الحكومية واول مدرسة ابتدائية انشأت فيها خلال السبعينيات بمحاولة من الراحل عبدالله الحاج رسول بتبرع قسم من ارض بیته لبناءها.

 كان اهل القرية يقومون بتربية الحيوانات كالابقار والاغنام والدواجن ويعملون في الفلاحة بزراعة الحنطة والشعير ديما شتاءا وبزراعة الرقي والبطيخ واللوبيا صيفا على ضفاف ماء نهر روخانة وكانوا ينقلون محاصيلهم من الفواكه الى كركوك والحبوب الى طوزخورماتو على الحيوانات قبل ظهور السيارات وكانت القرية تشتهر ببعض المهن لم تكن في كثير من القرى الاخرى كالحلاجة والنجارة وتصليح اسلحة خفيفة وحياكة ونسيج المفروشات والاغطية وتمارس فيها من الالعاب الموروثة  منها بالاسماء الكوردية الصرفة ( دامە و نۆڕسکان وسێ ڕسکان ) وهی بمثابة لعبة شطرنج فی الریاضیات وكذلك العاب ( گۆڵێن و قولان وکەڵەک شکێن و گولان ) وهی من الالعاب التی تحتاج الى المهارە والمراوغة ولعبة مشهورة وهی ( کلاوین ) تحتاج الى ذهن حاد وتمارس في ليالي الشتاء الطويلة واثناء شهور رمضان سنويا.

الموارد المائية للقرية

كانت القرية تعتمد على ماء ( كاني ژالاكان ) شمال القرية للشرب والغسيل ولا يكفي لسقي المزروعات وقام ملاك القرية الشيخ رشيد الشيخ حميد بحفر آبار متصلة فيما بينها بانفاق ( كهريز ) لمجرى الماء ابتداءا من منخفض بين تلي (قەڵا کۆنەکە و سوەیل دز) الى جنوب جبل جيمن وبالقرب من شمال القرية تم تحويل فرع منه الى بيته مرورا بشرق القرية وعند طريق (حه وزه كه ) ترك منفذا لارواء اهالي القرية وبقي الفرع الرئيسي يصب في الاراضي بين تلتي (سوهيل دز وقەڵاکۆنەکە) لاغراض زراعية وباء المشروع بالفشل لانعدام إدامته.

المواقع الاثرية والمشهورة في القرية

أهم المواقع الاثرية المشهورة في القرية شرقا موقع ( قلاجنان ) لعله كان موقعا حصينا لجيش ما او خانا لاستراحة القوافل قديما جدا وفي الجنوب منها تل سويلدز عليه قبران طويلان نسبيا وبجانب كل منهما مزارا دائريا حجريا بداخلها دائرة مماثلة في وسطها صخرة مسطحة عليها كومة احجار كروية بيضاء وحمراء و خضراء وسوداء وبعد سقوط نظام البعث ذهبت اليها لاصورها وفي إعتقادي كانت اعدادها تمثل عدد اشهر السنة والالوان فصولها الاربع ولم اجد اي اثرلهما في عملية تخريبية مقصودة.

وفي غرب هذه التلة توجد قلاكونةكة وهي تلة طويلة الشكل بمحاذات القرية ويقال بانها من القلاع القديمة ولكن لا توجد عليها اثار او بقايا مواد إنشائية بل عثرت على عظام بشرية اثناء الحفر لانشاء مباني عليها حديثا ومقابلها غربا عبر(خرمامشة) واشجار الدفلة مقبرة خليفة بابير تعود لآلاف السنين وهي تلة مرتفعة نسبيا تدفن فيها اموات القرية الى يومنا هذا وتضم تأريخ القرية وشخصياتها ومزارا لكل من اغترب عنها حيا او ميتا وفي الجنوب منها تلة ( كردة شيخةيي ) وهي مقبرة قديمة جدا تقابل القلعة الموجودة في وسط القرية لربما تعود لآلاف السنين واكثر وكانت القبور ظاهرة الى الستينيات القرن الماضي واندثرت بسبب حراثة سطح المقبرة للزراعة ، ومن المظاهر الغريبة فيها العثور على خناجر وسكاكين ومواد حديدية مزنجرة  من جراء تجريف تربتها  اثناء الامطار وبمجرد ملامستها تصبح ترابا وفي جنوب هذه المقبرة يوجد مرتفع فيه اثر جص واحجار ويسمى ( گچة گومت ) لربما كان موقعا سكنيا وتعود اليهم مقبرة گردة شيخةيي ، وفيه اثار مطحنة مائية وساقية ماءها كانت ظاهرة الى السبعينيات.

في چم كاريز على طريق تبةسوز ونوروز یوجد حوض ماء قديم جدا جداره مبني من الصخر بشكل هندسي مربع وفيه فتحة لخروج الماء واسفا تم هدمه مؤخرا من قبل احد اهالي القرية بحجة التوسيع لزيادة الماء وبالقرب منه وعلى تلة ترابية مرتفعة يوجد اثر مطحنة مائية واضحة المعالم تعمل بماء خرمامشة وكذلك هناك موقعين ظاهرين لمطحنتين مائيتين على تلة اخرى جنوب تلك المطحنة كانت تعمل بماء خرمامشة كذلك .
سميت المنطقة المنخفضة على شاكلة وادي بالقرب من موقع قازانكة والى نهر قرقجا ب ( چم هنديكة ) وجاءت هذه التسمية من إسكان عوائل الهنود في الجيش البريطاني اثناء الحرب العالمية الاولى في ذلك الموقع وعلى حافة النهر.

كل تلك المطاحن المائية شرق وغرب خرمامشة تؤكد بان هذا الجدول لم يكن في قديم الزمان  لتصريف مياه الامطار بل كان نهرا مائيا دائم الجريان وما سمعنا من معمرى اهل القرية بأن سمعوا من ايرانيين قدماء بأنهم كانوا يعبرونه بصعوبة عند مرورهم المنطقة بقوافل تجارية.

الكوارث التي حلت بالقرية 

كانت القرية هادئة أمنة جنة الله على الارض الى نهاية عام 1961 حيث هاجمت المنطقة قوة عسكرية من كركوك بامرة العقيد خليل للترهيب والتخويف وخيمت في موقع البيادر شمال القرية بالقرب من اشجار ژاڵا  والقوا القبض على الكثير من رجالها مع الضرب والاهانة وتعليقهم بمدافع الدبابات بتهمة امتلاكهم الاسلحة وبعد اسبوع من التوقيف اطلق سراحهم بالرشوة ، وفي عام 1963 هاجمت المنطقة قوة عسكرية اخرى معززة بالدبابات والمدرعات وباسناد طائرات مقاتلة وبقصف مدفعي للقرى من بعيد وخشیة من الاعتداء علیهم کما سبق ، نزحوا اهل القرى الى الوديان والهضاب البعيدة تاركين كافة ممتلكاتهم ، واستشهد خمسة من رجال القرية وهم بكر الحاج رحيم ومحمد الحاج صالح وعزيز و عول الحاج رسول مؤذن القرية وحسين السيد محمد ( رحمهم الله ) ، مع نهب وسرقة كافة ممتلكات القرية من الحبوب والملابس والمفروشات والحيوانات من الاغنام والابقار والحمير والدواجن وصولا الى بيوضها من قبل عشائر معروفة مرافقة للقوة وبقيت القوة في قادر كرم ليلة واحدة وعادت الى كركوك وبعدهاعادت اهالي القرية الى بيوتهم الخالية من ابسط مستلزمات الحياة اليومية وكانت بمثابة كارثة كبرى حلت بها وقرى المنطقة واحدثت فقرا مقفرا حرم عشرات الطلاب من مواصلة الدراسة وإزالة الكثير من الحرف والاعمال فيها.  

استمرت العمليات العسكرية على طريق الموت كركوك ـ قادر كرم بين فترة واخرى وبصورة مستمرة واصبحت منطقة قرة حسن ساحة عمليات ساخنة وفي احدى الهجمات القي القبض على العديد من رجال القرية واثناء التعذيب منهم فقد الحياة ومنهم قطعوا اذنيه واصابع يديه ومن بقي في الحياة احيلوا الى محكمة عسكرية في الموصل حكمت عليهم بالاعدام وبقوا في السجن وهم قاب قوسين او ادنى من حتف حياتهم وحال بينهم العفو واطلق سراحهم ،ومن الكوارث التي لحقت بالقرية إنهم حفروا نفقا في القلعة لحمايتهم من الطائرات ولهشاشة تربتها هدم على مجموعة اطفال وفقدوا الحياة قبل اخراجهم .

الطامة الكبرى التي حلت بالمنطقة عام 1988 هي عمليات الانفال التي نفذتها السلطة في كوردستان ومن ضمنها قرية مامشة عروسة المنطقة فقامت بترحيل سكانها الى جمجمال وبني صلاوة ونقل سجلات نفوسهم الى تلك المناطق مع تحريف محل تسجيلهم لاحصاء عام 1957 من كركوك الى هولير مع انفلة العديد من سكانها ونهب وسرقة ممتلكاتهم وتجريف قبور الموتى على تلة مقبرة خليفة بابير ومن ثم تجريف القرية باكملها بالشفلات لامحاء اثارها واصبحت كومات من التراب واسكنت عوائل عربية من الرعات فيها بالقرب من حوض الماء في عمليات التعريب .

عودة اهل القرية

لم تكن تلك الالام والاضطهاد إلا حبة خردل من بيادر الكوارث والنكسات التي حلت بالقرية على هويتها وبعد سقوط النظام عام 2003 عادوا المرحلون الكورد الى مناطق سكناهم السابقة ولكن بسبب عدم إمكانية أهل القرية العائدون من إعادة بناء سكناهم المهدمة وتامين مستلزمات الفلاحة وتربية الحيوانات لهم  وكذلك عدم استجابة حكومة الاقليم لمساعدتهم لم يكن لهم الاقبال على العودة اليها الا لعوائل قليلة يعملون في تربية الماشية وكان الاجدر بحكومة الاقليم مطالبة الحكومة العراقية على إعادة بناء جميع القرى المهدمة في عمليات الانفال بعدد نفوسها تجسيدا لسيادة وشموخ كوردستان النضالي وإزالة غبار وعواقب التعسف والاجرام التي لحقت بها عبر التاريخ  . 
28 / 12 / 2024    
    

قد يعجبك ايضا