العلاقات الكوردية العربية التطور التأريخيّ والحاضر

سردار علي سنجاري

الجزء الاول

تعود العلاقات الكردية العربية إلى العصور القديمة، وقد شهدت هذه العلاقات العديد من التحولات والمرحلة الزمنية التي تميزت بالتحالفات والصراعات على حد سواء. فالكورد والعرب يعيشون في منطقة جغرافية واحدة، وتحديدا في مناطق الشرق الأوسط وبعد اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 تم تقسيم المناطق الكوردية بحيث تم ضم جزء من الكورد قسراً إلى الدولة العراقية وقسم إلى الدولة السورية وبقى القسم الأكبر ضمن حدود الدولة التركية وحافظت ايران على خريطتها ومن ضمنها المكون الكوردي . وقد تداخلت المصالح الكوردية العربية بشكل كبير بعد تلك الفترة . من الصعب تحديد نقطة بداية دقيقة لهذه العلاقات ولكن يمكننا تتبع تطور هذه العلاقات عبر التأريخ حتى العصر الحديث.

تعود بدايات العلاقات بين الكورد والعرب إلى الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. عندما دخل العرب إلى منطقة ما يُعرف اليوم بالعراق والشام كان هناك تواجد كوردي في المناطق الجبلية التي تمتد بين العراق وسوريا وتركيا. في البداية كانت العلاقات بين الكورد والعرب تتسم بالتعايش السلمي حيث كان الكورد جزءًا من الإمبراطورية الإسلامية التي أسسها العرب. ومع مرور الوقت أصبح الكورد جزءًا من الجيوش الإسلامية في العديد من الفتوحات حيث برز العديد من القادة العسكريين الكورد في صفوف الجيوش الاسلامية . من أبرز هذه الشخصيات كان صلاح الدين الأيوبي الذي كان كورديا وحقق شهرة كبيرة في العالم الإسلامي بعد أن قاد المسلمين ضد الحملات الصليبية في القرن الثاني عشر. ولكن تلك الفترة لم تتسم بالطابع القومي بل كان التأثير الديني الإسلامي هو الأساس في التعامل مع كافة المكونات المجتمعية . هذا وقد ساهم العديد من رجال الكورد في مجالات مختلفة في تعزيز الإسلام في فترات زمنية مختلفة.

خلال العصور الوسطى، بدأت العلاقات الكوردية العربية تتخذ طابعًا مختلفًا مع وصول الإمبراطورية العثمانية. في هذه الفترة كانت معظم الأراضي الكوردية تحت حكم الإمبراطورية العثمانية التي كانت دولة متعددة الأعراق والديانات بما في ذلك العرب والكورد . كان الكورد يشكلون جزءًا من الجيش العثماني كما أن العديد من الأسر الكردية كانت تتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة في مختلف أنحاء الإمبراطورية.
ومع ذلك فإن العلاقات بين الكورد والعرب لم تكن خالية من التوترات في بعض الأحيان. ففي بعض الحالات كانت العائلات الكردية التي تشغل المناصب العسكرية والإدارية تواجه منافسة مع العائلات العربية. لكن بشكل عام كانت العلاقة بين الكورد والعرب في إطار الإمبراطورية العثمانية مبنية على التعاون والتعايش الاخوي خاصة في المناطق التي كان يتواجد فيها الكورد بكثافة ( كوردستان ) وتلك الفترة شكلت نواة العلاقة الطيبة بين الشعبين الكوردي والعربي واستمرت إلى يومنا هذا رغم وجود بعض الاختلافات بينهما.

مع انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى دخلت المنطقة في مرحلة جديدة من التحولات السياسية التي أثرت بشكل كبير على العلاقات الكوردية العربية. فقد تم تقسيم الأراضي الكوردية بين عدة دول جديدة تشكلت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية مثل تركيا، العراق، سوريا، وإيران. ومع قيام هذه الدول الحديثة بدأت القوميات المختلفة، بما في ذلك العرب والكورد ، تواجه تحديات تتعلق بالحقوق السياسية والثقافية.

عندما بدأ الفكر العربي بالنضوج واجه الكورد مشكلة حقيقة في التعامل مع هذا الفكر الذي حاول طمس اي فكر خارج حدود واقعه السياسي والاجتماعي مما دفع الكورد في البحث عن حلول لاستمرارية تواجدهم داخل المجتمع و الحالة الجديدة . وهنا بدأ التفكير في كيفية التعامل مع المجتمع العربي الجديد وبالأخص في العراق .
العلاقة بين الكورد والعرب في العراق هي واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في الشرق الأوسط. فقد شهدت هذه العلاقة العديد من التحولات على مر العصور من التعاون والتعايش السلمي في بعض الفترات، إلى الصراعات العميقة في فترات أخرى. يعود تاريخ هذه العلاقة إلى العصور الإسلامية المبكرة، حيث عاش الكورد في مناطق بلاد مابين النهرين ( العراق ) الشمالية، وكان لهم دور بارز في الإمبراطورية الإسلامية ولكن العلاقة بين الكورد والحكومات المركزية في بغداد تأثرت بشكل كبير بتطورات الأحداث السياسية والاجتماعية في القرن العشرين والعقود الأخيرة.

في العراق على سبيل المثال بدأ الكورد والعرب في التفاعل في سياق بناء الدولة الوطنية. في البداية كانت هناك محاولات لتوحيد الشعبين في إطار دولة واحدة لكن سرعان ما نشأت توترات بين الكورد والحكومة المركزية العراقية التي اخذت باستخدام لغة العنف في مواجهة حقوق الكورد الثقافية والقومية المشروعة .
لذا في العشرينيات من القرن الماضي أطلق الكورد في العراق العديد من الانتفاضات ضد الحكومة العراقية التي كانت تهيمن عليها النخب العربية القومجية مطالبة بحقوقهم السياسية والثقافية.
في هذا السياق كانت العلاقات بين الكورد والحكومات العراقية تتسم بالتوتر والصراع.
يتبع

قد يعجبك ايضا