د علي مهدي
شهد عام 2024 عدد كبير من الأحداث والمواقف، فاستمرت الحروب والأزمات وكانت هناك أيضا أكبر استحقاقات انتخابية في العالم.
فقد استمرت الحرب الروسية الأوكرانية دون أي حسم للصراع العبثي بين الدولتين والتي اريد لها أن تكون مستنقع للقوات الروسية عبر استنزاف موارد روسيا وامكانيتها البشرية وبالتالي ابعادها من حلبة المنافسة العالمية.
وكذلك تصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط الذي ابتدأت شرارته في السابع من تشرين الأول 2023 في غزة، وقد حُسم الكثير منها لصالح المشروع الأمريكي الإسرائيلي والذي توج بانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، على حساب تلاشي أثر مشروع الهلال الشيعي وما يسمى بوحدة الساحات المدعوم من إيران، وفقدان روسيا موطئ قدم مهم في مياه المتوسط الدافئة، وتحقيق تركيا ما كانت تخبئه في المنطقة.
استمرت الحرب الاهلية في السودان دون بصيص امل بإنهائها سلميا، مع وجود معاناة إنسانية واسعة، تضمنت وفاة الالاف من الأشخاص، ونزوح الملايين، بينما فشلت الجهود العربية والدولية في التوصل الى حلول تجبر طرفي الصراع على إيقاف الصراع المسلح.
وما يميز عام 2024 عن الاعوام الأخرى يعتبر عام الانتخابات الأكبر فقد شارك 4.5 مليار شخص في 80 دولة في تحديد قيادات دولهم من خلال انتخاب عدد من الرؤساء او انتخاب عدد من البرلمانات التي بدورها اختارت عدد من رؤساء الوزارات. حيث عاقب المقترعون الأحزاب الحاكمة في عدد من الدول، مما أدى الى خسارة أحزاب بارزة في دول مثل الهند، اليابان وجنوب افريقيا لعدد من مقاعدها واضطرارها إلى اللجوء لتشكيل حكومات ائتلافية.
روسيا: فوز بوتين بولاية خامسة
جرت الانتخابات الرئاسية في روسيا في الفترة من 15 إلى 17 آذار 2024. وتعد الانتخابات الرئاسية الثامنة في البلاد، وقد فاز فيها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بنسبة 88% من الأصوات، وهي أعلى نسبة في الانتخابات الرئاسية في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، وبهذا بسط قيصر روسيا سطوته على الدولة مستغلا الحرب في أوكرانيا، وحاجة البلاد للوحدة لتجاوز محنة الحرب.
إيران: فوز إصلاحي بعد غياب 19 عام
بتاريخ 19 ايار أعلن عن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومُرافقيه إثر تحطم مروحية بالقرب من ورزقان في محافظة أذربيجان الشرقية.
لتجري بعدها انتخابات جديدة، وفاز فيها المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان بعد حصوله على 16 مليون صوت الذي يدعو للانفتاح على الغرب بعد غياب ممثل الاصلاحيين عن السلطة دام أكثر من 19 سنة، في الجولة الثانية التي جرت في 6 تموز من الانتخابات الرئاسية الإيرانية أمام المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي الذي حصل على 13 مليون. وقد كانت نسبة المشاركة بحدود 49.8 بالمائة.
الهند: بريق مودي يخفت ونجم غاندي يسطع من جديد
شارك أكثر من 640 مليون ناخب وعلى مدار 6 أسابيع في الانتخابات التي جرت في الهند والتي كانت نسبة المشاركة قد تجاوزت ال 66 بالمائة نصفهم من النساء وتمثل أكبر انتخابات نيابية يشهدها الكوكب.
لم يحصل رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي وحزبه بهارتيا جاناتا الهندوسي على الأغلبية المطلقة التي كان يتوقعها، واضطراره على التنازل أمام عدد من الأحزاب المحلية لتشكيل حكومة ائتلافية، بعد سيطرته على البلاد لأكثر من عقد، وتعتبر هذه النتيجة انتصار بطعم الهزيمة، وبنفس الوقت بزوغ نجم خصمه زعيم حزب المؤتمر المعارض راهول غاندي.
بريطانيا: عودة العمال بعد اقصاء عن الحكم دام أكثر من 14 عام
استطاع حزب العمال بقيادة كير ستامر من الحصول على اغلبية مقاعد مجلس النواب البريطاني بعد نيله على 411 مقعد من 650 مقعدا، وبلغت نسبة المشاركة 59.9 بالمائة، ويبدو أن الناخبين يعاقبون المحافظين بسبب أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة وعدم استقرار امتد لسنوات وتنافس داخلي.
وكان ريشي سوناك رئيس الوزراء السابق قد فاجأ الجميع والعديد من أعضاء حزبه عندما دعا إلى إجراء الانتخابات في وقت أبكر مما كان يحتاج إليه في أيار.
فرنسا: انتخابات في غير وقتها ونتائج غير حاسمة
على أثر نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في 9 حزيران التي حقق فيها اليمين المتطرف الفرنسي على المرتبة الأولى، اتخذ الرئيس الفرنسي ماكرون قرارا بحل الجمعية الوطنية والدعوة الى انتخابات تشريعية قبل أوانها في 30 حزيران للجولة الأولى و3 تموز للجولة الثانية.
وقد أظهرت النتائج النهائية للجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة على تصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفائه في فرنسا حاصدا 33,1 في المئة من الأصوات، متقدما على تحالف اليسار الذي خاض الانتخابات تحت مسمى الجبهة الشعبية الجديدة (28 في المئة) وكذلك معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون (20 في المئة). مما أربك الحسابات لقوى اليسار واليمين التقليدي، واضطرار كل منهم على تقديم عدد من التنازلات لبعضهما البعض للتحضير لانتخابات الجولة الثانية التي جرت بتاريخ 3 تموز، وقد حققت اليسار الفرنسي فوزا غير متوقع فقد أسفرت نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية عن تصدر تحالف اليسار “الجبهة الشعبية الجديدة” لعدد المقاعد في الجمعية الوطنية بحصوله على 182 مقعدا مقابل 168 مقعدا للتحالف الرئاسي و143 مقعدا لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه. وبهذا تم قطع دابر حصول اليمين المتطرف على المركز الأول كما كان متوقع من قبل العديد من المراقبين.
إشكاليات تقاسم الفوز
على ضوء نتائج الانتخابات لم تستطع الأطراف الثلاث الرئيسة الحصول على الأغلبية المطلقة من مجموع مقاعد الجمعية الوطنية البالغة عددها 577. مما أتاح للرئيس الفرنسي التقدير الشخصي عند تعيين رئيس الوزراء وفق نص المادة الثامنة من الدستور الفرنسي لسنة 1958.
لقد ادخل هذا الوضع غير المسبوق في فرنسا بأزمة وزارية، حيث رشح الرئيس الفرنسي ميشيل بارنييه وهو أحد الشخصيات السياسية من خارج الجبهة الشعبية الجديدة بتشكيل الوزارة، ونالت الثقة بعد صوت لها أعضاء اليمين واليمين المتطرف، لكن سرعان ما تم حجب الثقة عنها، ومرة أخرى تم تعيّن فرانسوا بايرو، زعيم تيار الوسط، رئيسا للوزراء، من قبل الرئيس الفرنسي متجاهلا الطرف الفائز الأول والذي يبقى اسير مواقف اليمين المتطرف.
الحلول الممكنة
وتبقى فرنسا تعيش في ازمة وزارية نتيجة انتخابات لم تحسم الطرف الحائز على الأغلبية المطلقة، او الاتفاق على تشكيلة وزارية ائتلافية تجمع اليمين واليسار، كحائط صد ضد اليمين المتطرف.
الولايات المتحدة: ترامب يحقق تفويض غير مسبوق
وكان حدث الانتخابات الأبرز هو الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في تشرين الثاني، ولها دور مؤثر وبارز في تحديد مجرى العلاقات الدولية لما يتمتع به ساكن البيت الأبيض من سلطات وامكانيات لا يتمتع بها أي رئيس غيره، فقد انسحب منها الرئيس جو بايدن بعد ضغوطات عديدة، مفسحاً المجالَ لنائبته كاميلا هاريس التي تلقت هزيمةً على يد الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي شكل رجوعه للبيت الأبيض حالة لم تحدث الا قبل أكثر من قرن، وهو المعروف بتقلباته وعدم التكهن بقراراته.
إضافة الى فوز ترامب بمنصب الرئيس فقد حقق الجمهوريون في هذه الانتخابات ثلاثية الحكم أي الرئاسة ومجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)، وستسهم تلك السيطرة، في مساعدة ترامب على تنفيذ أجندته، بحسب قواعد الديمقراطية الأميركية، وهو تفويض غير مسبوق.
سريلانكا: فوز حزب الرئيس اليساري بالأغلبية المطلقة لمقاعد البرلمان.
شهدت سريلانكا انتخابات مبكرة في شهر تشرين الثاني، وقد حقق تحالف قوة الشعب الوطني بالأغلبية المطلقة بحصوله على 159 مقعد من مجموع مقاعد البرلمان البالغ عددها 225، بمشاركة أكثر من 70 بالمائة من الناخبين، وقد جاءت هذه الدعوة للانتخابات بعد فوز الرئيس أنور كومارا ديساناياكي الذي فاز بموقع الرئاسة في شهر أيلول من السنة الماضية لكي يتفرغ بتحقق برنامجه لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المسروقة، بعد عامين من الانهيار المالي.
ومن الجدير بالذكر ان الرئيس السريلانكي أنور كومارا ديساناياكي ابن عامل وناشط سياسي منذ شبابه وشارك في المظاهرات الطلابية، وانضم الى اتحاد الطلاب الاشتراكي، الجناح الطلابي لجبهة التحرير الشعبية التي شنت الكفاح المسلح في عام 1971قبل التخلي عن السلاح والانغمار في العمل السياسي السلمي.
مجموعة بريكس: ثبات في التواصل وتوسع في العضوية
احتلت مجموعة دول بريكس مكانة كبيرة على الصعيد العالمي في هذه السنة مقابل تكتل الدول الصناعية بقيادة الولايات المتحدة، وبدأت تأخذ دورها بعد التوصل في عقد اجتماعاتها الدورية والتوسع الحاصل في عدد أعضائها باعتباره ميدان مهم لتعزيز التعاون والوحدة بين دول الجنوب العالمي وزيادة تأثيرها كمنصة رئيسية للتعاون الدولي. وقد تزايد نشاط مجموعة بريكس في فترة رئاسة روسيا لهذه السنة التي قامت ب 250 فعالية ومنح بيلاروس، بوليفيا، إندونيسيا، كازاخستان، ماليزيا، تايلاند، أوغندا، وأوزبكستان صفة الدول الشريكة يمثل “علامة فارقة جديدة”.