مسرور بارزاني: كركوك “قلب كردستان” ووجعه!

عمّار الجندي

كشف بارزاني للمرة الأولى عن قصيدة له باللغة الكردية بعنوان “كركوك وجع القلب” مؤلفة من 9 مقاطع ثنائية. 

الكلمة لا تقتل كالسيف، بيد أنها تجرح حتى إذا صدرت عن شخص عادي في أحوال عادية. فكيف إذا قالها زعيم من قماشة مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان، وسط الأزمات التي تعصف بالمنطقة بإيقاع متصاعد؟ الموجات الارتدادية للزلزال السوري، الذي ضرب شرق المتوسط إثر حرب لبنان التي أخلت بموازين القوى بشكل حاسم، تنذر بخطر محدق. ولم يرَ العالم بعد سوى المقدمات الأولى لنتائج سياسات أخذت تجد طريقها إلى حيز التنفيذ في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد. وسيتمدد تأثيرها الفعلي في رقعة تزداد اتساعاً بصورة تدريجية. وفي غضون ذلك، تتصارع الأطراف الكبيرة لزيادة حصتها من الغنائم التي فتحت دمشق أبواب خزائنها.
في هذه المناخات، كشف بارزاني للمرة الأولى عن قصيدة له باللغة الكردية بعنوان “كركوك وجع القلب” مؤلفة من 9 مقاطع ثنائية. توحي الترجمتان العربية والإنكليزية، أن الدلالات السياسية تحظى بالأولوية على الفنية في النص الذي يتناول من خلال قصة كركوك سيرة شعب له تاريخ ينضح بالاضطهاد والنضال أيضاً.

واختيار المدينة نافذة يُطل منها على آلام الكُرد وآمالهم هو في أحد أشكاله تذكير بالعلاقة العضوية بين كركوك والشعب الذي يعتبرها درته النفيسة ورمز شخصيته الثقافية والسياسية ونبع مشاعره القومية. 
تئن كركوك في هذه القصيدة القصيرة بعدما عانت من عمليات الإبادة، وأنهكها الغزاة فصارت “مدينة الأنفال وضحاياي/ أنا محتلة وسجينة”. لكن لطالما وقفت بحزم في وجه الطامعين، إذ يقول السارد/الساردة ” تاريخي مليء بالسيادة / والنضال ضد الاحتلال”. يتعرض ماضيها للمصادرة أو التجاهل، إذ نسي الآخرون اسمها و “طمسوا اسمي وعنواني”. وحاولوا إضفاء صبغة العادية عليها فراحوا “يقللون” من أهمية اسمها، ويعقدون المقارنات بينها وبين غيرها من المدن. لعلهم تناسوا أنها استثنائية لا مثيل لها أقله لأنها “قلب كردستان”، كما سمّاها الزعيم المؤسس الملا مصطفى البارزاني، جدّ الشاعر. وقد استُحضرت هنا لربط الحاضر بالماضي.

ينهل النص من ثقافة الكُرد وتاريخهم صوراً ورموزاً ثم يعيد انتاجها على نحو مكثف يمكن أن يتلمس القارئ فيه نسقين من المتناقضات. تشكل تعابير “الأنفال” و “الاحتلال و”السجن” وتجاهل الاسم والعنوان منظومة تتفاعل مع منظومة ثانية تضم “السيادة” و “النضال” و “التعايش”. وترتفع نبرة السرد من مقطع إلى آخر، حتى يصل إلى ذروته حيث “التعايش” بوئام من جهة، و”البيشمركة” حماة الدار، من جهة ثانية. إذن، يطمح الكُرد للعيش المشترك ويسعون إليه لكنهم لن يركعوا إذا كان الآخرون غير مستعدين لقبوله. 
ثمة تساؤلات تثيرها القصيدة التي نُظمت قبل سنوات. فما سر نشرها الان للمرة الأولى، فيما يسود التوتر المنطقة ويجعلها أكثر احتقانا منها قبل سبع سنوات حين كادت كركوك تمضي بالمتنازعين عليها إلى حقول النار؟ 
وأياً كان السر، فالمهم خطورة الواقع الذي استلزم قرار نشرها في وقت تتسابق فيه تركيا وإسرائيل على نهش هذا الجزء من جنوب سوريا أو ذاك من شمالها. في هذه الأثناء، يكثر الحديث عن “الشرق الأوسط الجديد” الذي يبدو أنه لن يكون إسرائيليا محضا بل قد يكون لتركيا حصة وازنة فيه. 
أنقرة التي تشعر بنشوة الانتصار أخذت تدعي الحق في ضم حلب وحماه وحمص، حسبما يتردد على لسان نواب تحت قبة البرلمان وخارجه. وراجت خطابات دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، التي تؤكد هذا الحق المزعوم. وموقف هذا السياسي المؤمن بتفوق العرق التركي، منسجم، أو متطابق، مع موقف حليفه رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي. 
والأدهى أن بهجلي يطالب الآن بالموصل وكركوك، بينما يدعي أردوغان أن الرقة وحلب ودمشق وإدلب ينبغي أن تكون جزءاً من بلاده! فهل تعد تركيا العدة كي تستل “قلب كوردستان”؟ لا يستبعد ذلك، على ذمة تقارير إخبارية تركية. ومن المؤشرات التي توحي بهذه النية تشكيك صحف تركية بالتعداد السكاني الأخير لكركوك. والأرجح أن ذلك جاء بغرض تعزيز موقف المكون التركماني، أو “حصان طروادة” الذي تسعى أنقرة إلى التسلل عبره إلى المدينة التي تطفو على النفط.
في المقابل، ترتفع أصوات الجماعات الموالية لإيران مؤكدة حرصها على أمن كركوك و”جهوزيتها” للدفاع عنها، ما يوحي بأن طهران ربما تجد في الأزمة القديمة- الجديدة فرصة لعرض العضلات وإعادة الثقة بقوتها بعدما مُنيت بهزائم كبيرة. وبدوره، لم يغب تنظيم داعش عن المشهد، بل رفع علمه قبل أيام في المحافظة.
هذا التحشيد وتلك الأخطار الآخذة بالتفاقم، قد تعاونا على دفع رئيس الحكومة إلى وضع أسلوبه الدبلوماسي الرصين جانباً، واستعمال خطاب جديد يكفل له التشديد بشكل مختلف على موقف الكُرد الثابت من قضية كركوك والتنبيه إلى الحقائق من دون ضجيج أو استفزاز.
واختيار الشعر بلغته المواربة أداة لهذا “التواصل”، اختيار موفق باعتبار أن الشعر “همس” لا صخب فيه. 
هكذا تخرج قصيدة “كركوك وجع القلب” إلى النور في الوقت الذي يستنفر فيه الطامعون بالمدينة، لتذّكر الجميع أن إقليم كردستان الذي تصدى ببسالة لإرهاب داعش، قادر على الدفاع عن كركوك ومستعد لحماية “قلبه” ولو بجفن العين. 

*********

قصيدة “كركوك وجع القلب”

يقولون لي إنها قدس الكورد
 متى يكون هذا مبرراً وضميرياً

 لتكن القدس أكثر قدسية مني
 عسى أن يكون اسمها أحب إلي

 تاريخي مليء بالسيادة 
 النضال ضد الاحتلال

 مدينة الأنفال وضحاياي
 أنا محتلة ومسجونة

من يملكوني طُردوا
 وُضع الغرباء في مكانهم
 لماذا ينسون تاريخي؟
 يطمسون اسمي وعنواني

 لماذا يستخفون باسمي؟
 يقارنونني بأماكن أخرى

 مدينتي مدينة التعايش 
 البيشمركة هي حارستي الشخصية

 كلمات بارزاني جميلة
 كركوك هي قلب كوردستان

قد يعجبك ايضا